بعد ثورة يوليو نشطت نخبة من الدارسين للموسيقى تحت رعاية معهد الموسيقى العربية فى جمع تراثنا العربى وتحقيق بعض الكتب القديمة المتخصصة منها «رسالة الكندى «والأغانى للأصفهانى» كما صدر كتاب «تراثنا الموسيقى» بمقدمة لرائد الموسيقى الدكتور محمود أحمد الحفنى.. ومن النخبة التى ساهمت فى جمع التراث والذى ظهر بين ضفتى الكتاب الناقد الموسيقىمحمود كامل والدكتور الملحن يوسف شوقى والدكتور محمود مختار والأستاذ غطاس عبد الملك. وساهمت إدارة العلاقات الثقافية الخارجية «التبادل الثقافى سابقا» فى نشر إسطوانات مختارة مسجل عليها بعض أعمالنا التراثية فى الموسيقى العربية والشعبية التقليدية المتطورة مع الشرح والتحليل. وفىعام 1934 بدأ ظهور الصحافة الموسيقية المتخصصة فقد أصدر الدكتور محمود أحمد الحفنى مجلة الموسيقى العربية لتنشر موضوعات عن الموسيقى كعلم وثقافة وفن وتستكتب مجموعة من المتخصصين والأكاديميين ظهرمن بينهم الناقد والبحث والشارح والمحلل والمؤرخ ثم أعادت الدكتورة رتيبة الحفنى نشر مجلة والدها منذ عام 1976 وأعادت نشر بعض المقالات التى سبق أن نشرها والدها واستحدثت أبوابا للنقد للموسيقى المعاصرة المحلية منها والعالمية الكلاسكية والشعبية ولم تستمر إلا ثمانى سنوات ونصف بعد أن ارتفعت تكاليف الإنتاج مع عدم القدرة على جلب إعلانات تجارية تعين على استمراريتها. وأصدرت بعض النقابات الفنية مجلة فصلية للفنون خصصت بعض صفحاتها للموسيقى ومع ذلك فقد ظل النقد الموسيقى نادرا والناقد عملة صعبة. وهل يوجد فن بدون نقد ؟!وهل يتمكن فنان من الإبداع إلا بوجود ناقد يحلل ويفسر ويظهر نقاط القوة ومواطن الضعف؟! فى كل الفنون يتوازى الابداع بالنقد فإذا اختفى المبدع فابحث عن الناقد فالنقاد ليسوا حملة المباخر للفن والفنان إنما هم قضاة عدل بينهم وبين المتلقى من ناحية وبين الأعمال الفنية التى يصنعها أصحاب المواهب من ناحية أخرى ولماهبط الغناء العربى اختفى النقد الموسيقى فزاد الغناء هبوطا. وتراجعت مادة الموسيقى فى المدارس وخلت برامج التليفزيون- الأكثر جاذبية للمستمع - من البرامج التثقيفية للموسيقى فتوغلت الظواهر الغنائية المريضة ثم اختفت قوالب الموسيقى الصماء أو البحتة أو الخالصة. وعندنا معهد للنقد الفنى يتبع أكاديمية الفنون ولا أعراف مصير الدارسين فيه وهم من حملة المؤهلات العليا قبل أن يتم انضمام طلبة من حاملى الثانوية العامة إليهم مؤخرا فإذا كان النقد السينمائى والخاص بالفن التشكيلى موجودا فى صحفنا فإن النقد الموسيقى غير موجود بصفة جادة والمعاهد والكليات التى تقوم بتدريس الصحافة أصبحت كثيرة فى بلادنا لكن أحداً منها لا تتضمن مناهجه تدريس الموسيقى والفن فإذا توافر الناقد الموسيقى الموهوب والدارس لفنه فلن يجد الفرصة ليتعلم كيف يكتب وإذا توافر من خريجى أقسام الصحافة بالجامعات المختلفة من يجيد الكتابة فأين يحصن نفسه بالدراسة اللازمة للنقد ومنها معهد النقد الفنى الذى يقوم بتدريس الصحافة وبذلك يصبح الناقد الموسيقى والفنى المتخصص مسئولا عن تكوين ثقافته الخاصة وإعداد نفسه ليكوين ناقدا دارسا كلا العملينالصحافة والفن بجهوده الذاتية. وإذا قرر الدكتور عميد معهد النقد أن يضيف إلى مناهج معهده مادة الصحافة يكون قد أسدى للفنون وللصحافة خدمة جليلة ولخريجى معهده مساعدة مهمة ليشقوا طريقهم إلى النقد الموسيقى فى الصحف العامة والشبكة العنكبوتية والمواقع الالكترونية يجب أن نعمل جميعا على نشر الثقافة الموسيقية أو عودتها إلى ماكانت عليه وكانت دار الكتب والوثائق القومية قد أعادت فكرة إقامة ورش عمل ومحاضرات عن التراث الموسيقى وربطه بالفن المعاصر ولم تدم طويلا. من العجيب أن حياتنا الثقافية تخلو تماما من مجلة موسيقية متخصصة، وكانت هيئة الثقافة برئاسة الدكتور أحمد مجاهد قد شرعت فى نشر مجلة موسيقية فصلية متخصصة لكن أضوائها قد أطفئت قبل أن تبدأ ظروف ثورة 25 يناير المباركة. ما أحوج مصر إلى ثقافة موسيقية تعيد لها مجدها الغنائى والموسيقى.