مما لا شك فيه أن منصب رئيس الجمهورية هو أعلى وأهم سلطة فى البلاد التى تنتهج الديمقراطية وسيلة لإدارة شئون المؤسسات التى تقوم عليها الدولة .. وإذا اتفقنا على أن هذه المؤسسات قد أنشئت بقوانين طبقًا لدساتير قد وافق عليها الشعب قبل انتخاب رئيس الجمهورية وأن كل الدساتير فى العالم قابلة للتغيير أو التعديل فى موادها سواء بالإضافة أو الحذف أو الإلغاء طبقًا لمتطلبات التطور الديمقراطى الذى تمر به البلاد .. إن الدولة بمفهومها الشامل لا تعنى أن الحكم والسلطة تتركزان فى شخص الرئيس وإلا تحولت الديمقراطية الى ديكتاتورية كما كان الحال قبل ثورة 25 يناير .. «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».هذه المقدمة البسيطة اردت من خلالها أن أدخل مباشرة الى الإشكالية التى افتعلها بعض المغرضين وأصحاب الاجندات السياسية وحولوها الى عقدة كلما أردنا حلها عقّدوها أكثر وأكثر، رغم أن الأمر كله وببساطة شديدة يمكن حله فى كلمة واحدة وهى احترام السلطات الثلاث التى تقوم عليها أية دولة فى العالم، وهى السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية.. على ألا تتغول سلطة على أخرى وأن تحترم كل السلطات القوانين التى تم تشريعها وأن تنفذ الأحكام من قبل السلطة التنفيذية دون تأخير أو مماطلة أو تسويف، وإلا نكون قد خرجنا عن الطريق الصحيح لتحقيق النهج الديمقراطى. إن احترام أحكام القضاء هو أول الأسس واللبنات التى تقوم عليها الدولة.. وكلمة احترام أحكام القضاء تعنى بالضرورة تنفيذ تلك الأحكام من قبل رأس الدولة قبل الرعية وأن السلطة التنفيذية الممثلة فى شخص الرئيس هى المعنية بتنفيذ تلك الأحكام قبل غيرها. فإن كان رأس الدولة يريد أن يكون نظام الحكم دستورياً يقوم على احترام القوانين وتنفيذ أحكام القضاء فإنه بالضرورة مطالب بحماية استقلالية السلطة القضائية ليس هذا فحسب، وإنما يجد فى اتخاذ كل الإجراءات والتدابير التى تحول دون التعدى أو التشكيك أو ازدراء أحكام القضاء بكل درجاته. أما ما يحدث الآن من تعد صارخ وغير مقبول على أحكام القضاء وبصفة خاصة تلك الأحكام المصيرية التى تصدر من قبل أكبر وأعلى محكمة فى البلاد وهى المحكمة الدستورية العليا التى تضم بين جنباتها أعظم فقهاء وشيوخ القضاء فى مصر بل فى العالم كله.. تلك المحكمة التى نفخر بها جميعًا والمصنفة عالميًا على أنها ثالث أهم وأعرق محكمة فى العالم بعد المحكمة الألمانية. ??? أيها السادة إذا أردنا أن نحل أولى الإشكاليات والعقد التى تم استحداثها وافتعالها بغية تحقيق مآرب سياسية مغلوطة ومردود عليها دستوريًا، فإنه يجب علينا وبسرعة ودون انتظار تنفيذ أحكام الدستورية العليا فورًا وبدون تدخل من أية جهة سواء كانت رسمية أو شعبية، وأعنى هنا بالدرجة الأولى الحكم الصادر ببطلان وعدم دستورية انتخاب أعضاء مجلس الشعب وما ترتب عليه من إجراءات حل البرلمان وما تأسس عليه من فراغ فى السلطة التشريعية والتى كان لابد أن يوكل بها مؤقتًا المجلس