منذ حل برلمان «سرور- الشريف» الذى فصَّله «عز» على مقاس الحزب الوطنى المنحل، وسلطة التشريع فى مصر «حائرة».. فبعد إزاحة المجلس «المزور»، وطبقا للإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011 تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة التشريع فى البلاد، ثم انتقلت هذه السلطة لما سمى ب «برلمان الثورة» فور انتخابه فى يناير 2012، قبل أن يتم حل «سيد قراره» بحكم للدستورية العليا، لتعود سلطة التشريع مرة أخرى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولكن فقهاء القانون اختلفوا حول هذا الإجراء بعد أن أصبحت السلطة التشريعية «رايح جاى» على مدار عام ونصف العام تقريبا.. ولهذا فتحت «أكتوبر» الملف مع نخبة من خبراء القانون ورجال القضاء.. وكان هذا التحقيق..فى البداية يرى الدكتور رمضان بطيخ- أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس أنه عندما صدر الإعلان الدستورى فى 30 مارس 2011 كان يعطى السلطة التشريعية والرقابة والسلطة التنفيذية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ونص فى الإعلان على أنه بمجرد تشكيل البرلمان وانتخابه ينتقل إليه سلطة التشريع والرقابة ويحتفظ بالسلطة التنفيذية إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية، وبالفعل تم انتخاب البرلمان بغرفتيه مجلس الشعب والشورى، وبمجرد انعقاد البرلمان عقب انتخابه فى 23 يناير 2012 أرسل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خطابا لرئيس مجلس الشعب يفيد نقل سلطة التشريع والرقابة إلى مجلس الشعب واحتفظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالسلطة التنفيذية إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية. ويضيف الدكتور بطيخ أنه نظرا لصدور حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب أصبح هناك فراغ تشريعى، حيث لم يكن قد تم انتخاب رئيس للجمهورية عند صدور هذا الحكم، فصدر الإعلان التكميلى ليعيد هذه السلطة (التشريع والرقابة) إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأمر حتى هذه اللحظة طبيعى وقانونى ودستورى، إلا أن النص فى الإعلان الدستورى فى المادة 56 على أن رئيس الجمهورية حينما يتم انتخابه يباشر كافة الصلاحيات المنصوص عليها فى هذه المادة فيما عدا سلطة التشريع، مما يعنى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يرغب فى الاحتفاظ بالسلطة التشريعية حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يشكل خروجا على الأوضاع الدستورية فى الظروف الطبيعية إذ من المفترض فى مثل هذه الظروف أن يتولى رئيس الجمهورية فى حال غياب البرلمان سواء بحله أو فيما بين أدوار الانعقاد سلطة التشريع من خلال إصدار قرارات بقوانين تعرض على البرلمان عند انعقاده أو بعد تشكيله إذا كان منحلا. التوازن المطلوب ويضيف الدكتور بطيخ، أما وأننا نمر بظروف استثنائية ومؤقتة، فرغب المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى انتهاء هذه الظروف وتلك الفترة أن يستمر كسلطة تشريعية خاصة أن مشروعات القوانين تأتى له من قبل الحكومة التى يتولى رئيس الجمهورية اختيارها وتعيينها، كما أن ما يصدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من مشروعات قوانين لابد من التصديق عليها من رئيس الجمهورية، حيث هو الذى يتولى إصدارها ونشرها مما يتحقق معه التوازن بين رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة كسلطة تشريعية، وذلك إلى أن يتم اجتياز هذه الفترة الحرجة ويتم انتخاب برلمان جديد، فتعود الأمور إلى نصابها الصحيح. ويؤكد الدكتور أنور رسلان- أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة أن الظروف التى توجد فيها مصر خاصة بعد حكم عدم دستورية البرلمان وعدم وجود رئيس جمهورية هى التى كانت سببا فى اضطرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار إعلان دستورى مكمل يحدد من يمارس سلطة التشريع وأداء اليمين القانونية لرئيس الجمهورية الذى يتم انتخابه، وهذا الحق أوجبته الضرورة الحالية التى تمر بها مصر حفاظا على ممارسة سلطات الدولة الثلاث كل فى اختصاصه. ويرى المستشار الدكتور محمد حامد- رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة له الحق فى التشريع، مادام مجلس