بالمناسبة: جمال مبارك كان من طائفة البرادعية، فقد تربى فى حظيرة الغرب ورضع لبنهم المسموم قبل أن يأتى إلى مصر ويقنعه أحد ما فاسد أن يلعب سياسة. ولو تمكن الوريث – لا قدر الله – من الوصول إلى كرسى الرئاسة ومكّن فرقة العازفين من حوله - المرتهنين بمشاريع المحافظين الجدد - من الاستمرار فى عزفهم على أنغام الغرب لخدم مخططات هؤلاء الأسياد الذين يحكمون العالم ربما أكثر ممن نتهمهم الآن بالعمالة. لكن أمريكا لم تراهن على جمال مبارك لسببين، الأول: أنها كانت متأكدة أن فرص وأسهم جمال فى ذلك قليلة جدا أو شبه معدومة، لكن لي? هذا السبب هو المهم، وأكثر منه أهمية، أنها تريد تغيير نظم الحكم وليس الجالس على كرسى الحكم فقط، يريدون ذلك فى العالم العربى كله وفى مصر قائدة هذا العالم تحديدا، لإتاحة المجال لإدارة لعبة تداول السلطة ومن خلال خلق جماعات ضغط وأحزاب وأفراد وثقافة تؤمن بالمشروع الغربى كله حلوه ومره (سياسة واقتصاد واجتماع وقيم) يتحول العرب شعوبا وحكاما إلى تابعين ومتاحين للاختراق ويتم خلق مجال أوسع لاستيعاب الصهيونية وتنفيذ مخططات العولمة، التغيير على هذه الشاكلة أضمن حتى ولو تم تنفيذه على مستوى زمنى أبعد، لكن كان أيضا فى المخ?ط دعم شخص بعينه تم الرهان عليه حتى قبل سقوط مبارك ليقود القطيع المنشود ويسرع بالتغيير المقصود، لكن يبدو أن هذا الشخص بالتحديد قد خيَّب رجاء الدوائر التى راهنت عليه. (1) ليس هناك معنى أو كلمات تؤكد ما انتهيت إليه فى المقدمة من هذا المقال الذى أعتقد أن قليلين قد قرأوه وأن آخرين قد تجاهلوه عن عمد، خاصة أنه صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (The Washington institute for near poliCy) المقال موضوعه د.محمد البرادعى وعنوانه: «امتناع ليبرالى مصر العظيم» وتاريخ نشره 23 يناير الماضى وهناك نسخة عربية منه على الرابط التالى: http://arabic.washingtoninstitute.org/templateC06.php?CID = 1623&portal = ar فلنقرأه معا ونرجئ التعليق لما بعد المقال الذى ننشره حتى بأخطائه اللغوية.. وهذا نصه: « كان المدير العام السابق ل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» والحائز على جائزة نوبل محمد البرادعى هو حديث المدينة منذ عامين فى القاهرة. وحيث تقاعد مؤخراً من «الوكالة الدولية» عاد البرادعى إلى مصر فى شباط / فبراير 2010 بعد أن كان يعيش فى الخارج لعدة عقود. وقد بدأ ينتقد نظام مبارك ملمحاً إلى أنه قد يرشح نفسه لمنصب الرئيس، ثم بين عشية وضحاها أصبح هو الأمل الليبرالى الكبير لمصر. ولكن عندما أعلن البرادعى فى الأسبوع الماضى عن إنهاء حملته الرئاسية كان التثاؤب الجماعى هو الرد على الأنباء. وكما قال أحد قادة «حزب ال?ور السلفى» عقب إعلان البرادعى بأنه لن يرشح نفسه لمنصب الرئيس، «هو لم يكسب ثقة أغلبية الشعب المصرى لأنه لم يكن له أى دور فى الثورة». وحيث اعتاد الإسراف على شرب الخمر فى دافوس أكثر من اهتمامه بحملته الانتخابية فى الدقهلية كانت عزلة البرادعى واضحة منذ لحظة عودته إلى مصر. وقد رحب به أكثر من 1000 من الناشطين الشباب عندما حطَّت طائرته فى «مطار القاهرة الدولى» فى شتاء 2010، لكنه بدلاً من أن يُترجم تلك الطاقة وذلك الحماس إلى عمل، انسحب البرادعى إلى فيلته المُسوَّرة فى إحدى ضواحى العاصمة لاستضافة أكاديميين وقادة من المعارضة لمناقشات صالونية. وحتى عندما لم يكن البرادعى بعيداً من الناحية الجسدية - حيث قضى ما يقرب من نصف عام خارج مصر - كان يبدو بعيداً من الناحية الروحية. وحيث استُقبل خارج مسجد الحسين التاريخى فى القاهرة فى آذار / مارس 2010 من قبل الحشود التى كانت تهتف «تحيا مصر»، انسحب البرادعى إلى سيارته. وفى نيسان / أبريل تحدث فى اجتماع حاشد فى المنصورة حيث أخبر مئات الناشطين الحاضرين أن يوقعوا عريضة من أجل التغيير بينما جلس بصورة غير ملائمة وراء طاولة كبيرة جداً. ثم عندما تم تنظيم احتجاج حاشد فى الإسكندرية فى حزيران/يونيو بعد أن ضربت الشرطة ال?