كعادته .. يواصل الكيان الصهيونى المسمى بإسرائيل محاولاته للإضرار بالمصالح المصرية فى المنطقة، فإنه بعد حديث متواصل حول مساع صهيونية لحفر قناة بديلة لقناة السويس عاد الحديث من جديد بقوة لكن هذه المرة بخصوص مشروع مد خط للسكة الحديد بين مدينتى تل أبيب على البحر المتوسط وإيلات على البحر الأحمر، والذى صادقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا على البدء فى تنفيذه ليكون بمثابة بديل برى لقناة السويس يستخدم للشحن ولنقل الركاب بين البحرين الأحمر والمتوسط. وهنا تثار العديد من التساؤلات التى مفادها: هل حقا يمكن أن يسحب هذا المشروع البساط من تحت أقدام قناة السويس؟ وماذا عن التدابير التى يمكن ان تحفظ الريادة للمجرى الملاحى المصري؟ وكيف تحافظ قناة السويس على ميزاتها التنافسية فى مواجهة هذه المحاولات الإسرائيلية؟ .... بداية، يمتد هذا المشروع الجهنمى «سكة حديد إيلات» أو «ميد ريد»، وفقا للبيان الصادر عن حكومة إسرائيل، لمسافة 350 كيلومترا، وينتظر أن تستمر أعمال تنفيذه قرابة 5 سنوات، ليكون بمثابة همزة الوصل بين الدول الآسيوية الكبرى والجانب الأوروبى، فضلا عن دوره فى شحن الغاز الإسرائيلى بعد نضج المشروع فى ضوء اكتشاف كميات ضخمة من غاز البحر المتوسط قبالة سواحل إسرائيل بكلفة رخيصة. الجانب الصينى وأورد البيان أنه تم بحث تنفيذ هذا المشروع من الجانب الصينى الذى أبدى كامل استعداده للبدء بأقصى سرعة فى أعمال التمويل والتنفيذ، لأن القدرة المهنية للشركات الصينية فى بناء سكك الحديد وشبكات النقل هى إحدى أفضل شركات فى العالم، لافتا إلى أن الحكومة الإسرائيلية ممثلة فى وزير النقل ابلغت مسئولى السفارة المصرية فى تل أبيب أن هذا المشروع لا يستهدف أبدا التأثير السلبى على إيرادات قناة السويس. لكن كلمات رئيس حكومة الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو جاءت أكثر وضوحا وصراحة عندما أكد أن هذا المشروع يأتى ليكون بديلا عن قناة السويس بالنسبة إلى حركة النقل بين الشمال والجنوب، كونه يختصر المسافة بين منتجع إيلات الساحلى على البحر الاحمر وتل أبيب على البحر المتوسط إلى أقل من ساعتين. وأشار نتنياهو فى كلمة له خلال الاجتماع الأسبوعى لحكومة الاحتلال أن هذا المشروع سيغير فى ساعتين وجه البلاد، لكونه سيقدم لإسرائيل فرصا هائلة، لذلك فإن التحرك سيكون فوريا لجمع الأموال اللازمة للبدء فى تنفيذ هذا المشروع، مؤكدا أنه يجرى البحث الآن فى ثلاثة خيارات للتمويل، هى الاتفاق مع دول أخرى لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية، أو جمع أموال خاصة أو التمويل من دولة إسرائيل من دون تحديد كلفة المشروع. ومن جانبها، ذكرت وكالة رويترز نقلا عن مسئول إسرائيلى أن إصرار حكومة الكيان الصهيونى على السعى قدما لتنفيذ هذا المشروع ليكون ضمانا واقيا فى حالة عجز قناة السويس عن النهوض بعبء تزايد حركة التجارة البحرية، خاصة أنها استحوذت بمفردها فى عام 2011 على 8% من حركة التجارة المنقولة بحرا، وأنه سيكون هناك كثير من الضغط على قناة السويس، والفكرة هنا هى إيجاد ضمان فى حالة عجز القناة عن النهوض بحجم حركة النقل، وبالتالى لن يقتطع المشروع من عائدات القناة. فيما وصف شفتاى تسور، رئيس مجلس إدارة شركة ميناء «إيلات» هذا المشروع بأنه تحقيق لحلم صهيونى قديم، وأنه سيحول ميناء إيلات إلى الميناء البحرى الأهم فى المنطقة، مؤكدا أن خط القطار الجديد سيجعل ميناء إيلات بديلا لقناة السويس من خلال إنشاء جسر برى لنقل البضائع التجارية من آسيا لأوروبا والشرق الأوسط. وقال تسور نقلا عن موقع «بورت تو بورت» الاقتصادى الإسرائيلى إلى أن الصين ستتعاون مع الحكومة الإسرائيلية فى تنفيذ المشروع بالتمويل والإنشاء بتكلفة 10 مليارات دولار، وذلك لمد