القاصد يتفقد لجان امتحانات المنوفية الأهلية.. ويؤكد البدء الفوري في التصحيح    «شاب المصريين»: الرئيس السيسي أعاد الأمل لملايين المواطنين بالخارج بعد سنوات من التهميش    رئيس اتحاد المصريين بالخارج يوجه تحذيرًا خاصًا بالحج: السعودية تتعامل بحزم    وكيل "طاقة الشيوخ": تخفيف أحمال الكهرباء يمثل كابوساً على المواطنين خاصة بالصعيد    إنشاء مجمع صناعي ضخم لاستخلاص الذهب بأسوان    سامح شكري يشارك في اجتماع وزاري عربي أوروبي لدعم فلسطين    شوط أول سلبي بين الطلائع وبلدية المحلة    ساوثهامبتون يهزم ليدز ويعود إلى الدوري الإنجليزي    حريق هائل يلتهم منزلا في الأقصر والحماية المدنية تنجح في إخماد النيران    تصل ل9 أيام متتابعة.. موعد إجازة عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024    مصطفي كامل: أحترم التكنولوجي وأرفض الفن المسيء لمصر    حاتم البدوي: أسعار الأدوية تلتهم رأس مال الصيادلة وتهدد صحة المصريين    الجامعة العربية تشارك في حفل تنصيب رئيس جمهورية القمر المتحدة    تحديد موعد مباراة نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين بين الهلال والنصر    وزير الخارجية يشدد على ضرورة وقف اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالضفة    أغنية أفريقيا المحسومة ل هشام جمال ومسلم تحقق مليون مشاهدة    أفضل طرق التعبير عن حبك للطرف الآخر على حسب برجه الفلكي    تراجع إيرادات فيلم "Kingdom of the Planet of the Apes"    أمين الفتوى: الدعاء بالزواج من شخص محدد ليس حراما    أيهما أفضل الاستثمار في الذهب أم الشهادات؟.. خبير يوضح    هيئة الرقابة الصحية: يستفيد 4 ملايين مواطن من التأمين الصحي بمحافظات الدلتا    وزير التعليم يشهد حلقة نقاشية عن «مشاركة الخبرات»    رئيس الوزراء الباكستاني يشيد بقوات الأمن بعد نجاح عملية ضد إرهابيين    في ذكرى وفاتها.. تعرف على أعمال فايزة كمال    وزير الصحة يناقش مع نظيره الكوبي مستجدات التعاون في تصنيع الأدوية    أمينة الفتوى بدار الإفتاء: الحج فريضة لكن تجهيز بناتك للزواج مقدّم    "إكسترا نيوز": منظمات تابعة للأمم المتحدة ستتسلم المساعدات في غزة    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    عمرو دياب يرصد تطور شكل الموسيقى التي يقدمها في "جديد×جديد"    وحدات السكان بشمال سيناء تعقد ندوات توعوية تحت مظلة مبادرة «تحدث معه»    غرق شاب بشاطئ بورسعيد    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    دعوة للتمرد على قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي.. ما علاقة نجل نتنياهو؟    المشدد 5 سنوات للمتهمين بالتعدي على عامل وإصابته بمصر القديمة    عميد الدراسات الأفريقية: "البريكس وأفريقيا" يبحث دور مصر المحوري في التكتل الدولي    أطعمة تحميك من انسداد الشرايين- تناولها بانتظام    الرئيس التونسي يجري تعديلا وزاريا جزئيا    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    محطات مهمة بواقعة دهس عصام صاصا لعامل بسيارته بعد إحالته للجنايات    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل برنامج المستشار المالي الآلي للاستثمار    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    «الإفتاء» توضح دعاء لبس الإحرام في الحج.. «اللهم إني نويت الحج»    أول تعليق من محمد مجدي أفشة بعد تتويج الأهلي باللقب    فرصة ذهبية لنجم برشلونة بعد رحيل تشافي    منتخب المصارعة الحرة يدخل معسكرا مغلقا بالمجر استعدادا للأولمبياد    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    «الصورة أكبر دليل».. شوبير يعلق على فرحة الشناوي الجنونية مع مصطفى بعد نهاية مباراة الترجي    سعر الريال السعودى اليوم الأحد 26-5-2024 أمام الجنيه المصرى    النائب أيمن محسب: الدفاع عن القضية الفلسطينية جزء من العقيدة المصرية الراسخة    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنيس منصور.. نمط إنسانى نادر الوجود
نشر في أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

أستغفرك ربى وأتوب إليك سبحانك.. فقد جاء إلينا الخبر كالصاعقة رغم أنه من لطف الله بعباده كانت تسبقه مقدمات يمكن أن تخفف من هول الفاجعة..
