عندما قامت ثورة يوليو ألغت كل الأناشيد التى تم تنفيذها وأصدرت وزارة المعارف قرارا بأن يحفظ التلاميذ فى المدارس نشيد «مصر التى فى خاطرى وفى فمى.. أحبها من كل روحى ودمى».. وكان قد كتبه أحمد رامى ولحنه رياض السنباطى لصوت أم كلثوم، ثم كتب مدحت عاصم ولحن نشيد «على الإله القوى الاعتماد.. بالنظام والعمل والاتحاد» لتغنيه ليلى مراد ويردده تلاميذ المدارس فى طابور الصباح، وقد كان شعار الثورة عندما كانت مجرد «حركة» هو الاتحاد والنظام والعمل.. ولحن محمد عبدالوهاب «الوطن العربى».. تأليف أحمد شفيق كامل و«الجيل الصاعد».. تأليف حسين السيد وشارك فى أدائها مجموعة من كبار نجوم الغناء، لكنهما لم يكن ليصلحا كنشيد قومى لا من ناحية القالب اللحنى ولا الكلمات والمعانى.. ولما بدأ العدوان الثلاثى على مصر تبارى أهل المغنى فى تقديم الأغانى الوطنية والأناشيد التى رددها الشعب بحب وحماس من أشهر هذه الأناشيد: «الله أكبر فوق كيد المعتدى والله للمظلوم خير مؤيد».. كتبه الشاعر عبد الله شمس الدين ولحنه الموسيقار محمود الشريف وأداء المجموعة، وكتب صلاح جاهين «والله زمان يا سلاحى.. اشتقت لك فى كفاحى.. انطق وقول أنا صاحى.. يا حرب والله زمان».. ولحنها كمال الطويل وغنتها أم كلثوم.. وتم تشكيل لجنة لاختيار النشيد القومى الجديد لمصر، من بين هذين النشيدين واختارت نشيد أم كلثوم، فظل نشيدا رسميا وسلاما جمهوريا لمصر إلى أن تم توقيع اتفاقية السلام الشهيرة ب «كامب ديفيد».. وكان الرئيس أنور السادات يرى أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب وعليه فإن التغنى للسلام واستحضار ذاكرة الأحداث العسكرية والحروب لم تعد مناسبة لمحتوى نشيد وطنى مصرى، اختار السادات نشيد «بلادى بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى».. لحن سيد درويش ويقال إنه هو مؤلفه أيضا. ويقال أيضا بل هو من تأليف يونس القاضى. وعهد به إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب لإعداده ليكون نشيدا قوميا وسلاما للجمهورية وكانت لفتة ذكية معتادة من هذا الحاكم الداهية، إذ استعان بأكبر اسم فى الموسيقى العربية ليصد الهجوم المنتظر من أنصار النشيد ل كمال الطويل وصلاح جاهين وأم كلثوم. أسند عبد الوهاب مهمة توزيع «بلادى بلادى» إلى عازف الأكورديون مختار السيد وتدخل الرئيس السادات أكثر من مرة بلمساته تضمن للنشيد الجديد تأثير الرهبة وطابع الوقار والجمال، وبقى «بلادى بلادى» هو النشيد القومى المصرى المتفق عليه حكومة وشعبا.. وردده شباب ثورة 25 يناير فى الميدان، وتمت إذاعته فى مقر المحكمة الدستورية العليا قبل أن يؤدى الدكتور محمد مرسى اليمين الدستورية ليصبح أول رئيس لمصر بعد ثورة 25 يناير المجيدة، وكذلك تمت إذاعته فى قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة فى حضور رئيس الجمهورية فى حفلات القوات المسلحة وتسليم السلطة ثم بتخريج دفعات جديدة من الكليات والمعاهد العسكرية، لكن وهابى مصر لا يعترفون بنشيدها الوطنى، ولم يقف بعضهم احتراما وتوفيرا للنشيد القومى فى مقر اجتماع الجمعية التأسيسية للدستور. كل دول العالم باختلاف ألوانهم ودياناتهم ومعتقداتهم يوقرون رموز أوطانهم ومنها العلم والنشيد.. حتى المملكة العربية السعودية لها علم وسلام ملكى كتبه إبراهيم خفاجى ولحنه طارق عبد الحكيم وتقول كلماته: «يا موطنى.. سنرعى للمجد والعلياء مجدى لخالق السماء.. وارفعى الخفاق أخضر.. يحمل النور المسطر.. رددى الله أكبر.. يا موطنى.. قد عشت فخر المسلم.. عاش المليك للعلم وللوطن». والسودان بحكمه الإسلامى بفكر الدكتور حسن الترابى، وقد أعلن الرئيس عمر حسن البشير بأن دستور بلاده سوف يكون إسلاميا 100%، له نشيد قومى تقول كلماته «نحن جند الله وجند الوطن، إن دعا داعى الفدا لن نحن.. نشترى المجد بأغلى ثمن.. يا بنى السودان هذى أرضكم.. هذه الأرض لنا.. يعيش سوداننا بين الأمم». بعض السلفين فى مصر أهانوا بلدهم وهم متشددون فى مواقفهم من الحريات وحقوق المرأة والفن والأدب أكثر من أصحاب القراءة الوهابية للإسلام، فلو أصبحت لهم الكلمة فقل على الدنيا السلام.