الشعب أصبح منحلا بمقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب لعدم مراعاة تكافؤ الفرص والمساواة ومزاحمة الأحزاب للمقاعد الفردية للمستقلين، مما أدى إلى عدم تكافؤ الفرص والخروج على قاعدة المساواة، وهذا الحكم ملزم لكل سلطات الدولة دون حاجة إلى إصدار قرار بحله، لأن المحكمة الدستورية العليا التى أصدرت الحكم هى أعلى سلطة قضائية فى مصر. سلطة مقيدة ويضيف أن الإعلان الدستورى الأخير الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتخويل المجلس العسكرى لنفسه سلطة التشريع بدلا من مجلس الشعب المنحل، ومن ثم يكون تصرف المجلس العسكرى صحيحا قانونا ولا غبار عليه، لأنه استرد السلطة التشريعية التى كان يمارسها قبل 23 يناير 2012، لأنه بمقتضى الحكم ببطلان الانتخابات منذ بدايتها وعلى هذا الأساس يحق للمجلس العسكرى مباشرة سلطة التشريع، وقد صدر الإعلان المكمل فى ظل الظروف التى نعيشها حاليا فى عدم وجود مجلس شعب وعدم وجود رئيس الجمهورية.. بل حدد الإعلان المكمل طريقة أداء اليمين القانونية والدستورية فى حال انتخاب رئيس الجمهورية وعدم وجود مجلس شعب منتخب. ويؤكد المستشار حامد أن حق التشريع من سلطة العسكرى الذى يجب عليه أن يباشر سلطة التشريع فى وجود رئيس الجمهورية وهى سلطة مقيدة بوجود الاثنين معا لفترة مؤقتة حتى يتم انتخاب الرئيس القادم. ويشير المستشار حامد أن أية دعاوى للبطلان لأى حكم يصدر أو صدر من الدستورية العليا سيتم رفضها من محاكم القضاء الإدارى وسيتم التأشير عليها بعدم الاختصاص. أما المطالبون برفع دعاوى ضد المجلس العسكرى والإعلان الدستورى المكمل سيكون أيضا الرفض هو الحكم الذى ينتظر أى دعوى يتم رفعها، وسيتم التأشير عليها بعدم اختصاص، لأن سلطة التشريع هى من اختصاص المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ 30 مارس 2011 وحتى 23 يناير 2012 ثم عاد إليه الاختصاص بعد حل المجلس بحكم الدستورية العليا فى 14 يونيه الجارى. وضع مؤقت من جانبه يرى د. ربيع فتح الباب - أستاذ القانون الدستورى والنظم السياسية بكلية الحقوق جامعة عين شمس أن العرف الدستورى يقرر أن يكون رئيس الجمهورية فى حالة عدم وجود سلطة تشريعية أو انعقاد المجلس التشريعى ووجود حالة ضرورة يتم منح السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية يصدرها بمقتضى قرارات أو مراسيم بقانون على أن تعرض هذه المراسيم فى أول جلسة بعد انعقاد المجلس التشريعى أو خلال مدة معينة إذا كان قائما وهذا متعارف عليه فى كل النظم. ويضيف أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان يملك السلطة التشريعية بعد قيام الثورة، وذلك لعدم وجود مجلس تشريعى وعدم وجود رئيس جمهورية فإذا وجد المجلس التشريعى يمارس السلطة التشريعية وهو ما تم بالفعل فى مصر منذ 23 يناير الماضى وبعد انعقاد مجلس الشعب، ولكن بعد حله بمقتضى حكم المحكمة الدستورية يرتد الأمر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصورة مؤقتة والذى كان يمارسها قبل انعقاد مجلس الشعب فى 23 يناير الماضى، ولكن من المفترض أنه بعد انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب أصبحت له سلطة مفوضة منه وأن تنتقل إليه سلطة التشريع مرة أخرى. ويقول المستشار عادل الشوربجى نائب رئيس محكمة النقض إن المستقر فى غالبية دول العالم أنه فى حالة عدم وجود برلمان أى مجلس تشريع وأنه فى حالة الثورات الشعبية يقع الاختصاص كله فى يد المجلس العسكرى، ثم يقوم بتعيين مجلس الوزراء ليتولى الوظيفة التنفيذية أى السلطة التنفيذية ويقوم هو بوظيفة البرلمان لكى يصدر مرسوما بقانون، إما أن يصدره هو، وإما أن يقدم له من الحكومة لكى يصدر مرسوما بقانون وهنا يتولى مهمة التشريع ويقوم المجلس العسكرى جهة الحكم بعرض المراسيم بقوانين على البرلمان بمجرد انعقاده خلال 15 يوما لكى تقره أو تعدله أو يقوم بإلغائه ولكنه يصبح نافذا من تاريخ صدوره من المجلس العسكرى بعد نشره ويعمل به. ويضيف أن السلطة التنفيذية هى التى تقوم بتنفيذ الأعمال وعلى رأسها رئيس الجمهورية والإعلان الدستورى المكمل جعل من المجلس العسكرى هو المختص بالتشريع حرصا على عدم وجود سلطتين فى يد واحدة ولحين تشكيل إصدار دستور دائم جديد ولأن الإعلان الدستورى بمثابة دستور مؤقت ويسقط حينما