بدأت الجمعية التأسيسية للدستور برئاسة المستشار حسام الغريانى المرحلة الثانية من عملها، حيث انتهت بعض اللجان من إعداد موادها وتقديمها إلى لجنة الصياغة التى انتهت من حوالى 50 مادة تتعلق بالحقوق والحريات.. بالإضافة إلى صياغة بعض المواد الجديدة التى استحدثتها لجنة المقومات الأساسية عن تحصيل الزكاة من المكلفين وفق الشرعية الإسلامية وحماية الوحدة الثقافية واللغوية ومادة جديدة عن حقوق العمال والفلاحين. أما عن بعض الألغام التى مازالت موجودة فى طريق الدستور الجديد.. والتى لم يتم حسمها حتى الآن قبل قضية النظام الانتخابى.. وهل يكون بالقائمة فقط أم يكون مزيجا مختلطا من القائمة والفردى.. بالإضافة إلى قضية الشريعة الإسلامية ومرجعية الأزهر، ووضع القضاء العسكرى؟.. وهل يتبع الهيئات القضائية المدنية؟. وتعتبر قضية عرض بعض القوانين على المحكمة الدستورية العليا بعد مناقشتها من البرلمان وقبل إصدارها من القضايا الشائكة والتى تختلف الآراء حولها، فقد تم الاتفاق على عرض القوانين المتعلقة بالانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحليات ومباشرة الحقوق السياسية على المحكمة الدستورية. وهذا النظام يسمح بأن تكون هناك رقابة سابقة على إصدار القوانين قبل صدورها لضمان عدم الطعن عليها بعد صدورها وأن المحكمة الدستورية العليا تحدد أولا إذا كان القانون دستوريا أو مخالفا للدستور. وأذكر أن بعض الأصوات البرلمانية فى دورات مجلس الشورى السابقة كانت تنادى بضرورة هذه الرقابة السابقة للحد من صدور قوانين باطلة وتخالف الدستور.. ولكن د.عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق كان من أكثر الفقهاء الدستوريين عداء لهذه الرقابة السابقة على حد تعبيره. وقال لى فى أحد حواراته معى إن القوانين تفسد حين تصدر بصورة متعجلة وأن الرقابة السابقة كالرقابة المتعجلة، لأنها تنظر إلى القانون قبل أن يطبق وقبل أن تتبين الآثار الوخيمة المترتبة على هذا التطبيق.. وضرب لى المستشار عوض المر- رحمه الله - مثلا بعلاج مريض بدون تشخيص.. فالتطبيق هو الذى يشّخص لنا العيوب على حد تعبيره بالضبط. ولكن عندما قلت له: وهل لابد أن يكون للقانون ضحايا حتى نعرف عيوبه؟ رد علىّ بقوله إنهم ليسوا ضحايا، لأنه لو صدر القانون على حّلاف أحكام الدستور، فمن كان ضحية سيصبح منتصرا.. وسوف يحصل على حقه من خلال إلغاء القانون غير الدستورى. وأذكر أننى قلت له فى ذلك الوقت إن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا والنمسا وإيطاليا وبعض الدول العربية كالمغرب وتونس تأخذ بنظام الرقابة السابقة على القوانين التى سوف تصدر من السلطة التشريعية. لكن المستشار عوض المر قاطعنى وقال لى: إن بعض الدول بلغ الرأى العام فيها درجة من النضج لم نصل إليها، وهذه الدول الأوروبية التى تستدل بها توجد فيها جماعات ضغط تحسب لها الحكومة ألف حساب. أما فى مصر وبعض الدول، فالأرضية غير ممهدة لذلك!. qqq وعاد ليؤكد لى أنه من أشد أعداء الرقابة السابقة لأنها مع الوقت سوف تأكل الرقابة اللاحقة. وضرب لى رئيس المحكمة الدستورية الأسبق مثلا بأن الحكومة لو عرضت على المحكمة الدستورية العليا 300 مشروع قانون وطلبت مراجعتها فى خلال 30 يوما.. وأن أحد هذه القوانين به 500 مادة، وطلبت منها الانتهاء منه.. فإنها لا تستطيع الانتهاء منه فى فترة وجيزة.. وأنها نظرت مشروع القانون بصورة إجمالية ولم تستطع أن تتمعن فيه أو تتعمق فيه، وبالتالى فإذا قررت أن مشروع القانون لا عيب فيه فلن يستطيع أحد أن يطعن فيه بعد ذلك وبعد تطبيقه. وقلت له: لكن قانون المحكمة الدستورية يقول إن صاحب المصلحة هو وحده الذى يطعن فى عدم الدستورية. قال لى: هذه القاعدة مقررة فى دول العالم جميعها باستثناء قلة معينة تجيز أن يطعن بالطريق المباشر فى عدم دستورية القوانين. فالولايات المتحدةالأمريكية وهى الدولة الرائدة فى مجال الرقابة على دستورية القوانين تقول: «لا دعوى بلا مصلحة». qqq كانت هذه بعض الآراء والاقتراحات أردت وضعها أمام أعضاء الجمعية التأسيسية عن الرقابة السابقة والرقابة اللاحقة لتكون تحت نظرهم قبل البت فى هذه القضية المهمة.