العسكرى حتى يتم انتخاب البرلمان الجديد خلال الشهور الثلاثة التى أعلن عنها كمدة زمنية تعقب إصدار الدستور الجديد والاستفتاء عليه. أما ما يحدث الآن من عبث واستهتار بمؤسسات الدولة التى أصبحت مستباحة لكل من «هبّ ودبّ» فكل من يعرف ومن لا يعرف يدلو بدلوه ويعلق بكلام لا يخلو من الأغراض والمطامع والتى تصل فى مجملها إلى حد السفه والضلال.. وأخطر هذه التعليقات والآراء المسممة هو ما يطرحه البعض من أصحاب المصالح الحزبية الضيقة ويسوق له دعاة الفرقة ومحترفو المشاكل السياسية.. هذه التعليقات والآراء الفاسدة أطلق عليها أصحابها زورًا وبهتانًا عبارات من أمثال « صيغة توافقية « مؤداها عدم تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا وأن تتم إعادة تفسير حيثيات الحكم على أنه يخص ثلث الأعضاء الذين تم انتخابهم على المقاعد الفردية مع الإبقاء على بقية أعضاء المجلس الذين تم انتخابهم على القوائم الحزبية.. وعلى الرغم من أن هذا الطرح فاسد دستوريًا وقانونيًا فإن الأمر يعد أخطر من ذلك بكثير حيث إنه يمثل تدخلاً سافرًا وطعنًا غادرًا فى أحكام أعلى محكمة فى مصر والتى قدمت حكمها مفسرًا غير مبهم على عكس ما يسوق له البعض من أن الحكم جاء قاصرًا.. كما أن سياق حيثيات حكم المحكمة جاء واضحًا وضوح الشمس فى وسط النهار.. لكن للأسف الشديد أن بعض كبار القامات القانونية من أمثال المستشار الخضيرى والمستشار مكى هم الذين يقودون حملة انتقاد أحكام الدستورية العليا وكان الأحرى بهم أن يدافعوا عن تلك الأحكام التى أسست على مواد الدستور ونطق بها أكبر فقهاء الدساتير فى العالم. أيها السادة إننى كمواطن مصرى يريد الاستقرار والازدهار لهذا البلد أرجو من الجميع وخاصة فقهاء القانون وسدنة العمل السياسى أن يغلقوا باب الاعتراضات والانتقادات على أحكام القضاء حتى ولو كان مجرد تعليق على حكم صدر من أصغر محكمة وليس حكم الدستورية العليا.. إن المواطن المصرى البسيط لا يعنيه أن يقسم رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا أو أمام مجلس الشورى أو حتى أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته قائماً بأعمال السلطة التشريعية بعد حل البرلمان عقب حكم الدستورية العليا.. إن ما يعنينا الآن هو أن يقسم الرئيس المنتخب اليمين الدستورية حيث يكتمل الشكل القانونى والدستورى الذى يمكّنه من ممارسة عمله وسلطاته كأول رئيس منتخب من قبل الشعب انتخابًا نزيهًا فى تجربة ديمقراطية لم تحدث فى مصر من قبل عبر تاريخها السياسى الطويل المتخم بالأحداث والوقائع . ??? إن شعب مصر العظيم المدرك الواعى يستطيع أن يقيم دعائم الحكم الرشيد بشرط ألا تتدخل رءوس الأفاعى السياسية والتى تبخ سمها الزعاف بغية إحداث الشلل فى أوصال الأمة.. لكن هيهات هيهات فسوف تكتمل مسيرة الديمقراطية وستتحقق ارادة الشعب وستقطع رءوس الأفاعى وتفضح وتكشف الأغراض الدنيئة للطامعين فى الاستحواذ على السلطة وسترد مكائد المشككين ومروجى الشائعات