10 مليارات جنيه إجمالى الخسائر، التى تتكبدها الخزانة العامة سنويا بسبب عمليات التهريب الجمركى، مما يجعل هذه الظاهرة - المتزايدة فى حدتها منذ الثورة- أخطر مهددات الاقتصاد القومي، بحرمانها الدولة موارد مالية هى فى حاجة إليها، فضلا عن إضرارها بعملية الإنتاج المحلي، بما تخلقه السلع المهربة –سواء كانت مقلدة أو أصلية - من تشوهات فى الأسواق بسبب المنافسة غير العادلة، فماذا تفعل الحكومة لمواجهة هذه المعدلات المتزايدة من التهريب؟ هل تكفى إجراءات «الجمارك» لردع المهربين؟. كشفت الإدارة المركزية لمكافحة التهريب الجمركى أن إجمالى ما تم ضبطه من عمليات تهريب جمركى خلال العام 2011 بلغت قيمته السوقية 32.7 مليار جنيه بإجمالى مستحقات 55 مليون جنيه، إضافة إلى 15.7 مليون جنيه مطالبات قضائية، وأنه تم تحرير 212 محضرا ومخالفة خلال العام. أساليب التهريب شمل التقرير الصادر عن الإدارة المركزية لمكافحة التهريب الجمركى أساليب التهريب، التى تتمثل فى الإخفاء والتلاعب فى المستندات المقدمة للجمارك وورود أصناف من البضائع تختلف عما تقدم فى المستندات والأصناف المحظورة والممنوع دخولها البلاد، والتصرف فى السلع المفرج عنها تحت التحفظ، والتى تم رفضها ومحاولة اختراق المنافذ الجمركية والحدود وأسوار الدوائر الجمركية. وإنه من حالات التهريب، وفقا للتقرير، إدخال حاويات تحتوى على أصناف لم يرد ذكرها ضمن مستندات الشحن ومن أهم الأصناف الذى يحاول بعض المستوردين التلاعب فى مستنداتها الفياجرا والألعاب النارية وأجهزة التنصت، فضلا عن التلاعب فى بعض الرسائل التى ترد بأسماء بعض أعضاء الهيئات الدبلوماسية. وفى شهر إبريل 2012 فقط، تمكنت الإدارة العامة لمكافحة التهريب الجمركى من ضبط عدد من القضايا المهمة التى تدل على تزايد وتيرة التهريب الجمركى بما يدعو إلى القلق، حيث ضبطت الأجهزة بداية الشهر رسالة تحتوى على 260 مليون قرص «ترامادول» المخدر، ذلك أثناء محاولة تهريبها داخل السوق المحلى، فضلا عن ضبط 260 ألف خرطوشة سجائر مهربة من خلال الموانئ. وتمكنت الأجهزة - مؤخرا- بالتنسيق مع مباحث ميناء بورسعيد، من ضبط منشطات جنسية محظور دخولها البلاد داخل 20 حاوية قادمة من الصين على أنها رسالة تحتوى على ملابس أطفال، وبتفتيشها تم العثور بداخلها على 207 طرود كبيرة منها 67 كرتونة تضم 2 مليون من الأقراص الجنسية ماركة «ماكس مان». كما أعادت سلطات الجمارك فى ميناء بورسعيد بداية الشهر الجارى تصدير 5 حاويات عندما تبين لهم احتواؤها على نفايات خطيرة ومخلفات مستشفيات ومصانع كانت قادمة من نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية على أنها 170 بالة أوراق دشت لصالح شركة فينكس للتجارة. اتهامات بالتقصير فرئيس مصلحة الجمارك الأسبق كامل النجار، أكد أن عمليات التهرب الجمركى فى المناطق الحرة فى زيادة مستمرة، خصوصا خلال الفترة التى شهدت عدم إحكام الرقابة الجمركية على تلك المناطق. وأشار إلى أن إجمالى الخسائر الناتجة عن التهريب فى المناطق الحرة تصل إلى 10 مليارات جنيه، وأن خطورته تكمن فيما يمكن أن يترتب عليها من آثار كارثية على الصناعة المحلية، بسبب عدم وجود منافسة سعرية عادلة بين المنتجات المهربة ومحلية الصنع. وشدد النجار على أن الزيادة غير المسبوقة فى عمليات التهريب دليل على أن العاملين بالمناطق الحرة يقصرون فى أداء