لن ينسى الشعب المصرى تلك اللحظة التى أطل فيها فقيد مصر السيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق على شاشات التليفزيون يوم 11 فبراير 2011 ليعلن تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك عقب اندلاع ثورة يناير المجيدة..وما بين هذا المشهد وما سبقه وما تلاه كانت سطور حياة واحد من أبناء العسكرية المصرية الأبرار الذين حققوا كثيراً من الإنجازات فى خدمة تراب هذا الوطن طوال تاريخه منذ التحاقه بالعمل فى القوات المسلحة عام 1954 والذى توج برئاسته لمخابراتها الحربية التى يصفها البعض بأنها العقل المفكر للقيادة العامة للقوات المسلحة، ليثبت جدارة تؤهله للعمل بعد ذلك كمدير للمخابرات العامة المصرية فى منصب ظل يشغله لمدة 20 عاماً متواصله تمثل أكبر فترة قضاها رجل على رأس جهاز المخابرات شهد خلالها الجهاز العديد من الإنجازات جعلته واحداً من اقوى أجهزة المخابرات فى العالم الذى يخشاه أعداء مصر فى الداخل والخارج. رشحه كثيرون لتولى منصب نائب الرئيس فى عهد الرئيس السابق بل كان ينظر إليه كثير من المصريين على أنه الأمل فى القضاء نهائياً على كابوس التوريث الذى كان يؤرق المصريين إلا أن دسائس المحيطين بمبارك، وحلم ابنه جمال فى الوصول لكرسى الحكم حالت دون وصول سليمان لمنصب يستحقه، ويشاء القدير أن يأتى إليه المنصب بفضل ثورة يناير المجيدة بعد أن حاول الرئيس السابق استخدام سليمان كطوق نجاة لإنقاذ نظامه المتهاوى خاصة مع شعبية الجنرال الجارفة. وعلى الرغم من تفضيله البقاء فى الظل بعد خروجه من منصبه كنائب للرئيس، فإن كثيراً من جماهير مصر الأوفياء وخاصة بين الشباب طالبوه بالترشح للرئاسة بعد أن رأوا فيه طوق النجاة لإنقاذ مصر من حالة عدم الاستقرار التى شهدتها بعد نجاح ثورتها، وسطو كثير من أصحاب المصالح السياسية على ثورة الشباب، ورغم متاعبه الصحية ورفضه الترشح للرئاسه إلا أنه خضع فى النهاية لمطالب الشباب الذين حاصروا منزله حتى أعلن قبوله الترشح لتضعه استطلاعات الرأى فى مقدمة السباق، لولا الأخطاء الإدارية فى جمع التوكيلات التى حالت دون اتمام الترشح، ويقول المقربون منه أنه صلى ركعتين شكراً لله فور علمه بقرار اللجنة العليا للانتخابات استبعاده من الترشح. نجاحات مستمرة الخبير الاستراتيجى اللواء حسام سويلم أعرب عن بالغ حزنه لفقدان مصر واحداً من أبطالها المخلصين، واصفاً الفقيد بأنه رجل وطنى شريف كفء فى عمله طاهر اليدين، كان مدير مخابرات على مدى 20 عاماً قاد خلالها الجهاز بكفاءة عالية نجح خلالها فى الكشف عن العديد من قضايا التجسس، فهو رجل أثبت فى كل لحظة نقاءه وطهارته ولم يكن له طموح سياسى. وأضاف سويلم أن سليمان كان الأطول فترة ممن تولى منصب مدير المخابرات العامة، وهو دليل على كفاءته المتناهية التى أهلته لتولى هذا المنصب طوال عقدين من الزمان. أما عن علاقة الراحل بالإخوان فيقول سويلم أن سليمان اكتشف مبكراً ونبه لمخاطر وصول جماعه الإخوان للحكم، وقد استطاع أن يجفف المنابع المالية لهذه الجماعة، وكشف قضية سلسبيل فى التسعينات، وحذر كثيراً من أنه فى حالة ما إذا سيطرت الجماعة على الحكم ستتحول مصر إلى دولة مثل أفغانستان. وأضاف سويلم أن العدو قبل الصديق شهد بكفاءة سليمان حيث شهدت له إسرائيل التى كان له معها جولات كثيرة بعد أن كشف عن العديد من قضايا التجسس التابعة لها. وتولى سليمان – والكلام مازال على لسان سويلم – كثير من الملفات فى السياسة الخارجية سواء علاقات مصر بإسرائيل، أو القضية