تجرى وزارة الصحة تحقيقات موسعة فى فضيحة حملات التطعيم المجهولة التى أثارت الرعب فى الشارع المصرى خلال الأسبوع الماضى، خاصة بعد أن أكدت معلومات خطيرة أن الأمصال التى تم حقن الأطفال بها فى عدد من المحافظات تم تسريبها من شركات أمصال ولقاحات تعمل بدون الحصول على ترخيص وزارة الصحة، وهو ما يثير الشبهات حول مؤامرة لتدمير صحة أطفال مصر. «أكتوبر» التقت قيادات وزارة الصحة وعددا من خبراء الأمن والاجتماع لاستطلاع آرأئهم فى هذه القضية التى شغلت حيزاً كبيراً من اهتمام البيت المصرى.استيقظ سكان حى الضواحى بمحافظة بورسعيد الأسبوع الماضى على تحذيرات تطلقها الاحزاب والجمعيات الاهلية فى المنطقة حول تواجد بعض الأفراد داخل المحافظة يزعمون أنهم تابعون لوزارة الصحة ويقومون بتطعيم الاطفال بعقاقير مجهولة، الأمر الذى أصاب المواطنين بالذعر خاصة بعد نداءاتهم المتكررة للمحافظة بضرورة تأكيد الواقعة أو نفيها إلا أن المحافظة لم تصدر بيانا رسميا فى هذا الشأن واكتفت مديرية الصحة بإرسال تحذيرات للمواطنين بعد 4 أيام من الواقعة دون أن تبلغ الجهات الأمنية بالواقعة للبحث عن الجناة. وبينما تناثرت أخبار عن حالات وفاة بين الأطفال فى منطقة الضواحى بسبب هذه التطعيمات، قال د. حلمى على وكيل الصحة بالمحافظة ل «أكتوبر» إن إدارة الطب الوقائى بمديرية الشئون الصحية حذرت أهالى بورسعيد بعد هذه الأنباء من قيام بعض الجهات باستغلال اسم الوزارة أو المديرية بتنظيم حملات لتطعيم الأطفال بالمنازل وذلك بالتزامن مع هذه الشائعات التى انتشرت حول وفيات بين الأطفال حديثى السن نتيجة تطعيمات منتهية الصلاحية أو نتيجة إعطاء جرعات زائدة أدت الى حدوث تسمم. من جهته قال د. هشام الشناوى وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية: إنه أرسل تحذيراً سريعاً إلى الأسر فى الإسماعيلية من التعامل مع أى مواطن يرتدى زى الصحة ويزعم أنه تابع للطب الوقائى ويقوم بتطعيم الأطفال، مؤكدا أن أنباء تواترت عن اقتحام مجهولين للمنازل بحجة تطعيم الأطفال، رغم أن المديرية لا تقوم بأى تطعيمات حاليا، ومن يدعى أنه من موظفى الصحة يجب الإبلاغ عنه فورا، حتى يتم كشف اللغز ومعرفة من وراءة. من جانبه قال د. عمرو قنديل مدير الإدارة المركزية للطب الوقائى إن وزارة الصحة والسكان لم تقم هذا العام بحملات لتطعيم الأطفال، مشيرا إلى أن القيام بحملات تطعيم لا يتم إلا بالإعلان عن ذلك مسبقا، وبمواصفات معينة، وما أشيع عن حملات تطعيم ببعض المحافظات مثل بورسعيد والاسماعيلية فهو غير تابع لوزارة الصحة على الاطلاق، نافيا معرفته بتبعية هذه الحملات لوزارته، قائلا:«ما تردد فى الآونة الأخيرة عن وجود تطعيمات ضارة بالأطفال فى بعض المحافظات، وأن هذه التطعيمات يتم إعطاؤها للأطفال داخل المنازل بمعرفة مجهولين لا علاقة للوزارة بها». وأكد أن الحملات التى يتم تنفيذها من منزل إلى منزل بالمحافظات يتم الإعلان عنها أيضا، وأن الفرق التى تقوم بتنفيذ أى من هذه الحملات ترتدى زيا خاصا، وتحمل بطاقات التعريف الخاصة بوزارة الصحة والسكان ومديريات الشئون الصحية وجميع التطعيمات التى تقوم بها الوزارة حاليا تكون داخل الوحدات التابعة لها مكاتب الصحة والمراكز الطبية والوحدات الصحية، وهى طعوم مسجلة بوزارة الصحة والسكان ومعتمدة من منظمة الصحة العالمية وتم إجراء الاختبارات اللازمة بهيئة