ليس غريبا على المؤرخ الموسوعى الأستاذ الدكتور محمد الجوادى، أن يتوقف عند مذكرات وشخصية السفير عبد الرؤوف الريدى، وبكل موضوعية فإنه على الرغم من تعدد الكتابات عن كتاب «رحلة العمر» للسفير الريدى فإن مقال الدكتور الجوادى رغم إيجازه ربما كان أهم الكتابات التى وضعت يدها على جوهر الكتاب وشخصية صاحبه، وقد تعطينى فرصة معاصرتى للسفير الريدى سفيرا لمصر فى واشنطن، وفى فترة شهدت العديد من الأحداث، الحق فى أن أقدم بعض الإضافات التى تؤكد تقييم د. الجوادى لهذه الشخصية الوطنية قبل أن تكون الدبلوماسية، فكما عبّر بحق فإن دافع الوطنية وحب الوطن هو الذى يفسر أداء الدبلوماسى وردود أفعاله التلقائية. لاحظ رد فعله عندما استدعاه أحد أعضاء مجلس النواب وهدده بوقف المساعدات الأمريكية عن مصر، وبتلقائية رد عليه أن مصر قد عاشت قرونا بدون المساعدات الأمريكية وسوف تعيش كذلك بدونها،وفى بعض الأحيان يكون الصدق والتلقائية هو جوهر الدبلوماسية، وهذا ما يفسر التراجع السريع لعضو الكونجرس عما بدر منه: ولعل هذا يقودنا إلى ما يمكن أن نعتبره أكبر إنجاز وطنى للسفير الريدى خلال سنواته فى واشنطن وهو ما توقف عنده الدكتور الجوادى وعوض بذلك فيما اعتقد قصورا فى التاريخ لهذه الفترة الحاسمة فى تاريخ مصر وأداء دبلوماسيتها، وخلاصة الأمر، وكما أبرز الدكتور الجوادى، أنه مع بدء السفير الريدى عمله فى واشنطن، أدرك جوهر ما تتعرض له مصر، وهو أزمتها الاقتصادية، ووقع الديون على اقتصادها، ولعل هذا الإدراك المبكر، كان وراء التقاطه للحظة التاريخية وأعنى بها حرب الخليج عام 1991، ومشاركة مصر فى الائتلاف الدولى حولها، وإدراك الولاياتالمتحدة أن مشاركة مصر كان أساسيا فى تشكيل هذا الائتلاف، منبها إلى أن هذه هى اللحظة التى تطالب فيها مصر بإسقاط ديونها العسكرية، وتحدث فيها مع مبارك الذى بدا متشككا، وتفسيرى لهذا التشكك أنه كان يعلم أنه خلال الثمانينيات كنا فى واشنطن نستقبل بشكل منتظم وزراء الاقتصاد والتعاون الدولى، وغيرهم من الخبراء العسكريين والاقتصاديين، الذين جاءوا لكى يلتقوا أساسا بأعضاء الكونجرس ومساعدتهم لإقناعهم لا بإسقاط الديون ولكن بمجرد خفض سعر الفائدة التى كانت حينذاك 15% وهو مال يمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد المصرى، وكان الرد الأمريكى الدائم هو الاعتذار وأنهم إذا فعلوا ذلك مع مصر فسوف يضطرون أن يفعلوه مع الكثير من الدول المدينة للولايات المتحدة غير أن إلغاء الديون العسكرية ل 7 مليارات دولار لم يقتصر فقط على الولاياتالمتحدة، وإنما باقتناع وإيعاز من الكونجرس إلى أن تدعو الإدارة الأمريكية الدول الغربية إلى عقد مؤتمر باريس لخفض الديون الأوروبية على مصر بنسبة 50%، وأذكر أنه خلال عملى سفيراً فى النرويج أنها كانت تتمسك بأن يكون الخفض بنسبة 20% فقط، وهو ما دفعنى إلى أن أستعين بالسفير الريدى وأرجوه أن يتدخل مع الأمريكان لإقناع النرويج بقبول الخفض بنسبة 50% وبعد أيام تلقيت مكالمة من السفيرة الأمريكية فى اوسلو تبلغنى فيه أنها تلقت تعليمات من الخارجية الأمريكية بأن تسعى لدى السلطات النرويجية وحثها على خفض الديون المصرية بنسبة 50%، وهو ما تحقق. فى هذا السياق لابد أن تتذكر ما قد لا يعلمه السفير عما رواه ممن شهدوا هذه الواقعة، فخلال إحدى زيارات مبارك الخارجية جاء الحديث مع السفير المصرى هناك حول موضوع الديون، وقال مبارك إنه كان يتلقى مكالمات من الريدى يطلب منه محادثة أعضاء الكونجرس فى أمر الديون، وكعادته لكى ينسب كل إنجاز لنفسه، حاول مبارك أن يوحى أنه صاحب هذا الإنجاز، رغم أن كل من عاصروا هذه المرحلة فى واشنطن يعلمون أن اقتناع وقرار الكونجرس كان محصلة شبكة العلاقات الواسعة التى أقامها السفير الريدى مع الكونجرس وأعضائه، أعلم أن مقالاً واحداً قد لا تسمح مساحته بأن يشمل كل أبعاد وأدوار شخصية متعدده الاهتمامات والإنجازات مثل السفير الريدى، وقد كنت أود أن تسمح المساحة للإشارة إلى بعد مهم من شخصيته وإنجازاته وأعنى بها توجههه بعد انتهاء عمله الدبلوماسى إلى العمل المدنى التطوعى، ولعله تأثر فى هذا بالنموذج والمجتمع الأمريكى، الذى تزدهر فيه الأنشطة التى توجه إليها، مثل رئاسته لمجلس أمناء مدينة دمياطالجديدة، وفاء لمسقط رأسه، ودوره فى تحويل مكتبة مبارك العامة إلى سلسلة من المكتبات فى القاهرة والأقاليم، أما المساهمة التى كانت امتدادا لعمله الدبلوماسى فهى مبادرته فى التفكير مع زميله وصديقه السفير محمد شاكر فى تأسيس «المجلس المصرى للشئون الخارجية» متأثرا أيضاً بالنموذج الأمريكى الذى تزدهر فيه مراكز البحث وبشكل خاص بنموذج «المجلس الأمريكى للشئون الخارجية». American council on foreign affairs والذى يعلم الجميع دوره فى صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، وازعم ولارتباطى بالمجلس المصرى للشئون الخارجية منذ الجلسات الأولى للإعداد له، وبعد أن مرت أكثر من عشر سنوات على تأسيسه، أنه من أخلص الجهود التى بذلت لكى يكون للمجتمع المدنى وشخصياته دور فى خدمة السياسة الخارجية المصرية، ولكى يكون فضلا عن النقاش الداخلى، منبرا للحوار بين العالم الخارجى وشخصياته الرسمية وممثلى المجتمع المدنى المصرى، وشكرا مجددا للدكتور الجوادى على مقاله المبصر وعلى أنه جدد وأثرى النقاش حول وإحدى فترات التاريخ الدبلوماسى المصرى وشخصياته.