تشهد العلاقات السورية– الإسرائيلية حالة من الجمود ولكنها مشوبة بالحذر. وحسب ما جاء فى مقال كاتب صحيفة هاآرتس الإسرائيلية «عقيبا ألدر» فإن أول المخاوف التى تنتاب إسرائيل الآن هى الأسلحة الكيماوية السورية وتهريب الأسلحة عن طريق سوريا إلى حزب الله والتحالف الإيرانى الإسلامى معها، بناء دولة تحت راية الإسلام مثلما يشاع فى بعض الدول العربية الأخرى، كما ترى أن ما يحدث الآن فى سوريا هو من إحدى النتائج السيئة التى أتت بها ثورات الربيع العربى. وهناك حالة تأهب شديدة واستعداد لحرب قادمة تقوم بها إسرائيل الآن، فى حال سقوط نظام الأسد، وتجد أن الوضع لن يقف عند هذا الحد فهناك مؤشرات لتقسيم سوريا بعد سقوطه إلى أربع كانتونات، فسيكون هناك إقليم كردى فى الشمال، وإقليم علوى فى منطقة الساحل يشمل مدينتى طرطوس واللاذقية، وإقليم سني، وإقليم درزى فى جبل الدروز، وإسرائيل ليس لديها أى مصلحة فى هذا التقسيم، ومصلحتها الآن أصبحت تكمن فى وجود حكم مركزى فى سوريا، حكم متكتل يتحكم فى السلاح الكيميائى السورى الذى أصبحت مخاوف إسرائيل منه لا تقل عن مخاوفها من النووى الإيرانى. ويرى الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وخبير الدراسات الإسرائيلية، أنه فى مجرى العلاقات السورية الإسرائيلية أبعاد مرتبطة بشكل كبير فى حالة بقاء بشار الأسد حتى رحيله لكن هذه التصورات اختلفت من مرحلة إلى مرحلة، ففى وقت معين كانت إسرائيل ترفع شعار مبدأ نبقى وننتظر مراقبه عن بعد ما يحدث لكل ما حولها من جهة الجانب الآخر وهذا كان فى السنة الأولى لعمر الثورة السورية، والمرحلة الثانية وهى مرحلة سوريا الجديدة التى تكونت بها علاقات جديدة وأصبح حينها الهم الأول للإسرائيليين وشغلهم الشاغل الأسلحة السورية الكيماوية والخوف من أن تقع فى يد حزب الله بالجانب اللبنانى وكيف سيكون مستقبل هذه الأسلحة الكيماوية بهذه الصورة . وأضاف فهمى أن المشكلة الرئيسية لإسرائيل أصبحت هى كيف سيكون الدعم للقضية السورية وكيف سيكون بديل بشار الأسد، ولديهم توقعات فقط بأن يكون هذا البديل من الإخوان المسلمين بالأساس وليس طرفا آخر، وبالتالى لديهم تصور حقيقى تجاه سوريا الآن فهم يرون أن سوريا من مصلحتها عدم التدخل فى الأزمة السورية حتى اتضاح الرؤية المرتبط بأكثر من نقطة الأولى أن سوريا ستقع فى حرب طائفيه ولن تستقر رغم صعود تيار الإخوان المسلمين، والخيار الآخر أن الرئيس بشار الأسد يستمر فى خوض عملياته الدموية وسوف ينحصر فى جبال العلويين فى دويلة صغيرة وهذه الدويلة الصغيرة من السهل أن تنقسم بها سوريا فى مجموعة من الكنتونات. والتقديرات الإسرائيلية تقول إنه لابد أن نتعامل مع النظام السورى الآن ولكن بدون التدخل بالقوى العسكرية لكن إسرائيل تراقب الأوضاع السورية العسكرية من خلال أسلحتها ومنع وصول السلاح إلى حزب الله، وهناك تعاون مكثف بين إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية الآن، وهى التى تمنع الآن إسرائيل من توجيه أى ضربات لمخازن الأسلحة الكيماوية، كما أن الإدارة الأمريكية لديها تصور بأن أى هجوم إسرائيلى على سوريا سيجعل النظام السورى يبقى لمدة أطول، وهذا اتضح من زيارة وزير الدفاع الأمريكى لإسرائيل