المواجهة الدائرة على أرض سوريا أيقظت كل أنواع المخاوف والتساؤلات، فهناك من يعتقد أن عمليات القتل والتدمير مزقت النسيج الوطنى السورى، وأنه لن يكون سهلا عودة هذا النسيج إلى التعايش ونجاحه فى ظل غياب قوة مهيمنة على الأوضاع- بعد سقوط الأسد- عادت الجروح القديمة بين السنة والشيعة، وعمقتها عمليات القتل والتهجير والنزوح والمجازر المتكررة والمساندة القوية من إيران وحزب الله لنظام الأسد. معنى انهيار سوريا انحسار الدور الإيرانى وفقدان حزب الله الشريان السورى الحيوى لاستمراره، وأيضا خروج روسيا من آخر موقع لها فى العالم العربى، انهيار سوريا سيلقى بظلاله بقوة على لبنان موحدا، وكذلك الأكراد والوضع فى تركيا والعراق. هذه المخاوف كلها هى التى تجعل الموقف الدولى مترددا من التدخل العسكرى وإطالة أمد حل السياسى لتجنب كل هذه المخاوف. قلما وضعت اشتراطات على ثورة كما الحال مع الثورة السورية، فمن المطالبة بتوحيد المعارضة إلى المطالبة بتقديم تعهدات تخص المرحلة الانتقالية، وأخرى تخص المبادئ الدستورية لسوريا المستقبل، دون أن تغيب عنها الاشتراطات السياسية الخاصة بكل قوة دولية. ولم تخف أطراف دولية خشيتها من تكرار أخطائها فى ثورات عربية أخرى. وكأنه لزاما على السوريين أن يدفعوا ثمن تلك المخاوف التى قد لا تكون لها مبرر فى الواقع السورى وهكذا تسعى كثير من القوى الدولية إلى ترشيد الثورة قبل تمكينها من النجاح. وأصبح مألوفا البحث فى قضايا وتفاصيل يفترض أن تترك عملية تحول ديمقراطى تقوم بها الثورة فى مرحلة لاحقة، لذا فلن يكون مستغربا تأخر الدعم الدولى طويلا عما هو منتظر، فضلا عن بقائه أقل من متطلبات الواقع الميدانى، ويتضح ذلك فيما يتلقاه الجيش الحر، فهو كاف فقط لاستنزاف قوات النظام وغير كاف لدحرها للسيطرة التامة على مناطق كما حدث فى بنى غازى ليبيا. بشار الأسد أرسل رسالة مفادها إما أنا ونظامى وسوريا موحدة، وإما رحيلى وتقسيم البلد إلى دويلات على أساس طائفى وإما إقامة دولة علوية عاصمتها اللاذقية. والعلويون فرقة من الشيعة يمثلون 8% من الشعب السورى البالغ تعداده «23 مليونا» معظمهم من السنة، وهم برغم كونهم أقلية فإنهم يسيطرون على مقاليد الحكم منذ تولى حافظ الأسد الحكم عام 1970. فى سوريا اليوم طيف سياسى عريض يتشكل من معارضين سياسيين ومن منشقين عن النظام ومثقفين ومهنيين، ويعرض هذا الطيف انقساما مألوفا ازداد بعد الثورة. وما يؤخذ على المعارضة التقليدية أكثر من انقساماتها وخلافاتها هو عجزها عن إدراك جذور هذا الانقسام. ولا شك أن سقوط الأسد سيدخل سوريا فى طور جديد أكثر جدية من الصراعات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية. الطرف الأقوى فى المعارضة هم العسكريون الذين سددوا ضريبة الدم وأضفت عليهم شرعية مضمونة، ويعبرون عن مواقف سياسية صريحة، منها مثلا مشروع للمرحلة الانتقالية صدر عن «القيادة المشتركة للجيش السورى الحر فى الداخل» ويتضمن تأسيس مجلس أعلى للدفاع ومجلس للأمن الوطنى ومجلس وطنى أعلى لحماية الثورة تتبعه أقل من 11 هيئة متنوعة، فضلا عن مشروع لحكومة انتقالية تضم حوالى 38 وزيرا وهيئة مستشارين. ما سبق إعلان واضح عن طموحات العسكريين السياسية ودخولهم طرفا جديدا إلى المشهد السورى. من جهته حذر وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو من تحول الوضع فى سوريا إلى حرب أهلية مسلحة سوف يلحق ضررا هائلا بالمنطقة بسبب طبيعة سوريا الجغرافية والبشرية، مؤكدا أن انفجار الموقف لن يكون داخليا ولن تقتصر آثاره على سوريا فقط وإنما ستمتد إلى المنطقة بأسرها. وأكد الوزير ضرورة الحفاظ بكل السبل الممكنة على وحدة سوريا الاقليمية. كما حذر رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان الأكراد فى سوريا من مساعى الحكم الذاتى، ولم يستبعد أردوغان تدخلا عسكريا تركيا إذا استهدفت التطورات فى سوريا المصالح القومية لتركيا. ويأتى تصريح وزير الدفاع الأمريكى ليون بأنيتا، أنه يجب الإبقاء على القوات الحكومية فى سوريا متماسكة عندما يطاح بالأسد من السلطة محذرا من تكرار أخطاء حرب العراق. وأضاف بانيتا «الحفاظ على الاستقرار فى سوريا سيكون مهما وفق أية خطة تتضمن رحيل الأسد، وهو سيرحل، المهم السعى إلى صيانة الاستقرار فى سوريا». وأفضل طريقة للحفاظ على الاستقرار هو الحفاظ على أكبر قدر من الجيش والشرطة متماسكا مع الأمل بأن يستمر ذلك أثناء الانتقال إلى حكومة ديمقراطية. أما الشعب السورى الثائر الذى شارك ملايين منه فى الثورة بصورة مباشرة وقدم ما يزيد على 22 ألف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين والمعتقلين وما يقرب من ثلاثة ملايين مهجر ونازح داخل سوريا وخارجها، هذا الشعب الثائر لن يهدأ ولن يسلم مصيره إلى سياسيى المعارضة وعسكرها الطامحين، وهو الذى ثار على نظام الأسد. هذا الشعب الثائر لن يغامر بمستقبله بعد سقوط الأسد ليتورط فى حرب أهلية.. إنما سيعيد تشكيل سوريا مجتمعا ودولة ومؤسسات بصورة تتوج كفاح السوريين على مدى 17 شهرا حتى الآن. سينهار الأسد وعقيدته البعثية وسيبقى الشعب السورى ليبنى سوريا الموحدة من جديد.