«بطل من ورق».. ربما لا يصدق هذا الوصف على أحد في مصر الآن، كما يصدق على الإعلامي ورئيس قطاع الأخبار السابق بالتليفزيون المصرى، عبد اللطيف المناوي، والذي حفر لنفسه مكانا فى تاريخ الإعلام المصرى وغيره بإدارته غير المسبوقة للتليفزيون الرسمى خلال أحداث الثورة.. وكانت هذه الإدارة هى الإعلان الرسمى والواضح على تبعية الإعلام الحكومى للنظام السابق، ومجرد أداة من أدواته التى لعبت دورا سيحكم عليه التاريخ ويسمه بما يستحقه! في كتابه الجديد «الأيام الأخيرة لنظام مبارك (18 يوم)»؛ الصادر منذ أيام عن «الدار المصرية اللبنانية»، للإعلامى عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار السابق بالتليفزيون المصرى، وأحد شهود العيان المقربين من الأحداث الساخنة التى شهدتها مصر خلال ال18 يوما الأولى من الثورة، والتي انتهت بتنحى الرئيس السابق مبارك عن الحكم، يحاول المناوى وبغرابة شديدة أن يبرئ ساحته وساحة الإعلام المصرى من الأداء المشين الذى شاهدته وشهدت عليه كل الدنيا، وأن يضفى هالات من البطولة والأهمية الفائقة لما اعتقدَ أنه الطريق الأمثل لإدارة الأزمة، كما يحب أن يطلق عليها طوال الكتاب لا «الثورة»، واعتمد فى ذلك على تضخيم وتهويل دوره لدرجة مثيرة للضحك والاستغراب، وإن حاول أن يزج بأسماء بعض الشخصيات التى كانت قريبة من رموز الإدارة السياسية الفاشلة والساقطة خلال الأيام الأولى من الثورة، للإيحاء بأنه كان شديد الصلة والقرب من مواقع صنع القرار، بل والتدخل فيه أيضا!! وكان المناوي، قبل أشهر، وبعد تركه منصب رئيس قطاع الأخبار، تحت ضغط العاملين بجهاز التليفزيون، قد نشر كتابه «قبل 25 يناير بقليل»، عن الدار المصرية اللبنانية أيضا، جمع فيه مقالاته المنشورة بالصحف المصرية، والتى اعتبرها تكشف عن رؤيته للمقدمات التى أدت إلى اندلاع الثورة، وأنها بمثابة جزء أول لكتابه الجديد، وتوطئة له. يقع الكتاب في 460 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت طبعته العربية بالتزامن مع الطبعة الإنجليزية فىلندن، فى يوم 25 يناير الماضي؛ بعد مرور عام كامل على اندلاع الثورة المصرية، وهو الكتاب الذى كثر الجدل حوله، وبشأنه، بعد نشر عدة فقرات منه فى الصحف الأجنبية والعربية والمصرية، وواكب صدوره حملة ضخمة من التكهنات والاستنتاجات حول محتواه وما يمكن أن يكشف عنه من وقائع وأحداث خلال تلك الأيام الاستثنائية من تاريخ مصر، خصوصا أن مؤلفه، وبحكم موقعه كرئيس سابق لقطاع الأخبار في التليفزيون المصرى، وأحد الذين وجهت لهم أصابع الاتهام بسبب الدور المخزي والشائن للإعلام الرسمى خلال أيام الثورة، بل وزاد البعض فى ضلوعه بالتآمر مع رموز النظام السابق فى تضليل الشعب المصرى، ومحاولة الإبقاء والحفاظ على النظام من الانهيار والسقوط المريع. كان المناوى أحد المراقبين لكواليس الأحداث والشخصيات التي كانت تدير المشهد السياسى خلال أيام الثورة، مثل جمال مبارك وسوزان مبارك وأنس الفقى، وغيرهم من رموز النظام الساقط، واطلع على كثير من