يستفتى الشعب على الدستور الدائم الجديد ويتم العمل به. ويوضح المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة السابق أنه كان هناك حلان فى عدم وجود مجلس الشعب، إما أن يكون رئيس الجمهورية لديه سلطة التشريع أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحل الأول تم رفضه بحجة أنه لا يجوز أن تجمع السلطة التنفيذية إلى اختصاصاتها السلطة التشريعية أيضاً. والحل الثانى أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بممارسة السلطة التشريعية استمرارا للحالة التى كان عليها قبل 23 يناير 2012 أى قبل انتخاب مجلس الشعب وهو حل رآه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فأصدر الإعلان الدستورى المكمل. ويضيف أن المعترضين على هذا الإعلان الدستورى المكمل حجتهم أن مجلس الشعب مازال قائما وهى الحجة الوحيدة لديهم وإذا كانت حجتهم صحيحة فلا يملك المجلس العسكرى إصدار هذا الإعلان الدستورى المكمل، ولكن احتراما لحجية الحكم وتسليما لآثاره فكان لا بد من صدور هذا الإعلان الدستورى المكمل لعلاج بعض الأمور التى تحتاج إلى علاج مثل أمام من يحلف رئيس الجمهورية اليمين القانونية فكان لا بد من تحديد صلاحيات الرئيس وإسناد سلطة التشريع للمجلس العسكرى لما كان قبل 23 يناير 2012. ويضيف أن كل هذا مؤقت إلى أن يتم انتخاب مجلس شعب جديد خلال عدة شهور وهى مدة يجب ألا تطول ويؤكد أن المجلس العسكرى الذى يدير البلاد حاليا استمد شرعيته من الشعب الذى أيده وقد أيد هو الثورة فاكتسب المجلس العسكرى الشرعية، وبذلك يحق له ممارسة سلطة التشريع طبقا للإعلانات الدستورية التى صدرت وحتى لا تتركز فى يد رئيس الجمهورية سلطتان التنفيذية والتشريعية. إعلان متوازن أما المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق فيقول إن الإعلان الدستورى صدر بموجب السلطات المخولة للمجلس منذ توليه سلطة إدارة البلاد عقب 25 يناير وبدءاً من إصدار الإعلان الدستورى فى 30 مارس 2011. ويضيف أن هذا الإعلان الدستورى أعطى المجلس الأعلى سلطة التشريع وهو حق استرده بعد بطلان مجلس الشعب المنحل إثر صدور حكم المحكمة الدستورية العليا. فى حين يرى د. عبد الله المغازى أستاذ القانون الدستورى والأمين العام المساعد للمجلس الاستشارى أن الإعلان الدستورى المكمل صدر متوازنا للغاية وكان مطلوبا من جانب القوى السياسية، حيث أعطى هذا الإعلان صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية ومنها اتخاذ قرار الحرب. ويضيف د. المغازى أن الأهم فى رأيى هو أن الإعلان المكمل أعطى أهمية خاصة بالجمعية التأسيسية للدستور لاحتواء الأزمة القائمة بشأنها وهذا الإعلان حيادى وجيد. ويؤكد أن سلطة التشريع كانت بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل انتخاب مجلس الشعب الذى تم حله الآن فماذا فعل المجلس الأعلى؟! إنه ترك سلطة التشريع كما كانت قبل الانتخابات البرلمانية واستمرار سلطة التشريع بيد المجلس العسكرى ستكون حتى انتخاب مجلس شعب جديد وهذا مؤقت سيستمر فقط عدة شهور، حيث عادت إليه سلطة التشريع بعد حكم المحكمة الدستورية العليا وكان مجبرا على ذلك بحكم المحكمة ولم يكن هو السبب فى انتقال سلطة التشريع إليه. ويرى المستشار إبراهيم محمد نجيب المحامى بالنقض أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة استرد سلطة التشريع التى كان يباشرها بمقتضى الإعلان الدستورى منذ 30 مارس عام 2011 وحتى 23 يناير 2012 حينما انتقلت السلطة التشريعية إلى مجلس الشعب المنتخب وبعد حل المجلس وبطلانه بمقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا فى 14 يونيو الجارى أعاد المجلس العسكرى سلطة التشريع هذه لنفسه عن طريق إصدار الإعلان الدستورى المكمل وهى فترة مؤقتة سيظل يمارسها حتى تشكيل مجلس شعب جديد منتخب خلال عدة شهور وبعد إعداد الدستور الجديد، حيث تنتقل هذه السلطة التشريعية إلى المجلس المنتخب القادم. ويضيف أن هذه السلطة سيمارسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى وجود رئيس الجمهورية الذى سيعلن انتخابه خلال الأيام القادمة وستكون مباشرة هذه السلطة مقيدة بين الاثنين ومعهم الحكومة وسيتم اتباع الخطوات القانونية والدستورية فى إصدار هذه التشريعات ومباشرة سلطة التشريع من جانب المجلس العسكرى.