الفلسطينية الإسرائيلية، أو المصالحة الفلسطينية، وكان سنداً لوزير الخارجية الأسبق أبو الغيط. وأكد سويلم أن الراحل لم يكن له طموح سياسى، بل إنه رفض وبشده الترشح لرئاسة الجمهورية وظل على موقفه حتى اللحظات الأخيرة لقفل باب الترشيح عندما حاصرت الجماهير منزله مطالبة إياه بالترشح للمنصب لإنقاذ مصر ولم يقبل إلا بضغوط كبيرة من الشعب، وعندما رفضت اللجنة العليا للانتخابات ترشحه لإجراءات إدارية سجد لله ركعتى شكر. وأكد سويلم أنه لم يستطع أحد أن يقول كلمة سيئة فى ذمة الراحل العظيم فقد كان وبحق طاهر اليدين، مشيراً إلى أنه تنبأ بثورة 25 يناير وتوقع أن تقع فى أبريل عندما يبدأ سيناريو التوريث فى التنفيذ. العقل المفكر من جانبه قال اللواء وجيه الدكرورى أنه مما لاشك فيه أن المرحوم اللواء عمر سليمان هو أحد أبناء المؤسسة العسكرية الشرفاء الذين بذلوا حياتهم منذ تخرجه فى الكلية الحربية فى سبيل رفعة مصر والدفاع عن أراضيها وعن أبنائها. وأضاف الدكرورى أن الفقيد رحمه الله شارك فى حرب اليمن ثم فى معارك 67 وحرب الاستنزاف انتهاء بحرب 73 فى أكتوبر المجيدة التى أعادت إلى مصر كرامتها وللعسكرية المصرية عزها وشرفها، ثم تولى بعد ذلك المناصب القيادية فى القوات المسلحة متدرجاً فيها ومتجرداً عن أى مظهر من مظاهر المن على مصر بكل الجهود التى بذلت شأنه فى ذلك شأن كل الضباط الذين عاصروا مراحل التحول السياسى ابتداء من ثورة 23 يوليو وانتهاء بثورة 25 يناير المجيدة. وأكد الدكرورى أن الراحل لم يتاجر بإنجازاته عندما تولى أهم المناصب وأعقدها على الاطلاق وقد تولى قيادة جهاز المخابرات الحربية العقل المفكر للقيادة العامة للقوات المسلحة، ثم وقع عليه الاختيار أن يتولى رئيس جهاز المخابرات العامة العقل المفكر أيضاً للقيادة السياسية والمراقب الأمين لأمن مصر القومى خارج وداخل البلاد حفاظاً على أمن وسلامة الشعب المصرى العظيم. وأضاف الدكرورى أنه خلال تولى الراحل لرئاسة جهاز المخابرات العامة فقد أوكلت له مهام أخرى نذكر منها ملفات عديدة لم تكن أصلاً من اختصاص المخابرات العامة، ومنها على سبيل المثال ملف مياه النيل وملف القضية الفلسطينية شديدة التعقيد وملفات أخرى كان جديراً فى أن يسدى الرأى والمشورة التى جنبت مصر صراعات عسكرية على مدى أكثر من 30 عاماً. وأشار الدكرورى إلى أنه رغم كل الانتقادات التى وجهت إلى القيادة السياسية آنذاك إلا أن جهاز المخابرات العامة تحت قيادة اللواء عمر سليمان قد قدم المشورة والنصيحة المخلصة ووقف عند حدود مسئولياته، وهو غير مسئول عن قرارات القيادة السياسية صاحبة الرأى النهائى والأخير فى أى موضوع يخص الأمن القومى المصرى. والجدير بالذكر فى هذه المناسبة – والكلام مازال على لسان اللواء الدكرورى – ومما يؤكد نزاهة وكفاءة هذا الرجل الابن البار للمؤسسة العسكرية أن الحقبه الماضية قد شهدت بين الحين والآخر أصواتاً تتعالى مرشحة اللواء عمر سليمان خليفة للرئيس السابق حسنى مبارك، وهى بذلك تعبر عن مناهضتها للفساد الذى كان سائداً وكانت تأمل فى أن يكون شخص اللواء سليمان هو المنقذ للأوضاع المتردية التى شهدتها البلاد على يد النظام السابق. وأكد الدكرورى أن القيادة السياسية السابقة عندما أرادت أن تهدئ من ثورة 25 يناير المجيدة وتأتى بنائب لرئيس الجمهورية يرتاح إليه الشعب وترى أنه قد يخرجها من ورطتها، لم تجد إلا الراحل اللواء عمر سليمان فقدمته نائباً لرئيس الجمهورية، ولم يكن يتأتى هذا إلا بإحساس دفين وواقعى بأن هذا الاسم