الأحداث والأسرار المتعلقة بتلك الفترة، وما جرى خلال الساعات الأخيرة قبل مغادرة مبارك وزوجته القصر الرئاسى بمصر الجديدة، متجهة إلى شرم الشيخ، وهو ما يكشف عنه فى كتابه الجديد، ويقدمه، حسب قوله وادعائه، على وجهه الصحيح، برؤية موضوعية لا تنحاز إلا للحقيقة والتاريخ!! وبعد الإعلان عن صدوره، انتظر الكثيرون، من باب التلهف والفضول وأيضا الإثارة، أن يكشف الكتاب عن الكثير من الأسرار والكواليس التى أحاطت بعملية صنع القرار أيام ثورة يناير المجيدة، ودور كل الأطراف الفاعلة فى الحدث على المستوى الرسمي، فى التليفزيون المصرى، الفضائيات، قصر الرئاسة، وبعض الصحف الخاصة (وهذه إحدى مفارقات الكتاب الغريبة) فى محاولة للسيطرة على الثورة - يسميها المناوى وبطول الكتاب «الأزمة»!!- ويشير المناوى إلى أن حتى خطاب مبارك ليلة موقعة الجمل أعد نقاطه الرئيسية صحفى ومذيع فى قناة خاصة «أحمد المسلماني»، وهو ما أثار عاصفة من الجدل وردود الأفعال المتفاوتة قبولا ورفضا، تفنيدا أو توضيحا.. إلخ. كما أوضح المناوى في كتابه أن هناك أدوارا كبرى لبعض رجال الأعمال، وبعض الكتاب، ممن كان يظنهم، حسب وصفه، من المعارضين الأشداء لحسني مبارك ونظامه، لكنهم كانوا بمعارضتهم له، يبحثون له عن مخرج، ضياء رشوان مثلا، وكل اسم مشارك من هؤلاء، سيجد القارئ تفاصيل مشاركته ودوره، كما يزعم المناوي وينسب إليهم تلك الأمور. يدعي الكتاب أنه «كنز من الأسرار، يروى الوقائع الحقيقية، التي ظل الإعلام المصرى والعربى والدولى يلف ويدور حولها، دون أن يكون لديه دليل عليها، وبعضها تحوّل إلى شائعات»، كما يقول المناوى، ويدافع عن نفسه ودوره دفاعا مستميتا، حتى لتظن أنه هو المفجر الحقيقى للثورة، وأنه كان المضحى الأول والفدائى الأول وصاحب الدور الوطنى الذي لا يضاهيه دور، وربما كان هو السبب في إقناع مبارك بالتنحى ودفعه لاتخاذ هذا القرار المصيرى، كما سيشير إلى ذلك فعلا!! يقول المناوى عن كتابه «هذا الكتاب يحتوى على العديد من الأسرار التى يمكن القول عنها إنها تنشر لأول مرة، بل يمكن القول إن مستوى الدقة فى هذه المعلومات عالي المستوى، مما يمكن الاعتماد عليه، أو الرجوع إليه فىأية مرحلة لتأريخ ما حدث فى مصر في هذه الفترة». يستهل المناوى كتابه بتمهيد عن الأسباب والعوامل التى دفعته لتأليفه ونشره الآن، ثم يلحق التمهيد بمقدمة عنوانها «الطريق إلى 25 يناير»، ثم تتتابع فصول الكتاب الاثنا عشر، مع يوم 25 يناير ، وما حدث قبل 25 يناير، من اجتماعات على أعلى مستوى، وكيف هوّن الذين يديرون الأزمة من طبيعة المظاهرات وطبيعة المتظاهرين؛ ليستمر الكتاب فى سرد وقائع وتفاصيل هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر، وطبقا لروايته وطرحه، وتساءل عما إذا كان ثمة قوى أجنبية تعمل في التحرير أم لا؟ وهو ما أجاب عنه بالإيجاب وبكل وضوح وزاد على ذلك أن كل ما حدث كان مخططا ومدبرا من جهات أجنبية (ربما إسرائيل أو إيران أو حزب الله أو حماس.. وربما كلهم!!) وجهات داخلية (الإخوان المسلمون بكل تأكيد!)