وصناع الفتن. وأقول للسفهاء والمغرضين لا تفسدوا فرحة الشعب بانتخاب الرئيس.. لا تفسدوا علينا ما أنجزناه نحو البناء الديمقراطى الحقيقى غير المزيف.. لا تفسدوا علينا حصاد ثورتنا التى حققناها بدماء الشهداء وضحينا من أجل حريتنا بكل نفيس وغال. وأقول لهؤلاء إن الاختلاف فى الآراء والرؤى لا بأس به إذا خلصت النوايا فهى أكبر المكاسب وأعلاها قيمة، أما إذا تحولت الآراء إلى أغراض ومطامع فهى أكبر الكوارث وهى الخسران المبين. ورغم أننى أختلف مع جماعة الإخوان المسلمين من حيث المنهج والهدف فإننى احترم اختيار وإرادة الشعب للرئيس الجديد حتى ولو كان من قيادات جماعة الإخوان. إن ولائى لرئيس الجمهورية المنتخب هو واجب يحتمه علىّ ايمانى بالعمل الديمقراطى رغم أننى من نصف الشعب تقريبًا الذى أدلى بصوته للمرشح المنافس .. أقول إن ولائى للرئيس سيترسخ ويتعمق بانتهاجه أسلوب حكم لدولة مدنية تقوم على سيادة القانون وحماية الحريات العامة ونبذ الوصاية على الفكر وعدم التعرض للإبداع والمبدعين.. كما إننى وكل المصريين نتطلع إلى تشكيل حكومة وطنية يراعى فى اختيار أعضائها الكفاءة والنزاهة وليس الانتقائية على أساس الفكر أو العقيدة أو الدين.. حكومة يكون ولاؤها لمصر وخدمة شعب مصر.. حكومة تبتعد عن الطائفية والتحزب.. حكومة تبتعد عن المواءمة والاسترضاء السياسى أو الحزبى أو الفئوى. إن مصر الآن تمر بمرحلة حرجة تتطلب وبشدة أن تكون الحكومة القادمة لها أهداف محددة أولوياتها ترسيخ الاستقرار الأمنى والسياسى، حكومة قادرة على وضع أسس البناء السليم نحو اقتصاد قوى قائم على الحلول الجذرية وليس المسكنات أو الحلول المؤقتة.. حكومة لها رؤية مستقبلية لا تتغير بتغير الأشخاص.. حكومة مؤسسات لا حكومة أحزاب.. حكومة ترعى المصالح العليا للوطن وتترفع عن الحزبية والتحزب.. حكومة صادقة فى وعودها منطقية فى تصريحاتها تحترم عقول الناس وتطلعاتهم وآمالهم. هذه هى الديمقراطية التى أحسبها فى رأيى الشخصى مفتاح الاستقرار السياسى أسوة بكل الدول التى سبقتنا فى تجربتها الديمقراطية.. ولعل التجربة التركية هى الأقرب لنا كى نحذو حذوها، حيث الشبه السياسى والاجتماعى بيننا وبين تركيا.. هذا الشبه الذى يكاد يتطابق مع المعطيات السياسية فى مصر حتى لو انتهجت تركيا العلمانية كطريقة حكم لحماية الحريات العامة والمعتقدات فإننى لا أرى بأسًا أن نحذو حذوا التجربة التركية وأن نأخذ منها ما يناسبنا ونترك ما يتعارض مع عاداتنا وأفكارنا. لقد كان الجيش التركى حاميًا للديمقراطية وحارسًا أمينًا على مقدرات ومكتسبات الشعب دون تدخل فى الإرادة السياسية. إن جيشنا العظيم حارس أمين على مصر أرضًا وشعبًا وحكومة.. مدافع عن إرادة الشعب حاميًا للديمقراطية.. لقد اثبت الجيش المصرى عبر نضاله الطويل وتاريخه المشرّف أنه الحصن الحصين الذى نلجأ اليه فى الأزمات والمحن وهو المعين على درء الأخطار والكوارث والملامات.. هكذا تكون مصر شعبًا عظيمًا وأرضًا كريمة وجيشًا شجاعا.