لو اختار الرئيس محمد مرسى أحد السلفيين ضمن مساعديه أو مستشاريه، فإن منصبه يتطلب حضور حفلات ولقاءات رسمية مع سياسيين فى الداخل والخارج، ومثل هذه اللقاءات تبدأ عادة بعزف السلام الوطنى للدول المشاركة فى اللقاءات، فهل يتخلف السيد المساعد أو المستشار السلفى عن الوقوف أثناء عزف السلام المصرى أو الأجنبى، كما حدث فى اجتماع الجمعية التأسيسية لوضع الدستور عندما أطلقت الإذاعة الداخلية بقاعة مجلس الشورى الرئيسية مقر اجتماع الجمعية السلام الجمهورى فقام جميع الحضور من أعضاء الجمعية وموظفى الأمانة العامة ومصور الصحف ومندوبيها ووسائل الإعلام الذين وجدوا فى الشرفات بالوقوف احتراما للسلام الجمهورى، فيما عدا 6 من أعضاء التأسيسية من ممثلى حزب النور السلفى، الذين رفضوا الوقوف أثناء ترديد السلام الجمهورى. إذن فالموسيقى حرام فى شرعهم، وربما لو كان السلام الجمهورى قد عزفته الآلات الإيقاعية و«الدف» على وجه الخصوص، كانوا قد وقفوا أثناء ترديده. فهم لا يعترفون بغير «الدف» الذى كان السلفيون يتعلمونه فى الأفراح والليالى الملاح. علما بأن المملكة العربية السعودية وهى- أصل السلفية والسلفيين- يعتز مواطنوها بالسلام الملكى ويقف له احتراما الملك وولى العهد وكل المسئولين ويحفظه الطفل فى مدرسته الأولية. تعزف آلات النفخ النحاسية نشيد قوات الأمن الخاصة «آمنت بلادى بلاد الحرم» ولا توجد دولة على خريطة العالم مهما اختلف نظام الحكم فيها، ليس لها علم وسلام قومى يحترمه كل مواطنيها والمتعاملين معها من الأجانب. عرف العالم السلام الوطنى، مع أحداث الثورة الفرنسية فى القرن الثامن عشر وقد أصبح النشيد الفرنسى المسمى «بأغنية المارسليز» أو «ماسيلييز» من الملامح الأساسية للثورة وبقدر ما كانت عظمة هذه الثورة كانت عظمة المارسيلييز. فزع ملوك أوروبا من النجاح الذى حققته ثورة فرنسا بعد سقوط الباستيل فى 14يوليو 1789، فكونوا تحالفا ضد فرنسا مما اضطر الأخيرة لأن تعلن الحرب على أوروبا. وصدرت الأوامر للمتطوعين فى جنوب نهر الرين ليلحقوا بجيش لوكنر، وأقام محافظ ستراسبورج حفلا بهذه المناسبة. وفى معرض حديثه عن أحوال الحرب وأحداثها، أبدى أسفه لعدم وجود أغنية وطنية يسير على إيقاعها ونغماتها المتطوعون فى طريقهم للحرب. كان من بين المدعوين للحفل ضابط مهندس فى الجيش الفرنسى المقيم فى ستراسبورج هاويا لفن الغناء واسمه «روجيه دى ليل»، ما أن انتهى الاحتفال، حتى ذهب لمنزله وكتب كلمات أغنية تقول: «هيا بنا أبناء الوطن... لقد أقبل يوم المجد... الطغيان يتحدانا... رافعا راية البغى... هل تسمعون فى القرى... أصوات الجنود المتوحشين... لقد جاءوا بين أيدينا... ليقتلوا أولادنا وزوجاتنا... إلى السلاح أيها المواطنون... لتخوضوا معركتم... فلنتقدم فلنتقدم.. ولتروى دماؤهم النجسة أرضنا الطاهرة». وأمسك «روجيه دى ليل» بكمان ووضع لكلماته لحنا جسّد فيه عظمة فرنسا. وانشدت أغنية الحرب هذه فى بيت المحافظ فى 25 أبريل 1792م، وتم نسخها بعد توزيعها موسيقيا لتناسب أداء فرقة عسكرية موسيقية. وعزفت يوم 25 يونيه 1792 فى استعراض عسكرى وأصبحت هى أغنية المارسيلييز، وهى ليست أغنية ولا نشيدا إنما روحا دافعة وطاقة متأججة حماسة وثورة. وقد ارتبطت بشكل قاطع بالمبادئ الإنسانية الخالدة فى تاريخ الفكر البشرى «الحرية.. الإخاء... المساواة» وهى المبادئ التى رسختها الثورة الفرنسية. وبعد المارسيلييز الفرنسى، ظهر السلام الوطنى والأناشيد القومية فى كل العالم، فى انجلترا ظهر نشيد «ليحفظ الله ملكتنا الكريمة» وفى ألمانيا ظهر نشيد «الوحدة والعدالة والحرية.. للوطن ألمانيا... ويتطلع الجميع لتحقيقها... بأخوة من القلب واليد.. الوحدة والعدالة والحرية.. هى الضمان لتحقيق السعادة.. ازدهر وطنى ألمانيا.. ازدهر فى هذه السعادة المشرقة». ولا تقل الأناشيد القومية العربية بلاغة ووطنية عن سابقتها فى أوروبا.. وهذا موضوعنا القادم.