حالة غير مسبوقة من الارتباك تسيطر علي الوضع الاقتصادي نتيجة عدم اعلان الحكومة إلي الآن عن مصير مشروع الموازنة العامة الجديد، الذي سبق وتقدمت به الحكومة إلي البرلمان -قبل صدور قرار حله- ثم سحب د. الجنزوري لهذا المشروع تمهيدا لتقديمه للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفته صاحب سلطة اعتماد الموازنة وفقا للإعلان الدستوري المكمل .. وأمام هذا الاعلان الدستوري المكمل يقف الرئيس الجديد مكتوف الأيدي بلا سلطة غير قادر علي الوفاء بتعهداته، لأن التصديق علي الموازنة سلطة «العسكر»، الذين قد يرفضون الاستجابة لمطالبه المتعلقة بتخصيص التمويل اللازم للوفاء بتعهداته والبدء في تنفيذ برنامجه الرئاسي. فالمصادر تذهب إلى أن د. كمال الجنزورى رئيس مجلس الوزراء سحب ملف الموزانة العامة للسنة المالية 2012/2013 من البرلمان، وأضافت أن د. الجنزورى أرسل نسخة منه إلى المجلس العسكرى لاعتماد الموازنة والتصديق عليها وإصدارها فى صورة مرسوم بقانون خلال أيام، وذلك بعد صدور حكم قضائى من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، ومن ثم انتقال السلطة التشريعية مرة أخرى إلى المجلس العسكرى.وأكدت المصادر أن حرص رئيس الحكومة على القيام بهذا الإجراء ينبع من رغبته فى إتاحة المزيد من الوقت للمجلس الأعلى لاستخدام حقه فى مراجعة مشروع الموازنة المقترح من الحكومة، فضلا عن اقتراب موعد انتهاء العمل بالموازنة الحالية 30 يونيو، وهو الميعاد المفترض اقرار الموازنة قبله، لافتة إلى أن البرلمان لم يكن قد بدأ فعليا فى مناقشة الموازنة العامة، وأن الأمر اقتصر فقط على مناقشة لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان لمناقشة الخطوط العريضة، ووضع خطة عمل لمناقشتها بالتنسيق مع كافة اللجان النوعية الأخرى بالمجلس. بدوره كشف ممتاز السعيد وزير المالية أنه يتم اعتماد مشروع الموازنة الجديدة للعام المالى لبدء العمل بها اعتباراً من يوليو المقبل، وأنه فى حال تعذر ذلك ستصدر المالية قراراً إدارياً بمد العمل بالموازنة المنتهية بنفس اعتماداتها الواردة لجميع القطاعات المختلفة، لحين بيان موقف الموازنة الجديدة، مستبعدا أن يترتب على استمرار العمل بالموازنة الحالية أى تداعيات سلبية فيما يتعلق بالخطوات الإصلاحية، التى انتهجتها الموازنة الجديدة. ومن جانبه أكد المهندس سعد الحسينى رئيس? ?لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان - الصادر بصدده قرار من المحكمة الدستورية العليا - أن البرلمان كان قد اعد العدة لمناقشة مشروع الموازنة العامة، الذى تقدمت به الحكومة متأخرا – كأنها كانت تتوقع حل البرلمان- يحتاج إلى جهود مضنية للوقوف على الصورة المثالية التى يمكن أن تحقق بها الموازنة الأهداف العامة للسياسة المالية للدولة، مشيرا إلى أنه من منطلق ادراك لجنة الخطة والموازنة خطورة الأمر، كان من المقرر أن تقوم بإنشاء موقع الكترونى وصفحة على الفيس بوك لعرض مقترحات مناقشة الموازنة، وتلقى الاقتراحات الخاصة بخفض عجز الموازنة وكيفية تحقيقها لفائض، فضلا عن عرض خطط زيادة الاستثمار. ووفقا للحسيني، كشفت المناقشات الأولية لمشروع الموازنة فى لجنة الخطة بالبرلمان عن صرف ?82 ?مليار جنيه سنوياً? ?على بند شراء السلع والخدمات وذلك فى الوقت الذى يوجد فيه كميات ومخزون راكد لدى الحكومة بقيمة ?89 ?