واجباتهم، بالتقاعس عن توفير الأجهزة اللازمة لحصر المنتجات الموجودة بتلك المناطق سواء الموجودة فى المناطق الخاصة بالتخزين أو الموجودة فى المناطق الخاصة بالتصنيع. فيما طالب عدلى عبدالرازق - رئيس قطاع نظم الإجراءات الجمركية بمصلحة الجمارك سابقا- بضرورة تفعيل الهدف الاستراتيجى للجمارك، الذى يتعلق بتأمين التجارة الدولية، فضلا عن تشديد الرقابة على عملية نقل البضائع، وإدخال نظم جديدة إلى قانون الجمارك مثل الأسواق الحرة، نظرًا لأهميتها، خاصة أنها تطبق فى مختلف دول العالم. وكشف أن القانون المعمول به لا ينص على تجريم الشروع فى التهريب، فضلا عن أن عقوباته لا تحقق الردع الكافى، ومن ثم فإن بداية المواجهة الفعلية لهذه الظاهرة المدمرة للاقتصاد لابد أن تكون تشديد العقوبة على أن تشمل السجن والتعويض المادى، مشيرا إلى أنه لا مانع أبدا من تطبيق نظم الإفراج الجمركى الموقت على بعض البضائع، لأنه نظام معمول به عالميا، إلا أنه من الضرورى ألا يخل ذلك بدور الجمارك كبوابة لحماية المجتمع. القانون الجديد من جانبه، أكد أحمد فرج سعودى رئيس مصلحة الجمارك أن التهريب مشكلة عالمية، وأنه من المستحيل القضاء على التهريب بشكل نهائى، إلا أن المصلحة اتخذت إجراءات لتقليل وطأة هذه الظاهرة على الاقتصاد، موضحا أن «الجمارك» حرصت على إتمام عمليات تخفيض الرسوم الجمركية المقررة على معظم السلع إلى أن أصبح المتوسط المرجح للتعريفة يقدر ب5.5%، وهذا ما يعنى أن تكلفة التهريب غالبا أكبر من تكلفة دفع الرسوم. وأشار إلى أنه تم أيضا تعديل هيكل التعريفة وإصلاحه، وخفض عدد الفئات، وتبسيط الإجراءات لخفض زمن الإفراج عن البضائع المستوردة، فضلا عن ذلك، حرصت المصلحة على الاستعانة بأحدث الأجهزة للكشف بالأشعة عن محتويات الرسائل المستوردة، وأنه تم إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات متكاملة عن المستوردين والمصدرين المتعاملين مع الجمارك، وعن السلع التى يتم استيرادها، وتحديث الأسعار الاسترشادية بصفة مستمرة بما يمنع أى محاولات للتلاعب فى الفواتير والمستندات. وقال سعودى: إن نجاح برامج الإصلاح الجمركى مرهون بالانتهاء من إقرار القانون الجديد ليحل محل القانون الحالى 66 لسنة 1963، الذى مضى على إصداره نحو نصف قرن، مما جعله غير قادر على التعامل مع التطور الحاصل فى هذا القطاع، فضلا عن أنه يعانى من خلل واضح نتيجة للتعديلات العديدة التى أدخلت إليه خلال هذه العقود الخمسة. أضاف أن تعدد التعديلات جعل البيئة التشريعية المرتبطة بالجمارك تعانى غياب وحدة التشريع وأن وزارة المالية أصدرت -مؤخرا- قرارا يقضى بتشكيل لجنة مشتركة بين الجمارك والضرائب؛ لمتابعة مكافحة التهرب الجمركى، فضلا عن أنه هناك تعليمات بتشديد إجراءات الرقابة على عمليات الإفراج الجمركى للرسائل الواردة بنظام الترانزيت والمتجهة لدول الجوار، لسد ثغرات نظام الشحن البرى لرسائل الترانزيت، التى تستغل فى تهريب السجائر ومنتجات التبغ والخمور والتليفونات المحمولة والأقمشة والملابس الجاهزة وأدوات التجميل، وبعض السلع الممنوع دخولها مثل الحبوب المخدرة. تيسير الإجراءات وكشف حسنين شبانة رئيس الادارة المركزية لمكافحة التهرب الجمركى بمصلحة الجمارك أن جهود مكافحة التهريب لا تتوقف لحماية الداخل من مخاطر البضائع المهربة الفاسدة والمقلدة، التى تمثل خطورة بالغة