إنه خبر رحيل من كنا نظن أنه لن يرحل لأنه خالد خلود فكره فى عقولنا وباق بقاء صنائعه الجليلة فى قلوبنا.. ولكن هذا قضاء الله وقدره والذى لا نملك حياله إلا التسليم والاستغفار والحمد فى كل الأحوال.. فقد مات الأستاذ والأب والأخ الأكبر لقد غادر دنيانا الكاتب الموسوعى النادر والفيلسوف المتميز والمفكر العبقرى والأديب الموهوب والمحلل السياسى البارع والمؤلف المسرحى القدير والكاتب الصحفى المرموق..
إنه فقط أنيس منصور الذى تعددت مواهبه وتنوعت قدراته الإبداعية وتباينت ملكاته وكان فى مجملها هو الأستاذ.. الأستاذ بحق وليس كما يدعى بعض من يصفون أنفسهم بالأستاذية.. إنه مرة أخرى أنيس منصور مؤسس هذه المجلة التى بين يديك وجعلها أنيس منصور مصدرا رئيسيا لوكالات الأنباء العالمية لتستقى منها الأخبار حول قضية الشرق الأوسط حتى جاء مولدها مواكبا تقريبا لعملية السلام فى النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضى.. إنه أنيس منصور الذى تجاوزت طبعات مؤلفاته على كثرتها وتنوعها الخمسين طبعة فى واقعة ثقافية نادرة الحدوث وغير مسبوقة حتى لأساتذته العارف هو بفضلهم عليه أمثال عباس العقاد وطه حسين ود. عبد الرحمن بدوى ممن جعلهم الفقيد الراحل محورا لكتاباته فى كتبه ومقالاته الصحفية.. مؤكدا عرفانه بفضلهم كمصابيح أضاءت الطريق أمامه فى كتاباته الأدبية والفلسفية ليصبح نجم نجوم هذه النوعية من الإبداعات الفكرية فضلا عن مبدعين فنا وأدبا وفلسفة خارج حدود الوطن وكانت لهم أيضًا آثارهم الفاعلة فى تكوين طاقته الفكرية ومنهم جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار فى فرنسا وألبرتومورافيا فى إيطاليا وغيرهم ارتبط بصداقات وطيدة معهم حيث استحوذ بعضهم فى فترة زمنية على وجدان أنيس منصور الفكرى خاصة فى مرحلة البداية حين تبحر فى دراسة الفلسفة الوجودية والتى بدلا من أن تفقده عقيدته الإيمانية بالخالق الأعظم فإنها لانت له طوعا وفعلت ما أراده لها وهو العكس تماما حيث استوعب كل هذه التحولات الفكرية العميقة من منظور إيمانى فى حياته لتنتهى به إلى عميق الإيمان بأن هذا الوجود لم يخلق عبثا واستدل على ذلك بقول الحق سبحانه وتعالى: ? ? ? ? ں، ولكنه خلق بقدرة واحد أحد لا يمكن أن يكون له شريك فى ملكه حتى يستقيم الكون وتستقر أركانه انتظارًا لكلمة النهاية حين يأذن الله وتكون الدار الآخرة ليلق كل إنسان نظير ما عمل مصداقا لقول الحق سبحانه تعالى: ? ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ ، وهكذا كان أنيس منصور مؤمنا إيمانًَا يقينيا أمده بالقدرة على تطويع الفلسفات الغربية إلى ما لا يتناقض وشريعة الله فى أرضه..
ورغم الثراء الفكرى الذى تميز به إنتاج الكاتب الكبير أنيس منصور ورغم الشغف بهذا الإنتاج المتنوع لجيلى والأجيال السابقة واللاحقة لما يتمتع به من عمق وجزالة وخير دلالة على ذلك أن هذا الإنتاج هو أكثر الإبداعات الأدبية فى عالمنا العربى شهرة وذيوعا وتوزيعا على خريطة الآداب العربية على اختلاف نوعياتها الا أننى سوف أترك للباحثين وما أكثرهم تناولها نقديا، وكذلك للدراسين ومعظهم قد نال فى دراستهم كثيرا من شهادات الماجستير والدكتوراه ليست فى عالمنا العربى فحسب وإنما فى كل أقطار الدنيا التى عرفت بحق قدر الرجل ومكانته الفكرية ولذا ففى هذه المناسبة التى نودع فيها أستاذنا العظيم يجدر بى كأحد تلاميذه ممن احتضنهم وأولاهم رعايته مع زملائى الذين واكبوا تأسيس وقيدنا الغالى لمجلة أكتوبر والتى تمثل شعلة للاستنارة الصحفية والتى أضاءها أنيس منصور لتظل نبراسا يذكرنا وقراء مجلتنا بفضل هذا الإنسان وتحفزنا دائما للدعاء له بالرحمة والمغفرة.. وإذ كان قراء أنيس منصور قد أحبوه مبدعا فائق الموهبة فإننا وأبناءه وتلاميذه قد أحببناه حبا مضاعفا لأننا عشنا معه ليس أديبا أو مفكرا فقط وإنما إنسان وهذا لمن لا يعرفه هو الجانب الأعظم فى شخصيته وسر من أسرار روعتها..