الخط من إيلات جنوبًا إلى كريات شمونة شمالاً بطول 180 كيلومترًا، وسيكون خطًا مزدوجًا يتخلله 63 كوبرى، وخمسة أنفاق. وأضاف أنه بعد التهديدات الإيرانية الأخيرة بغلق مضيق هرمز أمام حركة السفن الدولية، فمن يضمن ألا تقوم مصر بتنفيذ مثل هذه التهديدات مستقبلا بغلق مضيق تيران أو منع السفن الإسرائيلية من المرور فى قناة السويس، لذا فإن خط القطار من إيلات إلى تل أبيب سيمنح الاقتصاد الإسرائيلى مزيدا من الاستقلالية فى كل ما يتعلق بحرية نقل البضائع التجارية الدولية. «حلقة جديدة من حلقات التخبط الإسرائيلى».. هكذا جاء وصف د. مصطفى الرشيد خبير اقتصاديات النقل لمشروع «ميد رد»، مرجعا هذا التخبط إلى خوف الكيان الصهيونى من المستقبل، ودليل ذلك أن هذا المشروع ليس الأول بل سبقه محاولات عديدة لنقل الحاويات، منها مشروع البحرين، وهو القناة التى تصل البحر الميت بالبحر الأحمر، إلا ان المشروع رفض لعدم جدواه الاقتصادية. وأشار إلى أن المشروع الحالى هو محاولة جديدة لربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر سكة حديد لنقل الحاويات، وبالتالى فإنه لا يمثل تهديدا لقناة السويس لأن إجمالى ما يمر من حاويات فى القناة يمثل نحو 30% فقط من إجمالى حجم التجارة العابرة، وبالتالى فإن حصول هذا المشروع على نسبة من هذه الحاويات لن يترتب عليه مخاطر اقتصادية لمصر، مطالبا مصر بإجراء تطوير شامل لأداء قناة السويس لغلق الباب أمام مثل هذه المحاولات وذلك بزيادة عمق الممر الملاحى لاستقبال سفن بأحجام أكبر. مقومات المنافسة عائدات القناة لن تتأثر سلبا بمشروع «سكة حديد تل أبيب» هكذا أكد عبدالتواب حجاج المستشار الاقتصادى لهيئة قناة السويس، لأن هذا الخط لا يمتلك مقومات المنافسة مع قناة السويس، مشيرا إلى أن تكلفة النقل عبر السكة الحديد تزيد بمقدار 3.4 ضعف النقل البحرى، فضلا عن أن الطاقة الاستيعابية للنقل البحرى تفوق خط السكة الحديد بنسبة كبيرة. فالقطار الواحد الذى يتكون من 25 عربة، وفقا للدراسة التى أجراها حجاج، لن يستطيع حمل أكثر من 75 حاوية، فى حين أن السفينة تستطيع نقل 10 آلاف حاوية، مما يعنى أن نقل هذه الكمية سيحتاج من إسرائيل لتسيير نحو 100 قطار فى اليوم، بشرط أن يحمل القطار 100 حاوية، وبالتالى فإنه واقعيا لن يتمكن هذا المشروع من منافسة قناة السويس، التى يمر بها 32 مليون حاوية سنويا. إلا أنه من الممكن، كما أفادت الدراسة، أن ينجح هذا المشروع فى اقتناص نحو 150 ألف حاوية فقط سنويا من الحاويات، فى حالة إذا ما قام القطار بعمل مشوار ذهاب وعودة يوميا، مؤكدة أن التأثير الذى يمكن أن تمارسه إسرائيل على اقتصاديات القناة هو أن تتحول إلى مركز لوجستى عالمى يجتذب الشركات العالمية لعمل مراكز تجميع وتوزيع وخدمات القيمة المضافة، وهذا ما سبقت وفعلته مصر بإصدار الحكومة قرارها القاضى بإنشاء هيئة لتنمية سيناء، لتتولى القيام بهذا الدور اللوجستى للاستفادة من البنية الأساسية المتوافرة فى موانى بورسعيد والسخنة ومطار بورسعيد وموانى دمياط. محاولة للتأثير أما الفريق أحمد على فاضل رئيس هيئة قناة السويس فقد نفى إمكانية أن ينتج عن تنفيذ المشروع الإسرائيلى أى تأثير على حركة المرور بالقناة، مؤكدا أن انه لا يمكن لأى خط سكك حديد أن ينافس قناة السويس لما تتميز به من قدرة عالية فى نقل البضائع، خاصة فيما يتعلق بسفن الحاويات. وأوضح أنه لا مجال أبدا للتخوف من تبعات مثل هذه المحاولات الإسرائيلية لأن قناة السويس قادرة على منافسة الخطوط الحديدية للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، كونها الأقل تكلفة والأكبر طاقة والأعلى كفاءة، مشيرا إلى أن إسرئيل سبقت أن طرحت أكثر من مرة هذا المشروع وغيره من المشروعات البديلة فى محاولة للتأثير على اقتصاديات القناة.