صرية ناشطاً شاباً حتى الموت ظهر البرادعى لفترة قصيرة فقط ورحل مبكراً دون أن ينبس ببنت شفة. وقد بدأت شعبية البرادعى فى الهبوط وبشكل مفاجئ مثلما ارتفعت قبل ذلك. فعلى سبيل المثال بعد وقت قصير من عودته إلى مصر كانت هناك عريضة على الإنترنت تدعم خطة البرادعى ذات النقاط السبع حول التغيير فى مصر، والتى حصلت على ما يزيد على مليون توقيع. ومع ذلك، فبعد مرور عدة أشهر عندما تجاهلت غالبية أحزاب المعارضة دعوته لمقاطعة الانتخابات البرلمانية فى تشرين الثانى/نوفمبر 2010، فإن منظمة «الجمعية الوطنية للتغيير» التى تمثل مظلة له قد بدأت فى التفتت. وقد كان النشطاء الذين يعملون مع «الجمعية الوطنية للتغيير» منقسمين بشدة ?ول الاستراتيجية. وحيث شاع التناحر فيما بينهم امتنع الدبلوماسى الحائز على جائزة نوبل عن التدخل. وربما كان الأكثر غرابة أنه عندما اندفع المصريون إلى الشوارع فى 25 كانون الثاني/يناير 2011 الأمر الذى أدى إلى إطلاق الثورة التى أسقطت حسنى مبارك، كان البرادعى فى ذلك الحين فى فيينا. وفى مقابلة مع مجلة دير شبيجل فى ذلك اليوم قال البرادعى إنه لن يعود للانضمام إلى المظاهرات. وأضاف، «لا أريد أن أسلب من الناس الذين دعوا إلى مظاهرات انتصارهم.» وقد شرح ذلك بقوله «أنا أكثر نفعاً للحركة على المستوى الاستراتيجى (فى الخارج).» وقد غيَّر رأيه بعد يومين لكن الثورة كانت قد تجاوزته بالفعل. إن ضعف البرادعى كشخصية ثورية لا ينبغى أن يُدهش أحداً. فكما تبين لاحقاً فإن حفلات الكوكتيل فى أوروبا وخليج السلاحف [موقع غطس جميل فى شرم الشيخ] لم يقدما سوى القليل لإعداد المرء لسياسات ما بعد الثورة فى القاهرة. والشيء نفسه يُقال عن السنوات الست والعشرين التى قضاها البرادعى فى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» حيث عندما كان مديراً عاماً للمنظمة فى الفترة 1997 – 2010، تزامنت ولاية البرادعى مع فترة من التقدم الإيرانى الذى لم يسبق له مثيل باتجاه صنع قنبلة نووية، وبالتالى يفتقده الملالى. وفى الحقيقة عندما أصدر خلي?ة البرادعى يوكيا أمانو تقريراً فى عام 2010 والذى كان ناقداً على نحو غير معهود لطهران، أعرب وزير خارجية إيران عن أسفه فى الواقع على رحيل البرادعى. وقد تعاظمت مساوئ قيادة البرادعى فى فيينا تحت مجهر السياسات المصرية حيث بدا كما لو أنه إمَّعة. فعلى سبيل المثال قبل عودته المحتفى بها إلى البلاد التزم البرادعى بالعمل نحو إلغاء «المادة الثانية» من الدستور المصرى والتى تصرح بأن الشريعة هى «المصدر الرئيسى للتشريع.» لكنه حالما أدرك مدى نفور عموم المصريين من تعهده هذا غيَّر موقفه بل لجأ إلى الاستشهاد بالآيات القرآنية فى حواراته من على شاشات التليفزيون. ولم يكن ذلك تنازله الوحيد. فبعد وقت قصير من الإطاحة بمبارك وعندما أعلن منافسه الرئاسى حينئذ والأمين العام السا?