غيّرت ثورة 25 يناير الكثير من المفاهيم وحتمت علينا إحداث ثورة أخرى مماثلة على أساليب وأنظمة التعليم والمناهج الدراسية بمدارسنا وجامعاتنا لتتلاءم مع ما حملته هذه الثورة من مفاهيم جديدة ومنها الديمقراطية والمواطنة وقبول الرأى والرأى الآخر والعدالة الاجتماعية. «أكتوبر» استمعت إلى آراء خبراء التعليم عن رؤيتهم فى الإصلاح المطلوب إدخاله على التعليم المصرى ليتماشى مع العهد الجديد. بداية.. تؤكد د. محبات أبو عميرة - أستاذ العلوم التربوية بجامعة عين شمس - أن هذه الثورة أحدثت تغييرا فى كل شىء وجعلتنا فى أمس الحاجة لثورة تعليمية بدءا من مرحلة رياض الأطفال وحتى الجامعة لتخريج متعلم قادر على التعامل مع المعطيات المحلية والحفاظ على مخرجات هذه الثورة. فعلى مستوى الجامعة ترى د. محبات أن نعطى للطالب مقررات دراسية تثقيفية وأخرى عن حقوق الإنسان، فنحن فى جامعاتنا فى حاجة لمقرر للتربية السياسية، لأنه إذا نظرنا لشباب «الفيس بوك» الذى أحدث هذه الثورة هم خريجو الجامعات العربية الحكومية والخاصة، وبالتالى فنحن فى احتياج لأن ننمى لديهم ما يسمى بالتربية السياسية ليكون لديهم وعى بأى قانون أو دستور جديد يصدر.. وهذا لا يعنى أننا نريد أحزابا سياسية داخل الجامعات حتى لا تكون هناك صراعات داخل الجامعة. وتضيف: أننا فى حاجة لتدريب الطلاب بالجامعات على التربية السياسية وهى كيف يدلى برأيه وأهمية مشاركته فى الانتخابات حتى لا يكون منعزلا عن المجتمع. أما بالنسبة للامتحانات والكلام مايزال على لسان د. محبات فإنه لا ينفع مع هذه الثورة والتى هى نوع من التمرد على الواقع الأساليب التى تتبع فى الامتحانات.. والأمر يتطلب إدخال مفهوم الإبداع فى الامتحانات للوصول إلى حلول جديدة، فلابد أن تواكب الامتحانات أيضا هذه الثورة بأن تكون أسئلتها إبداعية تقيس ما سوف يتنبأ عنه فى المستقبل مثل أسئلة «ماذا يحدث لو..»؟.. على أن تكون الإجابات متعددة ومختلفة، وبالتالى لابد فى المرحلة القادمة أن ندرب طلابنا على ممارسة العملية الإبداعية من تدريبهم على الأسئلة الجديدة فى الإبداع حتى لا يصدموا عندما تأتى الامتحانات وهذا يتطلب معلما ديمقراطيا بجانب منهج دراسى ومشاركة طلابية للأنشطة. وتؤكد د. محبات أننا فى أشد الحاجة إلى إنشاء ما يسمى بالبرلمان الصغير بالمدارس وبرلمان الجامعة بالجامعات.. لتدريب التلاميذ والطلاب على التربية السياسية. وهذا الفكر هو المطلوب نقله لجامعاتنا ومدارسنا، فعلى سبيل المثال إذا أراد وزير التعليم أن يأخذ قرارا يمس القاعدة العريضة، فلابد أن يأخذ رأى هذه القاعدة وهم المدرسون والطلاب وأولياء الأمور ليخرج القرار ديمقراطيا من خلال استمارة استبيان يؤخذ فيها رأى القاعدة ثم بعدها يأخذ الوزير القرار على ضوئها وهذا ما يحدث فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما د. حسن شحاتة - الخبير التربوى وأستاذ المناهج وطرق التدريب، فيؤكد أن ثورة 25 يناير التى قادها الشباب المصرى هى ثورة لإصلاح التعليم وبناء مجتمع تعليمى جديد لمجتمع جديد. المبادئ الثمانية للإصلاح ويرى د. شحاتة أن هذه الثورة تتطلب إعلان مبادئ جديدة لإصلاح التعليم المصرى أولها أن يكون التعليم قضية مجتمع وليس قضية وزير أو وزارة.. وأن يكون مفهوم التعليم هو قضية أمن قومى، لأنه استثمار للإنسان المصرى وليس خدمة تقدم لأبناء الشعب. والمبدأ الثانى أننا نحتاج إلى إدارة وطنية حكيمة بالمجال التربوى فى كافة المستويات التعليمية بدءا من المعلم وانتهاء بالوزير، هذه الإدارة لابد أن تمتاز بالمرونة والخبرة والكفاءة وتؤمن بالتسامح والعيش معا، وأن ترفع شعار أن الجميع أذكياء وأن التميز يجب أن يكون للجميع. ويضيف