مليار جنيه، ولذلك لابد من الاستفادة من هذا المخزون دون شراء جديد لتوفير جزء من عجز الموازنة، وأنه من الممكن تقليص المخصص فى الموزانة لدعم الطاقة نحو 9 مليارات جنيه فى حال إحلال استخدام الغاز الطبيعى محل السولار فى المصانع والمخابز وخلافه. وأكد الحسينى أن لجنة الخطة والموازنة كانت تضع فى اعتبارها دوما عند التعرض للموازنة ضرورة خفض عجز الموازنة، وأنها كانت تستهدف ترشيد الانفاق الحكومي، لكونه يستحوذ على جزء كبير من الموازنة، لذلك كنا ننوى مراجعة جميع بنود الانفاق الحكومى لترشيدها وتوجيهها إلى قطاعات الصحة والتعليم والقطاعات الحيوية، التى تهم المواطن البسيط. مصير مجهول فيما أكد د. عادل عامر الخبير الاقتصادى بالمركز العربى – الأوروبى للدراسات أن حالة من الغموض الشديد تحيط مصير مشروع الموازنة العامة بعد حل البرلمان، الذى كان قد بدأ عقد جلسات الخطة والموازنة تمهيدا لعرضها على المجلس لاعتمادها والتصديق عليها، لكن قرار المحكمة الدستورية العليا القاضى ببطلان المواد الخاصة فى قانون الانتخابات بانتخاب ثلث الفردى فى البرلمان لتكون ذريعة للمجلس العسكرى لحل هذا البرلمان، الذى طالما أثار الزوابع ضد إدارة «العسكري» لشئون البلاد. وقال د. عامر إن العمل بالموازنة الجديدة لن يبدأ إلا باعتمادها من الجهة المختصة التى كانت مجلس الشعب، ثم المجلس العسكرى وفقا للاعلان الدستورى المكمل, وبالتالى فما أن يسارع المجلس العسكرى صاحب سلطة الاعتماد والتصديق للتصدى للأمر ومن ثم التصدق على الموازنة واصدارها فى مرسوم بقانون قبل نهاية الشهر الجارى، أو أن يكون البديل الآخر وهو استمرار العمل بالموازنة الحالية فى حالة عدم اعتمادها حتى حلول الأول من يوليو القادم. وأضاف أن البرلمان لم يكن قد بدأ فعليا فى مناقشة الموازنة العامة، إنما اجتمعت لجنة الخطة والموازنة بالمجلس لمناقشة الخطوط العريضة للخطة، وشهدت الموازنة عجزا نقديا كبيرا تعدى 140 مليار جنيه، وأنها قدمت بدون ملاحق، وبالتالى فإنها لا تعكس الوضع الاقتصادى، هكذا، تواجه الموازنة العامة للدولة تواجه المصير المجهول والمبهم، حيث كان من المفترض أن تناقش لجنة الخطة والموازنة يوم الاثنين القادم دعم المواد البترولية، ودعم نقل الركاب وصندوق مركبات النقل السريع، وصناديق المعاشات، ودعم تنمية الصعيد وسيناء. وأشار إلى أنه فى حالة تأخر اعتمادها قبل حلول الشهر المقبل ستلتزم الحكومة بالموازنة السابقة لحين انتهاء اعتماد الموازنة الجديدة سواء من جانب العسكرى أو بعد تشكيل مجلس شعب جديد، وإن السلطة التشريعية والرقابية انتقلت إلى العسكرى بصورة تامة بما يمنحه الحق فى اعتمادها، موضحا أن المجلس بإمكانه تحويل الموازنة إلى وزارة المالية لدراستها جيدا قبل اعتمادها فى حالة عدم توافر أصحاب خبرة فى دراسة بنودها. وأوضح د. عادل أن مناقشة بنود الموازنة لن تتم بالصورة المفصلة، التى كانت تتبع فى البرلمان نتيجة تضمنها العديد من الخبرات فى ذلك المجال، وأنه يجوز العمل بالموازنة القديمة وفقا لقانون وزارة المالية لحين التصديق على الموازنة الجديدة من قبل مجلس شعب جديد، وأن المجلس العسكرى لديه القدرة على دراسة بنود الموازنة، ثم إعادتها مرة أخرى ل «المالية»، لإجراء التعديلات المطلوبة قبل اعتمادها. ولفت إلى أن الموازنة القديمة تتبع نظاماً يعتد به فى دول العالم المختلفة لحين اعتماد الموازنة الجديدة فى أقرب وقت، بسبب الفارق بين الموازنتين لاختلاف الأسعار، وبنود الصرف وهو الأمر