فى هذه الخاطرة سنواصل استعراض أخطر استجواب عرفته قبة مجلس الشعب فى تاريخنا البرلمانى بعد ثورة 23 يوليو 1952.. والذى فضح فيه النائب القدير علوى حافظ بعض صور الفساد فى النظام السابق! وأشهد أن كل الحقائق والاتهامات التى ذكرها النائب الشجاع فى هذه الجلسة التى عقدها مجلس الشعب فى مساء الاثنين 5 مارس 1990 برئاسة د. رفعت المحجوب أثبتت السنوات أن علوى حافظ كان يقرأ فى فنجان الفساد الذى استشرى فى نظام مبارك بعد تسع سنوات فقط من بداية حكمه، وأنه لم يتصد لهذا الفساد.. بل شاهدنا أنه كان يرعاه ويشجعه على حساب هذا الشعب الغلبان الذى كان يحكمه بسياسة الحديد والنار وعساكر الأمن المركزى! وأقول بكل صراحة إنه لولا ثورة 25 يناير الماضى ما كنا عرفنا هذه الحقائق الغائبة والتى أنكرها د. عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء فى ذلك الوقت تماما.. ووصف استجواب علوى حافظ بأنه تمثيلية وكان أعضاء الحزب الوطنى المنحل يساندونه فى رده على علوى حافظ بقيادة زعيم الأغلبية كمال الشاذلى بالتشويش عليه والمقاطعة! *** ورغم أن هذا الاستجواب اشتمل على عدد كبير من مظاهر الفساد وصوره المختلفة بدءا من عقد صفقات السلاح والتربح من وراء عمليات نقلها.. ومرورا باستيراد الأغذية الفاسدة وعلى رأسها زيت «الشلجم» الذى كان يخلط بزيت التموين ويسبب الإصابة بالسرطان ويحدث خللا فى وظائف الكبد والتى تحدثت عنها فى الخواطر الماضية. ولكن سأتعرض اليوم لفضيحة البحيرات المرة، كما وصفها النائب القدير علوى حافظ الذى قال إن محافظ الإسماعيلية النشط «عبدالمنعم عمارة» قام بإهداء قطع من أغلى وأجمل وأحسن أراضى مصر على لسان البحيرات المرة، وفى جزيرة التمساح لعدد كبير من المسئولين والوزراء هدية مقابل سعر رمزى قدره 30 جنيها للمتر، وبالتقسيط المريح على حد تعبير علوى حافظ.. ويتصدرهم أفراد عصابة الفوروينجز (أصحاب صفقات السلاح).. وأن كل واحد منهم أخذ قطعة أرض، مما أضاع على الدولة 100 مليون جنيه أقام عليها السادة الوزراء والمسئولون قصورا فاخرة. وقال علوى إنه قام بتصوير هذه الفيلات والقصور وأن بعضها تكلف أكثرمن مليون جنيه ووصف النائب هذه القصور أن بها حمامات سباحة ومراسى يخوت.. وأن سواد الشعب يسكن فى مساكن آيلة للسقوط ويسكن فى المقابر! وأذكر أن النائب الشجاع قام بعرض صور قصور الوزراء وصور الذين يعيشون فى المقابر. وتساءل بكل انفعال شديد: أليس هذا فسادا؟.. أليس هذا استفزازا؟ أليس هذا سوء استخدام وممارسة للسلطة يمارسه الكبار علانية؟.. أين القدوة؟.. أين القانون؟.. وقال علوى حافظ بأعلى صوته: أين القانون الذى يسمح لمحافظ أن يبدد أموال الدولة على هذا النحو فى عهد الطهارة ونظافة اليد؟. ومضى يتساءل: من الذى يحاسب هذا المحافظ؟.. وطالب رئيس الوزراء أن يرد على هذه التساؤلات والتحقيق فى هذه المهزلة، لأن الشعب يعيش فى أسوأ ظروف معيشية.. وماذا نقول لسكان القبور التى عجزت الحكومة حتى الآن فى إخراجهم من المقابر وعشش الصفيح والخيام والأحياء الشعبية! *** وأذكر أن النواب- أغلبية ومعارضة ومستقلين- كانوا يكتمون أنفاسهم من صدمة ما يستمعون له من صور الفساد.. رغم تعليمات قيادات الحزب الوطنى المنحل فى ذلك الوقت بضرورة التشويش على علوى حافظ ومقاطعته أثناء استجوابه.. وكانت القاعة مكتظة بالنواب وحرص بعض نواب الشورى على حضور هذه الجلسة التاريخية. وأكد النائب القدير أنه لا يعارض أن يقوم الوزراء والكبار فى بناء العمارات أو القصور أو الفيلات.. ولكن بشرط أن يكون ذلك من مالهم الحر.. أما ما فعلوه فى البحيرات المرة.. ومن قبل على الساحل الشمالى، والآن فى سيناء وشرم الشيخ.. وبالأمس فى المنتزة والمعمورة.. فهو الفساد.. وهو الاستفزاز، فالأرض التى نهبوها هى أرض الشعب والمال مال الشعب! ويبدو أن النائب المخضرم كان متفائلا وعنده بعض الأمل لأنه طالب بوقفة حاسمة وحساب الذين نهبوا مصر.. والذين استغلوا مواقعهم فى السلطة ليثروا ثراء حراما فاحشا وأن يكون الحساب حازما وعلنيا لننهى عهد النهب والتهليب.. ومع الذين حصلوا على تسهيلات من البنوك وهربوا، ومع الذين نهبوا أراضى الدولة، ومع الذين يجرفون الأرض الزراعية حتى الآن، ومع كبار المسئولين عن كارثة شركات توظيف الأموال، وإعادة الأموال إلى المودعين وكشوف البركة فى قضية توظيف الأموال التى تم توزيعها على كبار المسئولين. وأذكر أن النائب علوى حافظ عاد ليطرح عدة أسئلة جديدة للحكومة عن موقفها مع الكبار فى تهريب المخدرات فى مصر؟.. وماذا فعلت مع الذين تعدوا على «النيل» شريان الحياة؟.. وماذا فعلت الحكومة مع الذين لوثوا ملح الطعام لينتشر الفشل الكلوى فى مصر؟! وقال بحروف واضحة تماما: ماذا فعلت الحكومة فى هؤلاء وهؤلاء جميعا؟! عموما اختتم هذه الخاطرة بما أشار إليه النائب الشجاع بكل وضوح بأن الفساد يحكم مصر.. والمفسدون يحكمون مصر.. على حد تعبيره. ويجب أن نتذكر جميعا أن ما قاله علوى حافظ كان فى عام 1990 أى أن تحذيراته كانت منذ 21 سنة.. ولكن لا حياة لمن تنادى واستمر مسلسل الفساد الذى كان أحد سمات النظام السابق. وأننا ندفع ثمنه الآن! *** ولكن ماذا كان رد د. عاطف صدقى رئيس الوزراء الأسبق على كل هذه الاتهامات التى وجهها له النائب المخضرم علوى حافظ؟، وما هو دور كمال الشاذلى زعيم الأغلبية فى ذلك الوقت فى التصدى لهذا الاستجواب؟ هذا ما سنجيب عنه فى الخواطر القادمة إن شاء الله العلى القدير.