وقد التحقت بالمجلة وأنا لم أتجاوز الخامسة والعشرين وكان الأستاذ أنيس يعد الأعداد «الزيرو» التى تسبق الإصدار الرسمى حتى جاء موعد صدور العدد الأول فى 31 أكتوبر 1976 ليصبح مفاجأة الوسط الصحفى، حيث جاء مغايرا لكل الإصدارات المماثلة فى ذلك الوقت وقد لاقت قبولا غير مسبوق فى السوق الصحفية خاصة وقد شملها الرئيس الراحل أنور السادات برعايته وخصها بكثير من الأخبار التى انفردنا بنشرها فى تلك الأيام التى شهدت تحويلا فى الخريطة السياسية المصرية حتى أصبحت وكالات الأنباء العالمية تنتظر ما تنشره أكتوبر وترسله إلى كبريات الصحف العالمية نقلا عنها ولهذا فقد تربعت أكتوبر على عرش الصحافة المصرية والدولية وفى غمرة هذا النجاح المذهل لم ينس أنيس منصور رعايته لأبنائه من صغار المحررين والذى جعل منهم كبارا رغم حداثة تجربتهم الصحفية ولنا تدليل على ذلك كثير من الذكريات التى تسجل تجربتنا الثرية فى ظل هذا الكاتب العملاق والتى اذكر منها ما يخصنى حيث توليت النقد السينمائى بالمجلة وكان يتيح لى فرصا لم تكن تتاح لأساتذتى فى الصحف الأخرى ومنها تغطيتى للمهرجانات السينمائية وكان صديق عمره الراحل كمال الملاخ هو مؤسسها فى مصر وقام الأستاذ أنيس بتقديمى له بزميلى «فلان» حتى أصبح الملاخ صديقا لى رغم فارق السن والخبرة والمكانة.. وحينما افتتح الملاخ مهرجان الإسكندرية فى دورته الأولى سألنى الأستاذ أنيس سؤالا مباغتا بقوله ألن تشرب شاى فى بهو الفندق؟! أجبته سريعا نعم سأشرب فقال منفعلا إذن لماذا لا تقدم طلبا لبدل السفر؟.. فتلعثمت إجابتى لعدم معرفتى بهذه الإجراءات فما كان منه الا أن أطلق ضحكته الشهيرة وأخرج ورقة من مكتبه مصدرا قراره بصرف بدل السفر مودعا لى مع دعواته بالتوفيق مشفوعة بكلمات التشجيع التى تبث الثقة فى الصحفى الصغير الذى يقدم على تجربة غير مسبوقة فى حياته الصحفية القصيرة وتمر السنوات مليئة بتجارب مماثلة تتجلى فيها الأبوة والأستاذية فى ذات الوقت ومقابلها منى هو الشكر والعرفان.. إلى أن استدعيت للخدمة العسكرية فكانت مبادرة طيبة منه حين أقر مكافأة شهرية مجزية لى خلال مدة تجنيدى مع استمرارى فى كتابة باب النقد السينمائى وتمر شهور قليلة لأجد نفسى لا أستطيع مواصلة العمل فى المجلة لالتزامى بالمبيت فى وحدتى العسكرية وجئت إليه يوما معتذرا عن الكتابة إذا لم يخاطب مدير الشئون المعنوية وكان اللواء عبد الفتاح العيسوى وهنا ضحك الأستاذ ورفع سماعة التليفون قائلا يا كمال بيه زميلى فلان مجند عندكم وأرجوكم تخفوا عليه شوية لأنه ملتزم بتحرير بابا أسبوعى بالمجلة وانتهت المكالمة بشكر الأستاذ أنيس لكمال بيه الذى لم يكن سوى الفريق أول كمال حسن على وزير الدفاع آنذاك..
وفى سنواته الأخيرة فى أكتوبر وقبل استشهاد الرئيس أنور السادات بشهور قليلة أراد الأستاذ أنيس منصور تقديمنا للرئيس السادات فكانت دعوتنا جميعا للغداء فى ميت أبو الكوم وهناك قام بتقديمنا واحدا واحدا للرئيس الذى صافحنا بحرارة وحفاوة وقضى معنا وقتا قارب الخمس ساعات فى جلسة حكى لنا الرئيس بعض ذكرياته وأعقبها بالغداء واختتمت الزيارة بجولة فى البيت الريفى وفوجئت بالأستاذ أنيس منصور يقدمنا مرة أخرى للرئيس والتقطت لنا الصور ونحن على مقربة من الرئيس السادات فى حديقة منزله.. هذا هو أنيس منصور الذى فقدناه أستاذا وأبا وأخا كبيرا.. إنه النمط الإنسانى الرائع الذى لن يتكرر.. إنه فقط أنيس منصور.. رحمه الله وجعل الجنة مثواه لقاء ما قدمت يداه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.