الذى يدفع القائمين على إعداد الموازنة لإجراء تعديل فى بنود الصرف لكل بند، وأن المجلس اهتم بالنواحى السياسية والامنية على حساب الاقتصادية والتشريعات الخاصة بها على الرغم من أهمية الاقتصاد فى بناء الوطن وضمان حياة كريمة المواطنين. وشكك د. عامر فى قدرة الحكومة على تنفيذ القوانين، التى تمت الموافقة عليها مثل تثبيت المؤقتين والحد الادنى للأجور، واصفا هذه القوانين بأنها مجرد تحصيل حاصل، لأنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع فى ظل الكساد الاقتصادى، الذى تعانى منه مصر، لأن الإعلان الدستورى المكمل أعطى سلطة اعتماد الموازنة والتشريع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فقد تمت إعادتها هذه السلطة مرة أخرى من بعد حل مجلس الشعب، فأصبح دستوريا الآن السلطة المختصة باعتماد الميزانية، كما اعتمدها العام الماضى. الأهداف التنموية أما د. عبدالله شحاتة أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فأوضح أن الموازنة هى الأداة الأساسية، التى يمكن أن تحقق الدولة من خلالها الاهداف التنموية، وذلك وفقا لما تستهدفه خطة التنمية الاقتصادية للدولة، فالأصل المحرك للسياسات الاقتصادية والمشروعات المختلفة هو خطة التنمية الاقتصادية، وتقوم الموازنة العامة بترجمة تلك الأهداف إلى أنشطة وبرامج مختلفة لتحقيق أهداف تلك الخطة. وأكد أنه بعيدا عن غموض مصير الموزانة الحالية لابد من التأكيد على أن هناك حاجة ماسة لإعادة صياغة العلاقات المؤسسية لإعداد وتنفيذ الموازنة العامة بمزيد من المشاركة للمجتمعات المحلية فى صياغة موازنتها وتخصيصها على النحو الذى يحقق مصالح المجتمع المحلي، مشيرا إلى أن ذلك كله يستوجب الإسراع فى التحول نحو نظام لامركزى فى تقديم الخدمات العامة بما يسمح بالمشاركة الحقيقية للمجتمعات المحلية فى صياغة شكل الخدمة وطريقة تقديمها مع الالتزام بالمعايير القياسية التى تضعها السلطة المركزية. وطالب د. شحاتة بضرورة إقرار نظام للامركزية المالية يسمح بزيادة قدرات الوحدات المحلية فى صياغة موازناتها واستخدامها بما يحقق أهداف المجتمع المحلى التنموية ويزيد من قدرة المحليات فى السيطرة على مواردها المحلية بمايخدم أهداف المجتمع المحلي، فضلا عن الحد من سطوة العوامل السياسية على تخصيص الموارد بالموازنة العامة وذلك من خلال نظام قوى للرقابة والمتابعة. وشدد على أهمية زيادة قدرة المجالس الشعبية وتمكينها من ممارسة دورها الرقابى على الموازنة العامة وما يخص المجتمع المحلى من مخصصات، وأنه لن يتحقق ذلك إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة للمجالس الشعبية بدون تدخلات الأمن والبعد عن الطائفية والعشائرية فى عمليات الاختيار لأعضاء تلك المجالس، لافتا إلى ضرورة تقليل التفاوتات الاقليمية بين الاقاليم المصرية المختلفة على نحو يخلق مناخا من المساواة بين المجتمعات المحلية. وخلص د. شحاتة إلى أن الاستجابة لمتطلبات المجتمع هو الهدف من وراء إعداد الموازنات العامة، وذلك للانفاق على تقديم الخدمات العامة من خلال ما يتاح للدولة من موارد، وأن مدى استجابة الموازنة لتطلعات واحتياجات المجتمع هى رهينة بنمط تقديم الخدمات العامة وبالكيفية، التى يتم من خلالها نقل تلك التطلعات إلى صانع القرار السياسى والمسئول عن تخصيص الموارد العامة، وكلما كان نظام تقديم الخدمات العامة لا مركزيا كان هذا النظام أقدر على الاستجابة.