«كارلوس لاتوف» رسام كاريكاتير برازيلى.. ربما لم يسمع معظمنا عن هذا الاسم من قبل، ولكنه كان مشاركا وبقوة فى ثورة 25 يناير، ليس بتواجده فى ميدان التحرير وبقية الميادين المصرية، ولكن من خلال رسوماته وكاريكاتيراته - الداعمة والمؤيدة للثورة - والتى رفعها متظاهرو التحرير، إذ لم يجدوا أفضل من تلك الكاريكاتيرات لتعبر عن الثورة.. كاريكاتيرات لاتوف لم ترفع فقط فى الميادين المصرية، بل أصبح مستخدمو الفيس بوك وتويتر يتداولونها بصورة دائمة، وعلى الرغم من أن لاتوف لا يتحدث العربية ولا يفهمها، فإن رسوماته كانت الأفضل فى التعبير عن مراحل الثورة، ثم تطورات الأوضاع بعد ذلك عقب نجاح الثورة وسقوط مبارك، فأى حدث يقع فى مصر، نجد لاتوف أول من يعبر عنه برسوماته، حتى أن كثيرا من المصريين اعتقدوا أنه مصرى، وسأله أحد مستخدمى تويتر ذات مرة إن كان من شبرا!! «لاتوف» تحدث فى حوار شامل ل «أكتوبر» عبر الإيميل عن الثورة المصرية، كما أكد على دعمه للثورات العربية الأخرى، وتحدث عن زيارته للضفة الغربية التى غيرت مجرى حياته، والعديد من القضايا الأخرى فى هذا الحوار. فى البداية يجب أن نعرف أن «كارلوس لاتوف» رسام كاريكاتير سياسى من البرازيل، ولد فى «ريو دى جانيرو» عام 1968، وبدأ فى احتراف رسم الكاريكاتير منذ 21 عاما، وهو يرسم لصحف الاتحادات النقابية اليسارية فى البرازيل، ولا تقتصر رسوماته على البرازيل فقط، بل تمتد لتدعم جميع القضايا الإنسانية والعادلة فى كل أنحاء العالم، إذ تعبر رسوماته عن مناهضة العولمة والرأسمالية، وتنتقد سياسة الولاياتالمتحدة، ولا ينفصل لاتوف عن قضايا العالم العربى والشرق الأوسط، إذ رسم عدة كاريكاتيرات داعمة للثورة المصرية، والتونسية، والسورية، والليبية واليمنية، بالإضافة لاهتمامه ودعمه للقضية الفلسطينية، وهو يصف نفسه بأنه شخصية مثيرة للجدل، يعشق الحرية والحالمين بها، ويبغض الظلم والظالمين فى أى مكان فى العالم.. وعلى الرغم من أن لاتوف من أصل عربى، إذ أن جده لبنانى، فإنه يعتقد أن هذا الأمر ليس له علاقة باهتمامه بالقضايا العربية، فيقول:«لقد رحل جدى قبل أن أراه، وليس لجذورى العربية أى دور فى حماستى ودعمى للثورات العربية». أما عن بداية معرفة المصريين بكارلوس لاتوف، فبدأت قبل يومين من قيام الثورة، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك وتويتر وتحديدا على صفحة «كلنا خالد سعيد» عدة كاريكاتيرات تدعم فكرة التظاهر يوم 25 يناير، وأهمها كاريكاتير يصور خالد سعيد عملاقا يمسك قزما مذعورا يشبه مبارك، وآخر يصور خريطة مصر، وقد نهض منها خالد سعيد كالمارد، صارخا بكل قوته أفيقى يا مصر، بينما على الناحية الأخرى من الخريطة نجد العادلى وهو يسد أذنيه بكل قوة مذعورا من هذا النداء، وعن ذلك يقول كارلوس» رسمت تلك الكاريكاتيرات بناء على طلب من بعض الأصدقاء والنشطاء المصريين عبر تويتر والفيس بوك، حيث تحدثوا معى عن نية الشباب المصرى التظاهر يوم 25 يناير ضد النظام القمعى فى مصر، كما تطرقوا لقضية الشاب خالد سعيد الذى رحل بعد تعذيبه على يد الشرطة، مما ذكرنى بقضايا التعذيب على يد الشرطة التى تنتشر فى البرازيل، ومن هنا رسمت تلك الكاريكاتيرات، ولكنى لم أتوقع أن تنتشر بهذه الدرجة فى مصر، إذ فوجئت بالمتظاهرين يرفعون رسوماتى فى الشوارع والميادين، مما أسعدنى كثيرا، لأنى شعرت أن رسوماتى معبرة عن تطلعات المصريين، وأننى أقوم بشىء يفيدهم، لذا استمريت فى عمل الكاريكاتيرات المؤيدة والداعمة لهم. يضيف «لاتوف»: ليست هذه المرة الأولى التى أرسم فيها عن مصر، فلقد قدمت