د. شحاتة أن المبدأ الثالث المطلوب إدخاله فى التعليم المصرى فى الفترة القادمة هو إدخال تعليم يقوم على «اللامركزية» فى التنفيذ، بحيث يكون كل محافظ فى محافظته مع قيادات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية مسئولين عن التعليم ويصبح مدير التعليم بالمحافظة وزيرا للتعليم فى محافظته ويصبح لكل مدرسة مجلس أمناء دوره تحقيق جودة التعليم وتنفيذ الاستراتيجيات الحديثة فى التعليم والتقويم.. ورابع المبادئ إدخال الشراكة المجتمعية وتنويع مصادر تمويل التعليم بالجهود الذاتية من خلال رجال الأعمال الشرفاء وتحويل مؤسساتنا التعليمية لتكون مصدر إشعاع ويصبح المخلوط الورقى والكمبيوتر معا هما الوسيط التعليمى وتكوين إنسان مصرى جديد يتجاوز المحلية إلى العالمية. أما المبدأ الخامس فهو إدخال تعليم جديد يقوم على المعلم التربوى بعد أن وجد أن 67% من المعلمين الذين يقومون بالتدريس حالياً غير تربويين وغير مؤهلين للعملية التربوية! والمبدأ السادس أن يكون هناك تعليم يؤمن بالمواطنة والديمقراطية والحرية باعتبارها مفاهيم وقيما جديدة وهى الوليد الشرعى لثورة 25 يناير ليحولها التعليم إلى واقع عملى عبر مناهجها الدراسية ومن خلال الأنشطة خارج الفصل المدرسى وقاعة المحاضرات. أما المبدأ السابع كما يقول د. شحاته فهو تحقيق تعليم للجميع وبالمجان فى جميع المراحل والمستويات يؤمن بأن الإبداع للجميع دون التفرقة بين التعليم فى الريف والحضر وبين التعليم الحكومى والخاص وبين التعليم العام والفنى ويسمح بالاستيعاب الكامل بعيدا عن التسرب.. والمبدأ الثامن هو إدخال تعليم جديد يرتبط باحتياجات سوق العمل المتغير عن طريق تسليحهم بالمهارات والمقررات بتدريبهم فى المؤسسات الإنتاجية والمصانع والشركات والمزارع والمتاجر حتى يمزج بين الدراسة النظرية فى الجامعات والمدارس والتطبيق العملى فى المؤسسات المجتمعية الانتاجية حتى نقضىعلى القنبلة الموقوتة وهى «البطالة». ويقترح د. حسن شحاتة إعداد جداول دراسية خاصة بمفاهيم ما بعد 25 يناير وأهمها مفهوم الحرية والمسئولية والمشاركة والديمقراطية، مطالباً بأن تخصص الجامعات جداول لتعليم تبادل الأفكار والحوار فى تخصيص غرف للحوار تكون مهمتها الإجابة عن أسئلة الطلاب وإقامة الحوار معهم بأسلوب ديمقراطى منظم والاهتمام بالقيم الأخلاقية، لأن مصر دولة دينية مسلمة ومسيحية.. وتعليم احترام الكبير وتقدير رموز الوطن لأن مصر دولة مؤسسات. ومن جانبه يرى د. صديق عفيفى رئيس جامعة النهضة أن الأمر يحتاج لإصلاح كامل للمنظومة التعليمية فإذا نظرنا للجامعات فى مصر نجدها تدرس تاريخ العلوم وليس العلم نفسه.. فهى جامعات متخلفة من ناحية المادة العلمية وتفتقر للمعامل التى تكسب الطلبة المهارة. ويضيف د. عفيفى إذا نظرنا أيضاً لمشروع الجودة فى التعليم العالى فإننا نجده هو الآخر على الورق فقط وبعض رؤساء الجامعات يعيشون فى «برج عاجى» ولديهم اعتقاد بأن جامعتهم هى على أحسن ما يكون. ويرى د. عفيفى د. عفيفى أن المنظومة التعليمية تحتاج لإعادة ترتيب برؤية حقيقية، فالشباب الذين قاموا بثورة 25 يناير استخدموا تكنولوجيا المعلومات مثل «الفيس بوك» والانترنت وهى مهارات اكتسبوها من كم المعلومات التى حصلوا عليها من العالم الافتراضى متمثلا فى الكمبيوتر والنت رغم أننا كنا نظن أنهم شباب خيبان وفاشل ولكن عندما تكلموا وجدنا أمامنا شبابا واعيا وفاهما ومستنيرا. وأن لديه خلفية راسخة لم يكتسبها من التعليم المصرى ولم تكن من نتاجه، ولكن اكتسبها من خلال تكنولوجيا المعلومات ومن خلال مشاهدتهم للديمقراطية فى العالم المتقدم واختزنت فى دواخلهم حتى أخرجوها يوم 25 يناير. ويؤكد د. عفيفى أن