تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية تصعيدًا خطيرًا منذ قرار أنقرة طرد السفير الإسرائيلى وتعليق الاتفاقيات العسكرية مع تل أبيب ردًا على تقرير الأممالمتحدة الذى اعتبر أن إسرائيل استخدمت القوة فى الاعتداء على «أسطول الحرية» الذى كان متجهًا إلى غزة فى مايو 2010، وهو ما اعتبرته تركيا ضربة قوية لسياستها الخارجية التى تشهد حضورًا طاغيًا فى الشرق الأوسط. فى البداية يؤكد د. محمد عبدالقادر - المتخصص فى الشأن التركى - الخبير الاستراتيجى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – أن العلاقات التركية – الاسرائيلية تفاقمت بعد الكشف عن نتائج تحقيق الأممالمتحدة فى العملية العسكرية الإسرائيلية على أسطول الحرية، الذى يضم سفينة مرمرة التركية العام الماضى، التى اسفر عنها مقتل تسعة أشخاص من الأتراك أحدهم يحمل جنسية مزدوجة تركية - أمريكية، فضلاً عن إصابة 45 شخصاً غالبيتهم أيضاً من الأتراك إذ أوضح التحقيق أن إسرائيل استخدمت القوة المفرطة ضد الناشطين، بينما هناك إصرار من قبل تركيا على اعتذار إسرائيل الرسمى، الأمر الذى رفضته إسرائيل بشدة مما أسهم فى تدهور العلاقات إلى حد كبير فى المرحلة الراهنة. وأوضح عبد القادر ان الحرب الباردة بين تركيا وإسرائيل لن تنتهى قريباً، لا سيما أن ثمة تحليلات وتقارير تركية تشير إلى ضلوع إسرائيل ببعض الهجمات النوعية التى باتت تقوم بها بعض قوات حزب العمال الكردستانى، فثمة اتجاهات واضحة داخل تركيا تشير إلى أن هناك علاقة ما بين بعض عملاء الموساد وحزب «الحياة» الكردى المعارض لإيران، الذى تربطه صلات وثيقة بحزب العمال الكردستانى، وقد عزز هذه الشكوك التزامن بين ما تعرضت له «قافلة الحرية»، والهجوم الصاروخى من حزب العمال على قاعدة بحرية تركية فى ميناء الاسكندرونة. ويرى ان التصعيد العسكرى بين الدولتين خيار غير مطروح على الأقل فى الوقت الراهن، وإن كان هذا لا يعنى أن الهدوء سيكون سيد الموقف قريباً. فتركيا تصعد بطريقتها الخاصة من خلال تعليق جميع الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل وباعتبار أنقرة صاحبة أطول شريط ساحلى فى شرق البحر الأبيض المتوسط فستتخذ تركيا جميع التدابير التى تعتبرها ضرورية فى مجال الملاحة البحرية وستقدم كل أنواع الدعم للمتضررين الأتراك والأجانب فى الاعتداء الإسرائيلى من اجل حصولهم على حقوقهم فى المحاكم فضلا عن انها تسعى من أجل تفعيل تحقيق محكمة العدل الدولية فى الحصار الذى تفرضه إسرائيل على غزة. ومن جانبه اكد د. مصطفى الفقى - رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى سابقا - ان توتر العلاقات بين تركيا واسرائيل لم يكن بسبب تقرير الاممالمتحدة فى العملية العسكرية الاسرائيلية على اسطول الحرية فتراجع العلاقات بين البلدين قائم بالفعل منذ انتخاب رجب طيب أردوجان عام 2003 رئيسا للحكومة وتغيير السياسة الخارجية التركية وتوجه تركيا ناحية علاقات جديدة مع اثنين من ألد أعداء إسرائيل هما: إيران وسوريا هذا الى جانب الدور البارز الذى تلعبه تركيا فى عملية السلام فى منطقة الشرق الاوسط والذى يمثل خطرا على اسرائيل خاصة فى ظل التغيرات التى تشهدها المنطقة العربية. ويرى ان تخلى تركيا عن تحقيق حلمها فى الانضمام للاتحاد الاوروبى دفعها لتقديم نفسها كوسيط فى عملية التسوية السياسية فى منطقة الشرق الأوسط وعزز من أهمية دورها، الأمر الذى دفع الغرب، وبالذات الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى أخذها كحليف استراتيجى لها . واضاف انه من الصعب أن تعود العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى ما كانت عليه فى التسعينيات من القرن الماضى إذ أن استراتيجية إسرائيل فى قطاع غزة حجر عثرة فى العلاقات التركية - الإسرائيلية خصوصا مع إصرار أنقرة على وضع نهاية للحصار الإسرائيلى لقطاع غزة. ومن جهته اكد د. مصطفى اللباد مدير مركز دراسات الشرق للدراسات الاقليمية والاستراتيجية ان تفاقم الأزمة التركية الاسرائيلية دفع تركيا إلى طرد السفير الاسرائيلى، ووقف العمل بكافة الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل كما اتخذت تركيا خطوات حول حرية حركة الملاحة البحرية فى شرق البحر المتوسط «باعتبارها البلد الذى يملك أطول ساحل على هذا البحر». بالإضافة إلى اتخاذ إجراء قضائى للاعتراض على قانونية الحصار الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة من خلال اللجوء لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحددة فى لاهاى و خامسا قيام تركيا بدعم عائلات ضحايا أسطول الحرية ومحاكمة المسئولين عن الجريمة فى المحاكم التركية والأجنبية. وأوضح ان تركيا اختارت هذا التوقيت بالذات لتصعد ضد إسرائيل لعدة أسباب أهمها اولا فوز حزب العدالة والتنمية التركى بالانتخابات البرلمانية للمرة الثالثة على التوالى بنسبة 50%، وحصوله على شعبية ساحقة، ونجاحه فى ترسيخ نفوذه من خلال الدعم القوى الذى يتمتع به من كافة أطياف المجتمع التركى وثانيا استغلال مناخ الثورات العربية المعادى لإسرائيل وثالثا انتهاء مسألة دعم المؤسسة العسكرية التركية لإسرائيل أو ممارسة أى ضغط من جانب الجيش التركى على الحكومة للتعاون مع تل أبيب. رابعا نجاح تركيا فى تحقيق الاكتفاء الذاتى عسكريا فهى لم تعد بحاجة إلى مساعدة إسرائيل فى مجال الصناعات العسكرية. وفيما يتعلق برد فعل إسرائيل تجاه التصعيد التركى قال ان اسرائيل تحاول ان تقوم بالتهدئة وتخفيف حدة الازمة مع تركيا ولكن فى الوقت نفسه ترفض تقديم الاعتذار، ولاشك ان اسرائيل تأمل أن يتم إيجاد طريق للتغلب على هذا الخلاف وتؤكد تصميمها على مواصلة الجهود الرامية لكنها من الواضح انها فشلت فى تسوية الخلاف بين البلدين مشيرًا إلى أن إسرائيل ستكون الخاسر الحقيقى فى هذه الأزمة خاصة بعد خسارتها للرئيس المصرى السابق حسنى مبارك الذى كان يعتبر الأكثر قربا لها من جميع القادة العرب كما أن الأردن البلد الوحيد المجاور الذى يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يشهد أيضًا تظاهرات.