قضية الجاسوس الإسرائيلى عودة ترابين الذى يقضى حكما بالسجن لمدة 15 عاما ويقبع فى نفس الزنزانة التى كان يحتلها الجاسوس عزام عزام بليمان طرة، عادت لتطفو على السطح من جديد.. رئيس الوزراء الإسرائيلى، بينامين نتنياهو، عاد ليؤكد أن حكومة إسرائيل سوف تواصل جهودها لإطلاق سراح ترابين.. وعضو الكنيسيت عن حزب (كاديما) يسرائيل حسون والذى عمل فى السابق نائبا لرئيس الأمن الداخلى (الشاباك) زار مصر لهذا الغرض، ونائب الوزير الخاص بتطوير النقب الجليل، أيوب القرا، وأكد لعائلة ترابين أن ابنهم عودة سوف يعود! ويبدو أن هناك صفقة يتم إعدادها الآن لتكون من بين ملاحق صفقة إطلاق سراح الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط والتى تمت بوساطة المخابرات المصرية وتلتها أيضا صفقة إيلان جرابيل، الجاسوس الأمريكى- الإسرائيلى الذى أطلق سراحه فى مقابل 25 من السجناء الجنائيين المصريين فى سجون إسرائيل. ففى الفترة الأخيرة تم استدعاء يتسحاق ميلتسر، رئيس طاقم المحامين الخاص بعودة ترابين، لمقابلة عاجلة مع كل من المحامى يتسحاق مولخو وعضو الكنيسيت يسرائيل حسون اللذين عملا فى السابق بتكليف من رئيس الوزراء الإسرائيلى، نتنياهو، على إتمام صفقة إيلان جرابيل. وتم إبلاغه بأن الحكومة الإسرائيلية لم تنس ولم تتخل عن عودة ترابين وأن الموضوع برمته الآن قيد بحث نظام الحكم الجديد فى مصر. ومن ناحية أخرى تنوى عائلة ترابين طلب المساعدة من رئيس حكومة حماس فى غزة، إسماعيل هنية. ويقول أحد أفراد العائلة «إذا لم تساعدنا الحكومة الإسرائيلية فى إطلاق سراح عودة. فأعتقد أن هنية سوف يساعدنا بصورة أسرع بكثير، فقد رأينا فى صفقة شاليط كيف اهتم بإطلاق سراح المواطنين الإسرائيليين من العرب الذين كانوا فى السجون الإسرائيلية. ولديه علاقات جيدة مع نظام الحكم الجديد فى مصر». وفى أحد الفنادق بالقاهرة التقينا مع يتسحاق ميلتسر، رئيس طاقم المحامين الخاص بعودة ترابين. وهو محام من بئر سبع حيث يتواجد عدد كبير جدا من السكان البدو، ويعمل متطوعا منذ عام 2006 فى قضية عودة ترابين. سألناه عن سبب وجوده فى مصر الآن فقال إنه أتى لزيارة عودة ترابين، البدوى الإسرائيلى الذى يقضى عقوبة السجن. * هو فى السجن لأنه جاسوس. ** هو ليس بجاسوس ولم يكن جاسوسا أبدا. كان فتى فى التاسعة عشرة من عمره عندما اجتاز الحدود إلى مصر. صحيح انه لم يكن يحمل وثائق سفر وصحيح أنه اجتاز الحدود بصورة غير شرعية لكنه ليس بجاسوس ولم يقم بأية عملية تجسس لصالح أية جهة امنية أو عسكرية. وأنا أعمل محاميا منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ويمكننى القول وأنا متأكد بنسبة مائة بالمائة بأنه برىء وأنه ليس جاسوسا. * وماذا عن والده سليمان ترابين؟ ** كتبوا فى الصحافة المصرية أن والده كان جاسوسا لإسرائيل. نعم أو لا أنا لا أعلم ولكننى على ثقة تامة من أن عودة لم يكن جاسوسا. هو جاء إلى إسرائيل وتسلم بطاقة هوية إسرائيلية . وعندما تمت معاقبته بتهمة والده فهذا ليس عدلا. * ولكن المحكمة العسكرية أدانته. ** أنا أتابع ما يقوله المصريون عن المحاكمات العسكرية. وبخبرتى الدولية توجهت فى حينه إلى وزير الداخلية المصرى على ما أعتقد فى 2010 وتقدمت بخطاب إلى السفارة المصرية فى لندن لكن مصر لم ترد إطلاقا. ولذلك كتبوا عن قضية عودة ترابين فى تقاريرهم الصادرة فى 2011.كما أن دولة إسرائيل لم تفوت أية فرصة لتطلب من مصر الإفراج عنه ولتؤكد أنه لم يكن جاسوسا. وهناك منظمة لرجال القانون والمحامين اليهود توجهت بطلب إلى الرئيس السابق مبارك فى هذا الشأن دون جدوى، فلجأت إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. * ولكننى أشم رائحة صفقة فى الطريق على غرار صفقة جرابيل. ** قبل عدة أشهر تمت صفقة جرابيل، وكانت هناك آمال كثيرة تشير إلى قرب الإفراج عن عودة ترابين مقابل الإفراج عن كل السجناء المصريين فى إسرائيل. وقد جاء فى نهاية تقرير نشرته صحيفة الأهرام ويكلى نقلا عن مصدر مصرى مسئول أن حقيقة عدم شمول صفقة جرابيل الإفراج عن ترابين أيضا تشير إلى أن هناك صفقة قادمة. * وكم عدد المصريين المسجونين فى إسرائيل؟ ** على حد علمى 65 مصريا. * كلهم من البدو؟ ** نعم، كلهم من البدو. وقبل عدة أيام كان هناك تقرير فى الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية. ونجح المذيع فى إجراء مقابلة مع عضو بالبرلمان المصرى وهو بدوى من سيناء. وفى نفس التقرير تحدث نائب وزير الخارجية الإسرائيلى، دانى أيالون، وقال إن الموضوع محل بحث المصريين وإن الكرة الآن فى الملعب المصرى. *** ولكن ما هى حكاية عودة ترابين؟ تقول الرواية الإسرائيلية إنه مجرد راعى أغنام من منطقة (رهط) البدوية القريبة من بئر سبع، وأنه أراد وهو فى التاسعة عشرة من عمره زيارة شقيقته «واضحة» المتزوجة والمقيمة فى سيناء فاجتاز الحدود الإسرائيلية- المصرية بصورة غير قانونية ويدفع ثمن زيارته هذه من وقتها وحتى الآن داخل السجن حيث يبلغ عمره الآن واحدا وثلاثين عاما. والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل عودة ترابين حقا مجرد راعى غنم ارتكب حماقة اجتياز الحدود بصورة غير قانونية لزيارة شقيقته أم أنه جاسوس وعميل للمخابرات الإسرائيلية؟ لكن الأمر ليس بهذه البساطة. ذلك لأن سليمان ترابين، والد عودة، كان يقيم مع عائلته حتى أواخر السبعينات فى سيناء. وعودة الذى ولد فى سيناء أيضا هو ابنه البكر فقد أنجب سليمان أيضا ولدين آخرين وست بنات اثنتان منهما متزوجتان ومقيمتان فى سيناء. وقد اكتشفت المخابرات المصرية من البداية أن سليمان عودة، كان خائنا لبلده وأنه كان يمد قوات الأمن الإسرائيلية وقت الاحتلال بمعلومات حساسة تتعلق بالجيش وبالعمليات التى تنفذها القوات الخاصة خلف خطوط العدو. وعندما استردت مصر سيناء وفقا لاتفاق كامب