كاريكاتيرا عن إضراب عمال غزل المحلة عام 2007، كما انتقدت مبارك مرارا من خلال رسوماتى بسبب مساعدته لإسرائيل، ودوره فى زيادة معاناة الفلسطينيين عبر إغلاق معبر رفح، ورفضه دخول الفلسطينيين. نعود إلى الثورة التى يتذكر أيامها لاتوف، فيقول: انفعلت جدا بالثورة وأحداثها، حتى أنى كتبت على موقعى الشخصى على تويتر أثناء الثورة (إذا كنتم تكتبون أى شىء عنى اليوم، فلا تقولوا الفنان البرازيلى، فاليوم أنا مصرى من القلب). عقب نجاح الثورة وسقوط مبارك، لم يتوقف لاتوف عن دعمه للثورة، وأصبح حاضرا بقوة فى كل الأحداث التى جرت بعد ذلك من خلال رسوماته، فعلى سبيل المثال، كان هناك الكاريكاتير الذى نشره قبل مليونية 8 يوليو، وكان يدعو فيه المصريين للمشاركة فى هذه المظاهرة المليونية، من خلال كاريكاتيره الذى يصور لشابة مصرية تجرى مسرعة حاملة علما مرفرفا لمصر، وتحمل حقيبة على ظهرها، ومجموعة من الأمتعة، بينما ترفع علامة النصر، وقد كتب على أمتعتها (July 8)، كما لم تسلم الشخصيات الأكثر جدلا فى مصر من كاريكاتيراته اللاذعة، مثل مرتضى منصور، الذي رسمه لاتوف راكبا على جمل فى إشارة إلى الاتهام الموجه لمرتضى باشتراكه فى التحريض على موقعة الجمل، ويحمل مرتضى منصور فى الكاريكاتير حقيبة مليئة بالاسطوانات (CD) مكتوب عليها «ابتزار»، كما قام بعمل كاريكاتير يسخر فيه من توفيق عكاشة، رئيس قناة الفراعين، وهى القناة التى تعتبر محلية المشاهدة إلا أن لاتوف علم بما يقوله عكاشة وانتقده فى إحدى رسومه الكاريكاتيرية، ولا ننسى كاريكاتيره عن محاكمة مبارك، إذ قام برسم الرئيس السابق على نقالة طبية وشعره مصبوغ، وذقنه محلوقة، ويلعب فى أنفه - كما ظهر فى المحكمة - وأمامه محاميه يلقنه ما يقول، وقد أراد لاتوف بهذا الكاريكاتير أن يقول إن ظهور مبارك بهذا الشكل محاولة لكسب تعاطف الرأى العام، وإثارة عواطف الشعب المصرى، كما قام مؤخرا برسم كاريكاتير عن أحمد الشحات الشاب المصرى الذى استطاع تسلق 18 دوراً وإنزال العلم المصرى، حيث شبهه بالرجل العنكبوت، وقد أثار الكاريكاتير إعجاب الآلاف من الشعب المصرى الذى تداولونه على الفيس بوك وتويتر، وعن قدرته على الاقتراب من كل الأحداث المصرية بهذا الشكل يقول:(الفضل فى ذلك يعود للمئات من إخوتى وأخواتى من المصريين الذين يبلغونى بالتطورات الجارية فى مصر، ويمدوننى بكل ما رأيد معرفته)، وعلى الرغم من أن لاتوف لا يتحدث اللغة العربية ولا يفهمها، فإنه فى بعض الأحيان يستخدمها فى رسوماته، كما أن الكثير منها يحمل تعبيرات بالعامية المصرية، وعن ذلك يقول:(أصدقائى من المصريين يقومون بهذه المهمة، إذ يساعدوننى بترجمة بعض كاريكاتيراتى إلى العربية). نجاح لاتوف فى التعبير عن الثورة برسوماته الصادقة جعل كثيرا من المصريين يطلقون عليه رسام الثورة، كما ظهت عدة صفحات على الفيس بوك تطالب بمنحه الجنسية المصرية، وهو ما يرد عليه لاتوف بقوله:(شىء يسعدنى ويشرفنى كثيرا أن أجد المصريين تعجبهم رسوماتى، ويعتقدون أننى قريب منهم). ويرى لاتوف أن الثورة حققت نجاحات كبيرة، وتقدمها فى العديد من المجالات، إلا أنه يؤكد استمراره فى دعم الثورة حتى تنجح بشكل كامل، ويتحقق فى مصر نظام ديمقراطى كامل، ولكنه يعود ليؤكد أن إرادة المصريين فقط هى التى ستحدد ما إذا كانوا سينجحون فى تحقيق الديمقراطية، لذا فهو يؤيد استمرار الاعتصامات حتى تتحقق مطالب جميع الشعب المصرى كاملة، وعلى الرغم من معرفته بجميع تطورات الأحداث، فإنه رفض التحدث عن المرشحين للرئاسة قائلا إن المصريين وحدهم من يقررون المرشح الأفضل بالنسبة