الرقابة على المستحضرات الحيوية واللقاحات بمصر. وتابع: الوزارة منعت حملات التطعيم بالمنازل بعد الثورة نتيجة للانفلات الامنى الذى تشهده البلاد وتجنبا لحدوث اى ملابسات والحملة الوحيدة التى أطلقتها الوزارة خلال السنة الماضية كانت فى اكتوبر 2011 للتطعيم ضد شلل الأطفال. وعلى الرغم من تأكيدات قنديل أن هذه الحملات غير تابعة للصحة إلا أن مصادر قريبة الصلة من المكتب الفنى لوزير الصحة د. فؤاد النواوى أكدت أن الوزارة فتحت تحقيقا موسعا فى الوزارة حول حقيقة هذه الحملات وذلك بعد معلومات غير معلنة تواردت للوزارة عن تسريب بعض الامصال من شركة المصل واللقاح . وكشف د. عادل طلبة مدير الشركة القابضة للمصل واللقاح عن وجود تسريب للأمصال واللقاحات من خلال بعض الموزعين التابعين للشركات التى تستورد هذه الامصال والتى قد تكون غير حاصلة على تراخيص وزارة الصحة، لافتا إلى أن جميع الأمصال التى تدخل البلاد تكون قد مرت بفترات طويلة من الاختبار والتجارب للتأكد من الفاعلية والأمان والصلاحية قبل دخولها او استخدامها للمرضى. وأوضح طلبة أن الشركة هى المسئولة عن انتاج الامصال واللقاحات فى مصر والشرق الأوسط ولكن يوجد بعض الشركات الدولية تقوم باستيراد بعض الامصال من الدول الأوروبية، مشيرا الى أن أغلبية التطعيمات تكون عن طريق حملات وزارة الصحة الإجبارية كالتطعيم ضد شلل الاطفال والحصبة والحصبة الالمانية، أما الحملات الاختيارية فتكون من خلال توجه المواطن لفروع الشركة مؤكدا عدم ذهاب أى مندوب من الشركة للمنازل للتطعيم. حرب نفسية وبرؤية أمنية قال اللواء حمدى بخيت الخبير العسكرى إن عدم الاستقرار فى الشارع المصرى هو ما يؤدى بدوره الى تزايد أعداد العناصر المجهولة التى تسعى إلى تخريب مؤسسات الدولة وإصابة المجتمع المصرى بشلل معنوى ومادى، موضحا أن جهات خارجية تشن حربا نفسية الآن على القوات المسلحة وأخرى على الشعب المصرى لإجهاض الثورة والقضاء على مكتسباتها. وأضاف بخيت أن الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى يساعد على زيادة ظواهر عديدة منها العناصر المجهولة التى تختطف الأطفال أو تقوم بتطعيمهم أو الهجوم على المنازل ليس بهدف السرقة أو الحصول على فدية ولكن من أجل إرهاب الشارع المصرى والسخط على إدارة المجلس العسكرى للبلاد مما يعود بالسلب على القوات المسلحة ومؤسسات الدولة سواء الأمنية أو الخدمية والتى تسعى الآن بكامل طاقتها لكشف هذا المخطط والقبض على عناصره. وأشار بخيت إلى أنه من الملاحظ أنه كلما تقدمت مصر خطوة للأمام فى مجال ترسيخ الديمقراطية حدثت أزمات تهز مؤسسات الدولة، وحدث هذا بالتزامن مع إجراء الانتخابات التشريعية ثم بالتزامن مع انعقاد أول جلسة للبرلمان، وإجراء انتخابات مجلس الشورى الأمر الذى يشير إلى وجود جهات تسعى إلى إشعال حرب أهلية فى المجتمع المصرى عن طريق مخططات منها ماهو كميائى مثلما حدث مع تطعيم الأطفال بعقاقير مجهولة المصدر. مشيرا إلى أن بعض الدول الخارجية ترفع شعار «لماذا أدفع أموالا فيما يمكن أن أحصل عليه بلا مقابل» وهو ما يجعلها تستغل عناصر داخلية لها نفس مخططات هذه الدول الأجنبية من أجل تخريب مصر. من جانبه يرى اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمنى أن المبدأ العام حول تناول هذه المعلومات الخاصة بالأمن الصحى للمواطن يفترض فيه حسن النية لأنه من