ديفيد، جمع سليمان أفراد عائلته وحزم كل ما يمكن نقله، وذهب معهم إلى إسرائيل، فحوكم غيابيا وصدر حكم ضده بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة. وتمركزت عائلة ترابين على مقربة من مدينة (رهط) البدوية فى صحراء النقب غير بعيدة عن منطقة المقابر. وتعلم عودة فى المدرسة الثانوية الصناعية فى رهط شعبة الميكانيكا، وكان أثناء دراسته يعمل ميكانيكيا فى ورشة بالمدينة وفى أعمال أخرى ليساعد بها عائلته. وتضيف الرواية الإسرائيلية أن عودة ترابين كان وثيق الصلة مع شقيقته، واضحة، وهى إحدى أخواته المقيمات فى سيناء وأنه فى عام 2000 وعندما كان فى التاسعة عشرة من عمره، اتخذ قراره الخاص بزيارة أخته عن طريق اجتياز الحدود بصورة غير قانونية. وقبل عدة أشهر حكى لطاقم محاميه من الإسرائيليين- يتسحاق ميلتسر وإياد العطاونة ومحمود الصانع- عندما زاروه فى السجن أنه فى السابق دخل إلى سيناء بجواز سفر إسرائيلى وعند عودته عن طريق منفذ طابا حذره رجال الشرطة فى المنفذ من العودة إلى سيناء مرة أخرى، فلم يكن أمامه خيار- على حد قوله- إلا البحث عن وسيلة أخرى للدخول وزيارة شقيقته! وفى ذات يوم وفى ساعة متأخرة من الليل، اجتاز ترابين الحدود المصرية الإسرائيلية ونجح فى الاختفاء عن أعين جنود الجيش المصرى والجيش الإسرائيلى على جانبى الحدود، حسب روايته. وبعد عدة ساعات من المشى وصل إلى منزل شقيقته التى رحبت به كثيرا وبقى فى منزلها لعدة أيام. ثم حدثت خناقة بينه وبين زوج أخته الذى قرر بدوره الإبلاغ عنه. فذهب بالفعل إلى قسم الشرطة وقال لهم: ( فى بيتنا جاسوس إسرائيلى) عندئذ سارع رجال الشرطة إلى منزل شقيقته وألقوا القبض عليه بتهمة التجسس لصالح إسرائيل لكن الحقيقة أنه تم ضبطه ومعه جهاز اتصال وكمية كبيرة من الدولارات المزيفة التى كان يحاول بها تجنيد آخرين. ولم يكن أبناء عائلته يعلمون أين اختفى هكذا فجأة وبلا مقدمات فى الوقت الذى تم فيه وفقا للقوانين المصرية تقديمه للمحكمة العسكرية فى بورسعيد التى أصدرت حكمها بسجنه لمدة 15 عاما مع الأشغال الشاقة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل. ومع إطلاق سراح الجاسوس عزام عزام، تم نقل ترابين لنفس الزنزانة فى ليمان طرة. وكان ترابين قد بعث برسائل من داخل سجنه إلى رئيس الوزراء آنذاك، إريل شارون وكل من وزيرى الدفاع والخارجية يهدد فيها بالانتحار إذا لم يعملوا على إطلاق سراحه. ومن وقت إلى آخر يقوم السفير الإسرائيلى بالقاهرة أو القنصل أو مبعوثون من وزارة الخارجية الإسرائيلية أو أحد أفراد طاقم محاميه بزيارة ترابين فى السجن. أما سليمان الأب الذى لم ير ابنه منذ ما يقرب من 12 عاما، فلا يمكنه أى حال دخول الأراضى المصرية وإن تجرأ وحاول دخولها فسيتم القبض عليه فورا ويوضع فى السجن. وفى أثناء الاضطرابات التى أعقبت ثورة 25 يناير وسقوط نظام مبارك والقيام بعمليات اقتحام