مؤخراً ولكن فى كل الأحوال هم يتوقعون بأن مجمل السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا يكمن فى المتابعة والترقب ومتابعة العلميات العسكرية والإستراتيجية والحد مما يجرى داخل سوريا، كما أنهم يحاولون على الحفاظ على احتلالهم للجولان وعدم تسليمها لسوريا مرة أخرى لأنهم يخشون من تحولها إلى سيناء جديدة بها خطر صواريخ وتنظيمات جهادية. وأشار د. طارق فهمى إلى أن هناك نقطة مهمة للغاية وهى وجود فجوة عسكرية داخل إسرائيل تجعلها فاشلة الى حد ما فى التعامل مع النظام السورى الحالى، فالموقف السورى الراهن أصبح مقترباً بشكل كبير من الموقف الأمريكى والأوروبى، ومن المتوقع أن يستمر موقف الحكومة الإسرائيلية فى هذا الاتجاه، ولكن الذى يشغل الإسرائيليين الآن هو أن إسرائيل ستستثمر هذا الوضع فى سوريا لتحريض حزب الله ضد إيران وهم يراهنوا على انهيار النظام السورى فى الظل الفوضى الموجودة به وتحول سوريا إلى دولة فاشلة تحت إمارة سلطات محلية موجودة بها، حتى لو صعد حكم سنى متدين بعد سقوط الأسد، وهو ما يرونه أسوأ السيناريوهات المطروحة أمامهم الآن، لأنه سيجعل الحكم السنى هذا يبادر بمواجهة عسكرية لاسترداد الجولان، لذلك إسرائيل تراقب من بعيد للاستعداد لهذه اللحظة. ويرى فهمى أن الرؤية المستقبلية للموقف الإسرائيلى السورى مرتبطة بحرص إسرائيل على بقاء نظام بشار الأسد، إلى حين الاطمئنان إلى أوضاعها الاستراتيجية، كما أن هناك خلافات عسكرية بإسرائيل تمنع توجيه ضربات عسكرية مباشرة بين الطرفين أدت إلى تضارب التصريحات الإسرائيلية غير المباشرة إلى سوريا فيما بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى يريد السلام وبين وزير الدفاع إيهود باراك الذى يريد الحرب، لذا فإسرائيل تعتمد على التدخل الأمريكى لإرباك المشهد السورى بأكلمه، لأنه ليس من الذكاء السياسى تدخل إسرائيل بمفردها لحين فتح صفحة جديدة مع خليفة بشار، وفى الوقت ذاته نرى إسرائيل أن تبقى سوريا منهكة وضعيفة ولكنها لن تدخل فى مواجهة عسكرية مباشرة مع سوريا فبسبب قصر المسافة بين دمشق وتل أبيب التى تصل إلى 30 أو 35 كيلو، لا يريد الإسرائيليين إقحام أنفسهم فى مواجهة عسكرية مباشرة داخل سوريا يمكن أن تكون المواجهة داخل الجولان فقط. كما يرى الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق والخبير السياسى، أنه يجب علينا أن نعطى قيمه للتصريحات المتبادلة بين إسرائيل وسوريا ، ولكن يجب علينا الالتفات إلى المعركة الكبرى الجارية بسوريا الآن بين القوى الثورية ضد حزب نظام بشار الأسد وحزب البعث الحاكم، وهى معركة ممتدة من سنة ونصف السنة تقريبا وهذه الحرب سقط بها 20 ألف نسمة ودمرت كثير من المدن والحواضر السورية ، وهناك أطراف سياسية كثيرة تحاول استغلال الفوضى السورية ، وأطراف أخرى تحاول التحوط من الموقف ، وهناك قوى أخرى محالفه للنظام السورى كإيران والعراق أصبحت قلقة بشكل كبير مما يحدث بسوريا الآن خائفة على الأقليات الشيعية والأطراف السنية هناك، وعلى الجانب الأخر قوى متحالفة مع الثوار تمد بعضهم بالسلاح مثل قطر والبعض الآخر يمدهم بالأموال كتركيا والسعودية وإسرائيل وسط تخوفات من أن تتحول سوريا إلى حكم إسلامى.