على الصحة العامة، خاصة المتعلق منها بالعقاقير، التى تتداول فى الأسواق كمنشطات جنسية أو خلافه. أكد أنه فى سبيل توفير المزيد من الضمانات لمكافحة التهريب قامت المصلحة بنشر أجهزة الكشف بالأشعة على الحاويات فى معظم المنافذ الجمركية، خاصة التى ترد من خلالها النسبة الأكبر من تجارة مصر الدولية بجانب تطبيق أساليب المراجعة اللاحقة وأنظمة إدارة المخاطر. وقال شبانة إن هذه الإجراءات ساعدت فى تيسير إجراءات الإفراج، وخفض زمن وجود البضائع والسلع فى الموانئ والمنافذ الجمركية. وأشار إلى أنه فى ظل القوانين الحالية لا تستطيع «الجمارك» إيقاف التهريب، وأن منفذ السلوم الذى يربط بين مصر وليبيا تمت فيه عمليات تهريب على أوسع نطاق خلال العام السابق، حيث حقق المنفذ حصيلة إجمالية خلال هذا العام بلغت 1.4 مليار جنيه، لكنه بعد تشديد الرقابة على هذا المنفذ تعدت حصيلته خلال يناير الماضى 1.4 مليار جنيه أيضا. العلامات التجارية المقلدة وفيما يخص البضائع ذات العلامات التجارية المقلدة، قال شبانة إنه لا يمكن للجمارك منع دخول هذه البضائع، لأنه وفقا للقانون لا يحق لسلطة الجمارك منع دخول هذه المنتجات، فهذا الأمر ليس من اختصاص الجمارك، إلا أنه يمكن أن تتولى الجمارك إخطار وكيل هذه العلامة التجارية فى مصر عن وجود رسائل مقلدة وهو الوحيد المنوط به اتخاذ إجراءات من شأنها منع دخول هذه الرسائل، ولكن فى حالة عدم استجابته تدخل هذه المنتجات للسوق المحلية. وطالب كافة الجهات الرقابية أن تتحرك أكثر من أى وقت مضى للتنسيق والتعاون مع إدارة مكافحة التهرب الجمركى للحد من الظاهرة، خاصة أن إدارة التهرب الجمركى تعرف الدول المصدرة للأصناف المهربة، والموانى التى تدخل عن طريقها، والشركات التى تقوم بتهريبها مستغلة التسهيلات الجمركية. لفت إلى أن نتيجة الفحص الشامل والمنسق بين المواقع الجمركية ومكافحة التهرب الجمركى والأجهزة الأمنية الأخرى كالرقابة الإدارية وإدارة مكافحة المخدرات بالداخلية يتم كشف المهربين قبل الوصول إلى الموانئ عن طريق تداول المعلومات بين الأجهزة المختصة بسرية تامة للوقوف على حقيقتها، لتقوم سلطة الجمارك بدورها بترصد الحاويات التى تحوى بضائع مهربة وتتولى عمليات الضبط، وتحرير المحاضر. إدارة المخاطر أما رءوف حسين رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بمصلحة الجمارك فأكد أن تفعيل قاعدة البيانات السعرية الموحدة على مستوى موانئ مصر ينتظر أن يترتب عليها تقليل معدلات التهرب وزيادة الحصيلة بنسبة 30%، حيث من المنتظر توحيد رسوم الإفراج الجمركى بجميع الموانئ نهاية العام الحالى. وقال إن المصلحة تعمل الآن على إنشاء نظام لإدارة المخاطر السعرية بعد الاستقرار وعودة الأمن وتراجع معدلات تهريب البضائع، مما يقلل من تدخل العنصر البشرى فى الأعمال، وبالتالى تحقيق قدر أعلى من الشفافية فى الأداء بأقل معدلات فساد ممكنة. وأضاف أنه فى سبيل السعى لمكافحة التهريب تعتزم «الجمارك» طرح مناقصة خلال شهر لاستيراد أجهزة أشعة حديثة للكشف على الحاويات بتكلفة 65 مليون دولار، مؤكدا أن التهريب يهدر أموالاً كثيرة، ويدمر الصناعة المحلية من خلال منافستها بطريقة غير شريفة، وأن منفذ السلوم يحتاج المزيد من الاهتمام من قبل الدولة، لاعتماد سكان المنطقة المحيطة على التهريب فى معيشتهم لعدم وجود مصادر أخرى لكسب العيش.