من باب الأمانة المهنية أود أن أعترف بداية أن تعبير “سفيرة جهنم” ليس من تأليفى؛ لكننى اكتشفت أن الشباب على الإنترنت يتداولونه كوصف للسفيرة الأمريكيةالجديدة بالقاهرة آن باترسون..! فما كتب عن السفيرة الأمريكية على الإنترنت أشبه بأفلام المغامرات الأمريكية.. أو فلنقل أفلام الرعب.. فالدور الذى لعبته السفيرة فى البلدان والمواقع التى خدمت فيها يرتبط أكثر ما يرتبط بالمؤامرات وإثارة القلاقل والفتن.. حدث ذلك فى باكستان ومن قبلها كولومبيا.. هناك وقائع خطيرة منشورة ترتبط بالاغتيالات وما شابه، لا نستطيع أن نتحدث عنها هنا، لأنها غير موثقة وبلا دليل.. لكنها فى مجملها مرعبة وتجعل السفيرة باترسون تستحق عن جدارة لقب «سفيرة جهنم»..!! وقد نشر موقع ويكليكس باللغة الإنجليزية عدة وثائق تدين السفيرة، تشير إلى أنها تسعى فى كل الدول التى تعمل بها لإقامة إعلام مواز يعتمد على الدعم الأمريكى لزعزعة الاستقرار وإحداث فوضى وبلبلة. ما يعنينا فى كل هذا أن السفيرة باترسون فرضت نفسها على واقع المشهد السياسى المصرى حتى قبل أن تطأ قدماها أرض مصر.. بتصريحها القنبلة الذى وقع كالصاعقة على كل القوى السياسية، والذى تؤكد فيه أنه تم إنفاق 40 مليون دولار منذ 25 يناير على منظمات المجتمع المدنى لنشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية فى مصر.. وقد تناثرت العديد من الروايات عن حجم المبلغ الكامل المرصود لنشر الديمقراطية فى مصر، فمن قائل إنه 65 مليون دولار، ومن قائل إنه 105 ملايين دولار أو 360 مليون دولار، لكن ما هو موثق فى سجلات مجلس الشيوخ الأمريكى، حسب شهادة آن باترسون فى يونيو الماضى، هو مبلغ ال 40 مليون دولار فقط.. لكن بعيداً عن حجم المبلغ.. فإن الحقيقة التى نخرج بها من كل هذا الكلام هى أن أمريكا تدفع فى الخفاء مبالغ لبعض منظمات المجتمع المدنى تحت دعوى هلامية اسمها نشر الديمقراطية.. فواقعة الدفع ثابتة وموثقة، واعترفت بها السفيرة الأمريكية، وهذا الاعتراف الذى هو سيد الأدلة يعفينا من طرح بعض التساؤلات، لكن يدفعنا إلى طرح تساؤلات أخرى مهمة يجب أن نعرف الإجابة عنها: من الذى قبض..؟! وكيف..؟! وفيم أنفق هذه الأموال..؟! هذه بصراحة هى التساؤلات التى يجب أن تشغلنا من الآن فصاعداً، ليس لوأد محاولات إجهاض ثورة 25 يناير فقط، ولكن لهدف أعمق وأسمى وهو ضبط حركة المجتمع وتطهيره من الذين يعيثون فيه فساداً بأموال أمريكية ملوثة..! ومع تقديرى لكل الكُتّاب المحترمين، الذين تركوا الحمار وأمسكوا فى البردعة، كما يقول المثل الشعبى القديم، فقد هالهم أن يتهم عضو بالمجلس العسكرى حركة أو منظمة بتقاضى أموال، معترضين منذ البداية على فكرة تخوين أى طرف فى المجتمع، وكأننا فى مدينة أفلاطون الفاضلة؛ دون أن تستوقفهم واقعة أن هناك من قبض أموالاً أمريكية ملوثة..! وهو بصراحة كلام غريب فعلاً، فكلنا ضد مبدأ التخوين واتهام الناس بالباطل، ومع المبدأ القانونى والشرعى المعروف وهو أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، لكننا رغم ذلك كله نرى أن من حقنا أن نعرف من الذى قبض هذه الأموال..؟! فإذا كنا جميعاً قد سخرنا من الصورة الكاريكاتيرية التى حاول النظام السابق ترويجها عن معتصمى التحرير وهى أنهم قلة مندسة أصحاب أجندات أجنبية.. يقبض الواحد منهم فى اليوم 50 دولاراً ووجبة كنتاكى، يعنى كله «أمريكانى» بالصلاة على النبى، إلا أننا لا يمكن أبداً أن نسخر من واقعة حقيقية اعترفت بها أمريكا نفسها وهى أنها مولت بعض المنظمات والجماعات من وراء ظهر الحكومة..! وقد يعتبر البعض أن انزعاجى لهذه الدرجة هو نوع من المبالغة غير المبررة، لكننى بصراحة أرى أن «الانزعاج» كلمة ظريفة لطيفة لا يمكنها أن تعبر عما أشعر به، وما يشعر به أى مصرى غيور على وطنه.. فالأموال التى دخلت جيوب البعض لم يأخذوها لوجه الله والوطن، أو ليقيموا بها موائد الرحمن لإفطار الغلابة والمساكين وأبناء السبيل فى شهر رمضان الكريم..! وبعيداً عن أحاديث التخوين والكلام الكبير إياه، أعتقد أن من حق الشعب أن يتأكد من التزام منظمات المجتمع المدنى بمعايير الشفافية فى الإعلان عن مصادر تمويلها، وفى أى وجه تنفق الأموال، وعليها أن تعلن ميزانياتها كل ستة أشهر فى صحيفة واحدة على الأقل. كما أن من حق الشعب أن تكشف الحكومة عن أسماء المنظمات التى قبضت أموالاً ملوثة من أمريكا ومن غير أمريكا.. كما أن من حقه أيضاً أن تتخذ الحكومة إجراءات رادعة ضد هذه المنظمات حتى نغلق أبواب جهنم التى تحاول السفيرة الأمريكيةالجديدة «سفيرة جهنم» أن تفتحها على مصر بصفة عامة.. وعلى الثوار النبلاء فى ميدان التحرير بصفة خاصة.