الممكن أن تقوم بعض الجمعيات الخيرية بإجراء بعض النشاطات داخل المجتمع منها تطعيم الاطفال ببعض الأمصال لوقايتهم من أمراض موسمية مثل الأنفلونزا، وتكون هذه الجمعيات غير حاصلة على تصريح من وزارة الصحة وبالتالى تصير شائعات بأنها تطعميات سامة ويثبت فى النهاية العكس. وتابع: «لكن ما يثير الشك هو أن حملة التطعيمات المزعومة جاءت بعد أحداث بورسيعد مباشرة وتمت فى نفس المدينة ومحافظة مجاورة هى الإسماعيلية وهو ما يشير إلى وجود مؤامرة لتخويف الشعب وترسيخ عزلة المواطن عن مؤسسات الدولة، وهذا ما حدث فى 2 فبراير 2011 حينما أراد نظام مبارك أن يبث الرعب فى قلوب المصريين وتخويفهم إذا خرجوا من منازلهم وصارت إشاعات كبيرة أن هناك طعاما فاسدا قد انتشر فى الأسواق وأن كثيرا من الأطفال فى المنصورة والقاهرة والإسكندرية قد تناولوه الأمر الذى دعا بعض المواطنين إلى الانشغال مؤقتاً بهذه الحوادث عن القضية الأساسية وهى إسقاط نظام مبارك. وأشار عبد الحميد إلى ما يعرف فى المنظومة الأمنية بجرائم ما بعد الثورات والتى ترتكز غالبيتها على الاغتيالات السياسية وبث الذعر ونشوب حروب نفسية ضد المواطنين وما يحدث من حملات مجهولة لتطعيم الأطفال هى ضمن مؤمرات لبث الذعر فى نفوس المواطنين وأن البلاد ذاهبة الى هلاك حتمى فى ظل قيادة القوات المسلحة الأمر الذى ينقل الأزمة بين المواطنين والعناصر المأجورة والممولة من دول أجنبية الى افتعال أزمة بين المصرى وجيشه وهذا ما تريده إسرائيل التى تعبث حاليا بكل جيوش الدول العربية ولم يتبق سوى الجيش المصرى أمامها الذى هو أقوى الجيوش العربية تماسكا وتسعى إلى ضرب الانقسام بداخله وإشعال الكراهية بين أفراده والمواطنين العاديين. وأشار إلى أن الحل للخروج من هذه الأزمة هو زيادة التوعية الصحية للمواطنين وترسيخ فكرة الأمن الذاتى دون انتظار مؤسسة الشرطة التى عليها دور مهم فى تكثيف حملات رقابة فى الشارع والكشف عن هوية أى حملة تزعم أنها صحية بالاطلاع على تصريح عملها فى هذه المنطقة أو تلك ومرافقتها لحين الانتهاء من أعمالها. مخططات لإحباط الثورة من جانبه،ا أكدت د. سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع السياسى أن الانفلات الأمنى هو من تسبب فى ازدياد هذه الظاهرة التى تعد جريمة فى حد ذاتها لان الشائعات فى الغالب يكون لها أصل فى الحقيقة، موضحة أن هذه الظاهرة كانت قائمة قبل الثورة ولكن ليس بهذا الشكل المتعمد منه إضعاف هيبة الشرطة. وتابعت: هذه الجرائم تنم عن عدم وعى المجتمع الى حد كبير واستسلامه الى الشائعات خاصة انه بعد الثورة زادت معدلات الجريمة وظهرت أشكال مستحدثة نتيجة هروب عدد كبير من المسجلين والمنحرفين من السجون للشارع، مؤكدة أن الوضع الامنى يحتاج الى معالجة مدروسة خاصة أن الانفلات الأمنى والأخلاقى أدى إلى اظهار الصفات السلبية الكامنة داخل الإنسان نتيجة التعرض للضغوط والخوف الشديد والمستمر. وأكدت فايد أن الثورة أثرت سلبيا على أصحاب المصالح الذين تعايشوا مع الفساد، وتحول الدولة الى الديمقراطية يغلق مصالحهم داخل البلاد مما يؤدى الى محاولاتهم لإجهاض الثورة، بالاضافة الى الاجندات الخارجية ورغبة بعض الدول الأوروبية الكبرى فى تقسيم الدول العربية فيعملون على إحباط الثورة حتى لا تحقق أهدافها وتسقط الدولة، فمصر مهددة ومستهدفة سياسيا واستراتيجيا من الداخل والخارج.