فى اليوم التالى وفى حوالى الساعة العاشرة والنصف «مساء» وكان الوقت صيفا، دق جرس باب شقتى وكنت أجلس ومعى صديقة لى وفتحت الباب فوجدت هذه الفتاة ومعها شاب يرتدى ملابس أنيقة، وشكله وسيم ويبدو أنه «ابن ناس» كما يبدو الكثيرون. رحبت بهما وبعد أن جلسا سألته عما يشرب قال: طبعا فنجان قهوة مضبوط لو تفضلت: لأن الكلام اللى أنا سمعته عن رؤيتك للفنجان دعانى إلى الحضور إليك وإن كانت هذه أول مرة فى حياتى أقدم على شىء من ذلك. المهم قدمت للفتاة زجاجة مشروب وقدمت لخطيبها - وكيل النيابة - فنجان قهوة. شرب الشاب القهوة بسرعة ثم قدم لى الفنجان لأتولى قراءته وبعد قليل قلت له: تفضل معى إلى غرفة الصالون ونهض من مكانه.. وفى نفس الوقت قامت خطيبته من مكانها لتدخل معه الغرفة ولكنه قال لها: لا.. خليك إنت.. عارضته واصررت على أن تدخل معه.. وحتى لا يحدث بينهما خلاف. اضطررت أن أقول لها: معلهش.. لا تزعلى إذا قلت لك إن «الفنجان أسرار».. ولو أنه حضر معك فى البداية لرفضت أن يدخل معك.. معلهش يا حبيبتى. دخل وكيل النيابة وأغلقت الباب كالعادة.. وبدأت أرفع فنجان القهوة بين أصابعى وأنظر بداخله.. ولا حظت أنه فى وضع ترقب شديد لما سوف أقوله وكأنه أمام «متهمة» يستمع إلى أقوالها بدقة. وعناية. وحذر واهتمام. بعد أن قلت: بسم الله الرحمن الرحيم - بصوت مسموع - أخذت أنظر إلى كل جوانب الفنجان وفجأة قلت: يادى الحوسة.. بسرعة قال: إيه فيه إيه.. خير..؟ قلت له: أنت على علاقة بثلاث فتيات غير خطيبتك، منهن واحدة ليست فتاة عذراء. فجأة ترك مقعده الذى كان يجلس عليه واقترب منى وجلس على كرسى آخر وقال لى: تقدرى ياحاجة تذكرى اسمها أو تقولى شكلها ايه..؟ وصفت له شكل الفتيات الثلاث وذكرت له أسماءهن وقلت له - والكلام ما زال على لسان قارئة الفنجان: إن البنت اللى قلت لك أنها ليست عذراء واحدة منهن ولا أريد أن أذكر اسمها بالذات وربنا حليم ستار. طلبت منه أن يبتعد عن الفتيات الثلاث وأن يكون مخلصا لخطيبته فهى أحسن منهن وأجمل.. وأشيك.. وبنت ناس.. قال لى: لكن ياحاجة فيها عيب فظيع قوى راح يجعل حياتى معاها زى الزفت قلت له: خيير .. ماهو هذا العيب ياترى قال: صحيح هى كما ذكرت جميلة وحلوة.. وإلخ. ولكن مشاعرها جامدة. قلت له: طيب اترك الحكاية دى - على «الله» ثم علىَّ وأنا سوف أتفاهم معها بشأن ذلك.. قال بانزعاج: راح تقولى لها إيه، أحسن دى عقلها صغير ومن المؤكد.. وليس من الجائز - أنها سوف تبلغ والدتها بهذا الأمر وتبقى حكاية.. ترك الشاب - وكيل النيابة - غرفة الصالون وخرج وهو يصطنع ابتسامة على وجهه ليقابل بها خطيبته التى كانت تنتظره فى «الصالة» وقد استقبلته بكلمة: خير إن شاء الله إيه رأيك..؟ قال لها: لا دى حاجة جميلة قوى.. قالت لخطيبها: يعنى إيه حاجة جميلة قوى.. إيه اللى قالته بالضبط..؟ قال لها: قالت لى إنك إنسانة ظريفة ولطيفة وحلوة أخلاقك زى الفل. وبنت ناس. وإنك لازم تعودى إليها بعد أيام ولا أعرف لماذا طلبت منى ذلك؟ قالت له: فعلا أنا لازم أرجع لها تانى ومش عارفه عايزانى ليه.. بس هى ست لطيفة وصريحة وعجبتنى قوى. بعد ثلاثة أيام عادة الفتاة - خطيبة وكيل النيابة -إلى منزل قارئة الفنجان عندما جاء دورها استقبلتها قارئة الفنجان بترحاب شديد وسلمت عليها وأدخلتها الغرفة التى تقرأ فيها الفنجان للزبائن.. أو المترددات عليها وطلبت من الخادمة التى لديها أن تصنع فنجانا من القهوة. وبعد أن شربت الفتاة فنجان القهوة وسلمته لى - والكلام مازال على لسان قارئة الفنجان - وقلبت الفنجان على الطبق وبعد قليل نظرت بداخله وأخذت أقلب الفنجان بين أصابع يدى فجأة قلت لها: أنا عايزاكى تكلمينى بصراحة واعتبرينى زى والدتك.. هل أنت تحبين خطيبك.. أم أنك خطبت له من أجل منصبه..؟ قالت الفتاة: إنت شايفة ابه فى الفنجان؟ قالت قارئة الفنجان: اللى أمامى فى الفنجان إن فيه واحد تانى فى حياتك وخطيبك اللى معاك راح يفسخ الخطوبة لأنه سوف يكتشف .... ولا تبادليه ما يشعر به من ناحيتك. قالت الفتاة وقد فوجئت بهذا الكلام.. وإنت رأيك إية ياتانت مين فيهم الذى يصلح لى.. وحياتى سوف تكون حلوة ومستقرة معاه..؟ قالت قارئة الفنجان للفتاة: يابنتىإنت لست فى سوق خضار أو سوق سمك تختارى ما تريدين. دىحياة.. وزواج.. وعواطف متبادلة بين طرفين.. أسألى نفسك واستفتى قلبك.ثم نهضت من فوق مقعدها واتجهت إلى دولاب فى الغرفة التى تجلس فيها واحضرت ورقة مكتوب فيها كلمات.. وأعطتها للفتاة وهى تقول لها: هذه الورقة مكتوب فيها «استخارة». عادت الفتاة فى اليوم التالى إلى قارئة الفنجان وقالت لها ما رأته فى المنام وهى تبكى: لقد رأيت رجلا أسودا وضخم الجسم أخذ يصفعنى على وجهى ويضربنى بكرباج على ظهرى لدرجة أننى صحوت من النوم وأنا مفزوعة وأصرخ. ونهض والدى ووالدتى وأخواتى من النوم يسألونى عن سبب صراخى. كانت الخادمة فى ذلك الوقت قد دخلت الغرفة وهى تحمل فى يديها صينية وعليها فنجان قهوة كعادتها كلما شاهدت زبونة تدخل هذه الغرفة مع قارئة الفنجان. بعد أن شربت الفتاة فنجان القهوة وأخذته منها قارئة الفنجان وقلبته. وبعد قليل رفعت الفنجان وأمسكت به بين أصابعها قالت للفتاة فجأة: أخرجى من بيتى لا تعودى إلى هنا مرة أخرى.. بكت الفتاة وقالت: إيه اللى حصل ياتانت..؟ قالت قارئة الفنجان: أنت لست فتاة وأنت على علاقة بأكثر من واحد.. ولا أحد يعرف هذه العلاقات إلا واحدة صديقة لك وهى التى كانت سببا فى الخطأ الذى ارتكبتيه وهذه ال «؟» إسمها «؟». أخذت هذه الفتاة تقبل يد قارئة الفنجان وتطلب منها أن تخفى ذلك عن خطيبها الذى حضر معها وأنها سوف تجرى عملية جراحية لهذا الخطأ الذى ارتكبته فى حق نفسها.. ولم تعود إلى طريق الخطأ مرة أخرى قامت قارئة الفنجان من مقعدها وطلبت من الفتاة أن تخرج من الغرفة ولا تعود إلى هذا البيت مرة أخرى. توسلت الفتاة إلىّ - والكلام على لسان قارئة الفنجان - كتمان هذا السر وعدم اخبار خطيبها بالأمر وبأنها ليست فتاة عذراء وظلت تبكى وأمسكت بيدى وقبلتها عدة مرات. وقالت لى: الذى سوف تأمرينى به سأنفذه وسوف أكون مطيعة لخطيبى وكيل النيابة وأترك الآخر. بل واقطع صلتى بأى إنسان اعرفه. المهم أن تقفى معى ولا تتخلى عنى. وتقول قارئة الفنجان: الواقع اننى شعرت بموقف الفتاة خاصة وأنها قد اطلعتنى على أفراد أسرتها ووالدها وأمها. واخواتها وأقاربها وعرفت أنها بنت ناس كويسين ولكن انحرافها جاء بسبب تغيب والدها للعمل فى إحدى الدول العربية واخواتها صغار.. ومن هنا جاء الانحراف حيث لا رقابة عليها وليس هناك من كان يراعى سلوكها ويحاسبها.