لهم، وعن معرفته برسامى الكاريكاتير المصريين قال» للأسف، لا أعرف أياً من رسامى الكاريكاتير المصريين، وهذا بالتأكيد خطأ منى»، أما عن رسام الكاريكاتير المفضل له، قال:(بدون شك هو رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى، وهو ليس رسامى المفضل فقط، بل هو رمز ومرجع لكل الفنانين الذين لديهم ضمير فى العالم). ومن الثورة المصرية إلى باقى الثورات العربية، يقول كارلوس إنه متابع جيد لكل الثورات العربية، وإنه رسم العديد من الكاريكاتيرات التى تدعم الشعوب العربية فى ثوراتها ضد الأنظمة القمعية، وإلى جانب الثورات العربية يبقى لاتوف أحد أبرز داعمى ومؤيدى القضية الفلسطينية، وقد حدث هذا عقب زيارته للأراضى الفلسطينية عام 1999 بدعوة من منظمة «المركز الفلسطينى للسلام والديمقراطية، حيث أمضى 15 يوما بين رام الله ونابلس والخليل، وعن هذه الرحلة يقول: كانت رحلة لا تنسى، إذ رأيت على أرض الواقع مدى المعاناة التى يعيش فيها الفلسطينيون، وكيف تقوم سلطات الاحتلال والمستطونون بفرض القيود على حياة الفلسطينيين، شاهدت بنفسى كيف يعيش الفلسطينيون فى «أبارتيد» (الأبارتيد هو نظام الفصل العنصرى الذى كان سائدا فى جنوب افريقيا) إسرائيلى، كل هذا جعلنى ليس فقط مساندا للفلسطينيين، بل أيضا صديقا لهم، ولذلك قمت برسم مجموعتى «أنا فلسطينى» والتى أردت أن أوضح من خلالها أن معاناة الفلسطينيين هى نفس معاناة المضطهدين فى جميع أنحاء العالم». نشر هذه المجموعة من الكاريكاتيرات وغيرها التى تفضح الممارسات الإسرائيلية أدى لقيام السلطات الإسرائيلية بمنعه من دخول الأراضى الفلسطينية بعد ذلك، كما اتهمته عدة منظمات إسرائيلية بمعاداة السامية، وقد رد كارلوس على ذلك فى حوار سابق مع الصحيفة الأمريكية the forward فى ديسمبر 2008 قائلا: رسوماتى لا تركز على اليهود أو اليهودية، تركيزى هو على إسرائيل ككيان سياسى، كحكومة، على كون قواتها المسلحة قمرا صناعيا للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وتركز خاصة على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، فما يحدث أن اليهود الإسرائيليين هم من يظلمون الفلسطينيين»، كما أكد لاتوف ل «أكتوبر» أن تلك الاتهامات لن تثنيه عن مساندة الفلسطينيين قائلا: الاتهام بمعاداة السامية سياسة إسرائيلية معروفة لإسكات أى شخص ينتقد إسرائيل، ولكن هذا لن يمنعنى من مواصلة رسوماتى المنددة بالسياسات الإسرائيلية. السياسات الأمريكية كانت محورا أيضا لرسومات لاتوف، إذ قام بعمل العديد من الكاريكاتيرات المنتقدة للسياسات الأمريكية الإمبريالية والداعمة لإسرائيل، كما انتقد أيضا العمليات العسكرية الأمريكية فى العراق وأفغانستان، وعن ذلك يقول: لا يهم من يكون الرئيس فى أمريكا، بوش أو أوباما، أن يكون ديمقراطيا أو جمهوريا، فسياسة أمريكا ستبقى واحدة، نفس السياسة الإمبريالية، لذا لا أثق فى أى شيء يأتى من الولاياتالمتحدة». يرسم كارلوس تلك الكاريكاتيرات سواء التى تدعم الثورات العربية أو القضية الفلسطينية، وتهاجم السياسات الأمريكية والإسرائيلية من منطلق رسالته التى يؤمن بها، وهى التضامن مع كل المقهورين والمظلومين فى العالم، لذا فهو يسعد كثيرا بنشر رسوماته، ولا يطالب بأى مقابل مادى، فيقول على حسابه على تويتر: أعمالى ليست للبيع، هى متاحة للجميع، المهم إيصال الحقيقة إلى أكبر عدد مكن من الناس.. ادخلوا موقع كارلوس وخذوا ما تشاءون من رسومات.. اطبعوها ووزعوها وعلقوها على الجدران وفى كل مكان، وانشروا الحقيقة.. كونوا أنتم صوت المظلومين إلى جميع أنحاء العالم».