سوف ترضى عنه الجماهير لثقتها فى نزاهته على الرغم من قربه وعمله المباشر مع النظام السابق. وأخيراً فقد شهدت مصر كلها للراحل العظيم بالنزاهة والاخلاص عندما قامت جموع الشباب والثوار بالضغط عليه لإجباره على الترشح لرئاسة الجمهورية دون أن يعلموا أنه فى حالة صحية صعبة ومريض بالقلب مما يمنعه من بذل الجهود المطلوبة لهذا المنصب الرفيع، إلا أنه ونزولاً على رغبة الجماهير ومن منطلق مبدأ التضحية فى سبيل هذا الوطن والموروث الوطنى الذى زرعته فيه المؤسسة العسكرية مصنع الرجال ومنتدى الأبطال فقد نزل على رغبتهم كما أوضح هو شخصياً فى بيانه الأخير، وتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية وأحدث انفراجه كبيرة وحاز على رضا عظيم، إلا أن الأقدار لم تشأ له أن يكمل هذا المشوار، حيث آن للفارس أن يترجل وأن يرحل من هذا العالم فى هدوء، وجاءت مشكلة استكمال نصاب التوكيلات الانتخابية لتنقله نقله كريمة إلى عالم الهدوء حيث تكالب عليه المرض ورحل إلى لقاء ربه. وأضاف الدكرورى أنه مما لاشك فيه أن مصر بقواتها المسلحة وبشعبها الكريم لن تنسى الراحل العظيم، وسوف يعلم مناصروه ومناهضوه أنه رجل أدى الأمانة وحمل الرسالة خالصة لوجه الله الذى لقاه فى تلك الأيام فى مدخل شهر رمضان الكريم، حيث ورى التراب فى أرض الوطن وجموع مشيعيه صائمون عابدون راكعون لله عز وجل. وختم اللواء الدكرورى كلامه بالقول لقد تشرفت بالعمل مع سيادته بهيئة عمليات القوات المسلحة عامى 1985و1986 ثم عملت معه أيضاً بقيادة المنطقة المركزية عام 1987 وأذكر أننى كنت أقود أحد التشكيلات المدرعة، وكان سيادته رئيساً لأركان المنطقة المركزية ولمست فيه كقائد دماثة الخلق وقوة الشخصية والحزم فى اتخاذ القرارات والاستماع الجيد لمرؤوسيه قبل اتخاذ أى قرار، وعلى الجانب الإنسانى فقد كان شديد الاهتمام بكل ما يتعلق بالأمور الإنسانية لكل من الضباط والجنود سريع الاستجابة للمطالب الحقة واحتياجات القوات، وحتى فى الأحوال التى كانت تستدعى الانفعال الطبيعى إلا أنى لا أذكر أننى رأيته منفعلاً فى أمور تخص العمل فلقد كان الراحل الكريم اللواء عمر نموذجاً للرئيس والقائد والإنسان. دماثة خلق ووصف الخبير الاستراتيجى اللواء أحمد عبد الحليم فقيد مصر بأنه شخصية ممتازة وعلى خلق قويم وشخص وطنى ومخلص لمصر وأدى دوره على أكمل وجه ويستحق التكريم. وأضاف عبد الحليم أن عمر سليمان يمثل جهاز المخابرات العامة وبما أن الذى يلعب دوراً فى الأمن القومى المصرى هو جهاز المخابرات وبما أن عمر سليمان كان على رأس هذا الجهاز فهو قد اشترك إيجابياً فى كل القضايا الهامة التى تخص الأمن القومى المصرى. وقال عبد الحليم إن طول الفترة التى قضاها سليمان كرئيس لجهاز المخابرات العامة مكنته من أن يرتفع بالجهاز لينافس أقوى أجهزة المخابرات فى العالم. من جهته وصف الخبير الاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل الراحل العظيم بأنه وطنى مخلص أدى ما عليه تجاه الوطن والتزم بتقاليد العمل العسكرى والمخابراتى كما قام بإنجاز الملفات التى أوكلت إليه بكفاءة كبيرة، وتعد فترته فى رئاسة المخابرات العامة الأطول منذ إنشاء الجهاز. وأضاف اليزل أن المخابرات العامة لها أهدافها وواجباتها ومهامها وهو قام بتنفيذ هذه المهام على أحسن وجه وبالشكل اللائق بتاريخ وسمعة هذا الجهاز الوطنى. وأكد اليزل أن هناك تاريخاً طويلاً لرؤساء جهاز المخابرات العامة الذين أدوا ما عليهم تجاه الوطن ومنهم السيد الوزير عمر سليمان.