، ثم مضى يتحدث عن مخططات اقتحام مبنى التليفزيون، وكيف تم التعامل معها، وما الحلول البديلة فى حال سقوط البث الرسمى. ولماذا تم قطع الانترنت والاتصالات؟ وما قصة اختيار عمر سليمان نائباً للرئيس، وقصة أول حوار معه، وكيف تم التعامل مع موقعة الجمل، وكذلك ما قام به عبد اللطيف المناوى، مؤلف الكتاب، من دور جليل فى الضغط على النظام لإقناع مبارك بالتنحى!! ولماذا تأخر فى قراره؟ وأخيرا كيف سقط النظام؟! كذلك يروى الكتاب، حسب مؤلفه، القصة الحقيقية لتأخر إذاعة بيان التنحى – يوم الجمعة 11 فبراير 2011 - وكان اللواء اسماعيل عتمان، رئيس الشئون المعنوية بالقوات المسلحة منتظراً إشارة البث في مكتب المناوي، الذي يروي الواقعة كما يقول «فبعد أن صعدت سوزان مبارك الطائرة في طريقها لشرم الشيخ، نزلت مسرعة، وكما تبين بعد ذلك؛ فإن سوزان مبارك رفضت مغادرة الفيللا لأكثر من ثلاث ساعات، فقد انهارت من أثر الحزن الشديد على فقدانها للحياة التى اعتادت عليها، حيث انهار العالم من حولها وهو ما فاق قدرتها على التحمل، إذ تم العثور عليها منهارة على الأرض تبكي وتعجز عن السيطرة على نفسها أو الوقوف على قدميها، ولكن الجنود اخترقوا البروتوكول، وعثروا عليها في الفيللا، وهى على الأرض محاطة بكل حُلَّيها وذكرياتها..» ويواصل المناوي سرد الوقائع، التي لا نعلم على وجه اليقين والتحقق مصدره فيها، فى آخر لحظات لسوزان في الفيللا «حيث هَمَّ الحراس لمساعدتها على الوقوف واتكأت على كتف ضابط شاب، حيث حملوها داخل المنزل، وقد بللت دموعها أكتافهم وهي تلتقط مقتنياتها القريبة إلى قلبها، وفي حزنها الشديد ظلت تردد مراراً وتكراراً دون توقف: «كان لديهم سبب». والرواية بكاملها موجودة بنصها فى الفصل الأخير من الكتاب الذى يرصد تلك اللحظات فى رحلة هذه العائلة مع الحكم والسياسة فى مصر. ويروى المناوى وقائع اللحظات الأخيرة التى سبقت إذاعة بيان التنحى، حيث يقول إنه جرى حواران مهمان، الطرف الأول فيهما الرئيس المتنحى حسنى مبارك، مع عمر سليمان والمشير محمد حسين طنطاوى؛ الحوار الأول ومبارك يركب الطائرة إلى شرم الشيخ: • سأل عمر سليمان الرئيس: «هل أنت بحاجة إلى أى ضمانات» •« لا» .. أجاب مبارك • سأل عمر سليمان: «هل أنت بحاجة للذهاب إلى الخارج.. إلى أى مكان؟» • فأجاب الرئيس بنفس الكلمة : «لا». وأضاف قائلاً: «لم أرتكب أى خطأ.. أنا أريد أن أعيش فى هذا البلد، وسوف أعيش في هذا البلد حتى نهاية حياتى.. لقد تركت كل شيء: السياسة والسلطة.. كل شىء.. أريد فقط أن أعيش هنا». • فقال سليمان: «لديك بعض الوقت للتفكير فى الأمر إذا كنت تريد أن نفعل أى شئ آخر – بعض الوقت – أيام». أما الحوار الثانى فكان مع القائد العام للقوات المسلحة آنذاك المشير محمد حسين طنطاوى، فور وصول مبارك إلى مقر إقامته فى شرم الشيخ في الواحدة والنصف ظهر يوم التنحى، حيث اتصل مبارك بالمشير طنطاوى، وكانت مكالمة قصيرة قال خلالها: «حسين قررت أن أفوض المسئولية كاملة لك وللجيش.. أنت صاحب السلطة الآن».