المهم فى الفترة المقبلة أن تكون هناك رؤية لإصلاح التعليم وخاصة أن الحكومة الحالية أغلب أعضائها من أساتذة الجامعات وهو شىء حميد ومبشر بمستقبل زاهر لمصر.. بأن يضعوا التعليم فى نصاب أعينهم بتخصيص ميزانية مناسبة والاعتماد على الكوادر التعليمية ذات الخبرة فى هذا المجال لأنه لا فائدة من تخصيص ميزانية بدون قائد سفينة لا يستطيع قيادتها ولا يفهم مداخلها. ومن جانبه يرى د. أحمد عطية - رئيس جامعة 6 أكتوبر - أن بداية إصلاح التعليم فى المرحلة القادمة لابد أن تبدأ من التعليم قبل الجامعى وخاصة المرحلة الابتدائية والتى تحتاج إلى نوع من التأنى والمثابرة لأنها مرحلة مهمة فى حياة الطالب. ويطالب بالاهتمام بالامتحانات ووضع أساليب تربوية تعتمد على قياس القدرة على الفهم والاستيعاب وليس الحفظ والتلقين وإرضاء المجتمع وفقا لمعايير تربوية لا تتأثر بالإعلام. ويرى د. عطية أن يكون التعليم الجامعى للمتفوقين وعدم الاعتماد على مكتب التنسيق وحده فى القبول بالجامعات بأن تكون هناك معايير أخرى يستند عليها فى الدخول للجامعات مثل اختبارات القدرات. ويطالب د. عطية بالاهتمام الفنى خلال المرحلة القادمة، حيث إن هذه النوعية من التعليم ظلمت خلال السنوات الماضية لأنه سيخرج لنا صناع وفنيين مهرة وهذا ما يحتاجه سوق العمل. التعليم يقوم على المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية لأن الأفراد فى زوال والوطن هو الباقى.. وأن المستقبل فى إصلاح التعليم لأنه هو قاطرة التقدم، مؤكدا أننا لو استمرينا على منهج هذه الثورة فى تفكيرنا وإصلاح نفوسنا وضمائرنا بجانب إصلاح التعليم فإنه من الممكن خلال ال 10 سنوات القادمة أن تكون مصر دولة متقدمة. ويؤكد د. عطية أن مستقبل التعليم فى مصر هو المفتاح الذى يصل بنا إلى أبواب النهضة.. وأننا نأمل فى الحكومة الحالية أن تكون واعية بأهميته. ومن ناحيته يؤكد د. صديق عبد السلام نائب رئيس جامعة الإسكندرية للدرسات العليا أن إحداث التغيير فى مصر يبدأ من إصلاح التعليم. وأضاف أن الشباب المصرى أثبت أنه بذكائه وإطلاعه الشخصى قادر على أن يتغلب على عيوب نظام التعليم لذلك فلابد من النظر إلى التعليم كعامل مهم للحاق بمن سبقونا.. ولابد من تحقيق ديمقراطية التعليم حيث إنه مفهوم غائب فى مصر فالأخذ برأى المتعلم شىء ضرورى فى المرحلة القادمة كما يجب أن تتغير العلاقة بين المعلم والطالب.. وأن يتغير دور المعلم من الملقن إلى المحاور ويكون أكثر ديمقراطية فقد يكون لدى الطالب رؤى أكثر من المعلم وهذا لا يقلل من شأن المعلم. أما بالنسبة للتعليم الجامعى فيجب أن نستمع إلى رأى الطالب فى تطوير المناهج وأن يقيّم الطالب أساتذته فى تطوير المناهج ويقول رأيه فيهم من حيث أساليبهم فى التدريب وتوصيل المعلومة.. وهذا الأسلوب موجود فى دول العالم المتقدم حيث نجد أن الطالب يقيم أساتذته باعتباره هو متلقى الخدمة، ولكن يجب أن يكون النقد بناء وقائماً على الاحترام المتبادل. والمفهوم الثانى الذى نريده - كما يقول د.صديق عبد السلام - أن يكون التعليم للتمتع وهذا المفهوم موجود فى العالم ولكنه غائب فى مصر حيث إن التعليم فى مصر ما هو إلا «هم» بدءاً من الطفل وهو فى الحضانة إلى الباحث للدكتوراه، مؤكداً أن «الهم» الأكبر للأسرة المصرية هو ما تتكلفه من فاتورة باهظة بسبب الدروس الخصوصية وانتشارها فى كل المستويات والمراحل التعليمية بدءاً من الحضانة وحتى الدكتوراة (!!) فى حين أن الطالب فى أى مكان فى العالم يستطيع ويتعلم فى وقت واحد ولكن التعليم فى مصر يعتبر هماً كبيراً على الأسرة وتختلف درجته على حسب المرحلة التعليمية وحسب نوع التعليم.. وهذا يجب تفيده ليكون التعليم للتمتع.