للسجون وتهريب المسجونين، نجح بعض السجناء من زملاء ترابين فى الفرار ومنهم من ظهر بعد ذلك سواء فى غزة أو فى بيروت وسرت شائعات بأنه ربما يكون قد نجح فى الهروب من السجن واتجه إلى سيناء أو أن شخصا ما قتله. واختفت أخباره تماما ولم يكن أحد فى وزارة الخارجية الإسرائيلية لديه أية فكرة عما حدث له. لكن عندما هدأت الاضطرابات بعض الشىء، نجح رئيس طاقم المحامين، يتسحاق ميلتسر فى زيارة ترابين فى السجن واكتشف أن حالته الصحية جيدة وأن حراس السجن قاموا بحمايته. وكانت حكومة إسرائيل الرسمية قد تعرضت لحملة انتقادات عنيفة من قبل جماعات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان الإسرائيلية فى أعقاب صفقة تبادل الجاسوس الأمريكى- الإسرائيلى إيلان جرابيل فوصف طاقم المحامين عن ترابين هذه الصفقة بأنها عار وخزى لدولة إسرائيل والقائمين عليها الذين تخلوا عن ترابين لأنه بدوى. وهو يتعفن فى السجن والدولة تتجاهل وجوده كما لو لم يكن مواطنا إسرائيليا. ووصف إياد العطاونه، أحد محاميى ترابين، ما قامت به إسرائيل بأنه فضيحة وأنها تميز بين مواطنيها على أساس عنصرى. وقال إن حكومة إسرائيل بتصرفها هذا تثبت أنها لا تمثل سوى اليهود أما نحن البدو فنأتى فى الدرجة الثانية. وهذا يثبت بلا أدنى شك أن الدم البدوى أقل احمرارا من دم اليهود. أما زهير أندراوس، رئيس تحرير صحيفة (مع الحدث) التى تصدر فى (طمرة) شمالى إسرائيل فقد كتب مقالا شديد اللهجة بعنوان (عودة جرابيل وإيلان ترابين) يقول فيه: لا أعرف ما إذا كان عودة ترابين، الشاب من النقب، قد تطوع فى الجيش الإسرائيلى مثلما فعل جرابيل أم لا ؟ لكن ما أنا متأكد منه أنه ولد فى مكان معزول وحمل اسما عربيا أصيلا. وعلى أية حال، سيبقى ترابين فى السجن إذ لا وقت ولا أهتمام بحل مشكلة هذا المواطن لأن الحكومة مشغولة لرأسها بمصادرة أراضى البدو فى النقب وبهدم منازلهم ونقلهم من مكان إلى آخر، يعنى ترانسفير والهدف هو انتزاعهم من أراضيهم التى بقيت لهم فى النقب. ويعشش الخوف فى قلبى، من أنه عندما يطلق سراحه بعد انتهاء فترة عقوبته- 15 سنة- سوف يرجع إلى إسرائيل ولن يجد بيته ولا قريته غير المعترف بها. سوف ينتقل من السجن المصرى الصغير إلى السجن الإسرائيلى الكبير الذى تقيمه الحكومة. ويضيف: إن صفقة جرابيل تثبت بالدليل القاطع أن العنصرية تتفشى فى كل مفاصل المجتمع اليهودى فى إسرائيل. فعلى امتداد 4 شهور فقط قضاها جرابيل فى السجن، وقفت دولة بكاملها على أقدامها وقام وزير الدفاع الأمريكى بزيارة مصر ومهد لإطلاق سراحه. وخاطب أندراوس إخوانه من العرب البدو فى إسرائيل وقال: من أحرق المسجد فى (طوبا الزنجرية)- وهى قرية بدوية فى الجليل- هم إرهابيون يهود يرعاهم الشاباك، وفى النقب يقومون بمصادرة أراضيتم. فما الذى تفعلونه بالضبط داخل الجيش الإسرائيلى؟ ما الفائدة التى ستعود عليكم؟ انزعوا الزى العسكرى عنكم.