ق للجامعة العربية عمرو موسى أن اتفاقيات كامب ديفيد قد «انتهت» أكد البرادعى أن مصر ربما تفكر فى خوض حرب مع إسرائيل لحماية الفلسطينيين فى غزة. ومع ذلك، ففى النهاية لم يكن هذا الغلو هو ما قوض ترشيح البرادعى بل كان ذلك عدم قدرته على القيادة. وتلخص تغريدة واحدة فقط من على موقع «تويتر» هذا الصيف، السخط الشائع بين أنصاره بسبب هذا العجز الفاضح. ففى 14 آب/أغسطس عبَّر البرادعى عن غضبه من «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» الحاكم وكتب على موقعه فى «تويتر» يقول «المحاكمات العسكرية تجرى للناشطين الشباب بينما يَمْثل مبارك وجماعته أمام محاكم مدنية وتلك مهزلة قانونية. لا تُجهضوا الثورة.» وقد ردت الناشطة المعروفة داليا زيادة على الفور تقريباً عبر «تويتر» قائلة «أرج?ك توقّف عن توضيح البديهيات. قل لنا شيئاً جديداً. افعل شيئاً لكى تلهمنا كقائد!». لكن للأسف كلمة «تلهمنا» ليست فِعلا يرتبط عموماً بالبرادعي. وحتى لو لم يكن بهذا الخجل فإن فرص فوزه فى الانتخابات الرئاسية لم تكن أبداً جيدة على نحو خاص. فبالنسبة للمبتدئين يتطلب قانون الانتخابات الرئاسية المصرية المقترح مؤخراً قيام المرشحين المستقلين بجمع ما لا يقل عن 30000 توكيل من خمس عشرة محافظة أو ضمان دعم ثلاثين عضواً فى البرلمان. وعلى الأرجح لم يكن بوسع البرادعى الإيفاء بأى من هذين المعيارين. وعلاوة على ذلك - بل الأهم من ذلك - أنه بناء على التسونامى الإسلامى فى الانتخابات التشريعية فإن الرؤية الوسطية ?لسياسة الليبرالية للبرادعى لها جمهور ناخبين محدود للغاية فى مصر. وفى النهاية فقد حصل الإسلاميون المتشددون على حوالى 70 فى المائة من الأصوات. ولكن ينبغى لواشنطن ألا تذرف دمعاً على رحيل البرادعي. ففى حين أن البرادعى ذا الشنب ربما كان مفضلاً على الإسلاميين الملتحين الذين يدعون إلى تغطية وجوه التماثيل المصرية القديمة بالشمع تحقيقاً للتصور الإسلامى ضد عبادة الأصنام إلا أنه لم يكن دواء لكل داء. ورغم التزامه غير القابل للنقاش بالديمقراطية إلا أن البرادعى ما كان ليصبح رئيساً قوياً أو صديقاً يمكن لواشنطن الوثوق به. وعلى أية حال فبالنظر إلى أن المجلس التشريعى الإسلامى القادم سيسعى إلى تغيير الدولة من نظام رئاسى إلى آخر برلمانى فربما تصبح الرئاسة قريباً أ?راً غير ذى أهمية. ولو حدث ذلك فربما يجد نفسه البرادعي، وهو رجل الدولة المخضرم، فى وضع أفضل - وأكثر تأهلاً - للمكانة الأعلى.» انتهى. (2) المقال كتبه «ديفيد شينكر» وهو مدير برنامج السياسات العربية فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وزميله إريك تراجر، والمعهد المذكور هو مؤسسة بحث أمريكى تأسست فى 1985 من قبل لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارا باسم «إيباك» ويقع مقره فى واشنطن العاصمة، بحسب تعريفه على موقعه الإلكترونى اُسس لترقية فهم متوازن وواقعى للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من أجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام فى صنع السياسة الأمريكية فى هذه المنطقة الحيوية من العالم. وينقل مو?ع تقرير واشنطن أن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وأن «إيباك» كانت المؤسسة الأم للمعهد، حيث إن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق بالإيباك وأحد السفراء المخضرمين لأمريكا فى إسرائيل، كل التعريفات والإشارات السابقة تذكّرنا باليهود الذين انتظروا من عيسى سلام الله عليه أن يعلن قيام مملكة اليهود ويكون مسيحهم المخلّص فلما خذلهم ولم يحقق رجاءهم سعوا فى صلبه انتقاما منه.