جاءت الوثيقة التاريخية التى صدرت عن الأزهر الشريف الأسبوع الماضى وأعلنها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لتكون بمثابة أكبر دعامه للدولة الديمقراطية الحديثة التى يحلم بها الجميع بعد ثورة 25 يناير المجيدة، وجاء تأكيد الوثيقة على رفض الاسلام للدولة الدينية وانه لا كهنوت فى الاسلام ليقضى على المخاوف التى أبدتها بعض التيارات السياسية المدنية من ظهور بعض التيارات المتشددة التى تعمل على تقويض الدولة المدنية وفرض رؤيتها الضيقة لصحيح الإسلام المعتدل، وأثبتت الوثيقة أن الأزهر كعادته دائماً هو منارة وسطية واعتدال الاسلام فى العالم.. د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر قالت إنها تعتبر هذا التحرك من قبل شيخ الأزهر د. أحمد الطيب حتى يواكب الأزهر قضايا المجتمع أمراً يحمد له، لأن هذا جزء أصيل فى تاريخ الأزهر الشريف. وأضافت: بل أستطيع ان اقول إن الأزهر تأخر كثيرا فى هذه المواكبة لما نعيش فيه الآن من ثورة فى كل شىء وأمور تحتاج إلى مساندة الأزهر فى الدخول فى هذه القضايا لتوضيح الرؤية، فالأزهر معروف بتاريخه ووسطيته ولذا فنحن نحتاج منه دوراً أكثر فاعلية وقوة ومواجهة. وتطالب د. آمنة الأزهر بأن يقوم بدوره فى الرد على ما يثار من تصريحات غير ناضجة فيما يخص المرأة مثلا او الليبرالية او العلمانية وأن يواكب فى الرد عليها بمذكرات دائمة التواصل مع المجتمع موضحة أنها تقصد السلفيين الذين يقولون ان المرأة لا تصلح فى أشياء كثيرة لأنها تحيض كأن الحيض سبة.. فهذا كلام غير ناضج وأسلوب منفر بل والنيل من بعض المفاهيم مثل الليبرالية أو الديمقراطية. واختتمت كلامها موضحة أنه لايجب اختزال دور الأزهر فى هذه الوثيقة.. بل عليه أن يتناول كل ما يستجد فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية.. وغيرها. من جانبه يقول د. محمود مهنا أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر إن هذه الوثيقة لاتخالف الشرع ووافق عليها مجمع البحوث الإسلامية، كما أنها تبين مدى سعة صدر الإسلام مؤكدا أنه بقراءة التاريخ تعرف أنه لا توجد دولة دينية فى الإسلام ولا رجل دين بل علماء الإسلام والدليل على ذلك أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه «خرج على أصحابه وقال: «أطيعونى ما أطعت الله ورسوله..» وهذا تأكيد على مدنية الدولة فى الإسلام. وأضاف د. مهنا أن الدولة المدنية التى أكدت عليها وثيقة الأزهر تسوى بين المسلم وغير المسلم أيا كان دينه «فلا تظلمون ولا تظلمون» فالدولة المدنية لاتتنافى مع الشريعة فى حين أن ملخص الدولة الدينية ومفهومها يتمثل فى السماء حيث يأخذ رئيسها أفكاره وأحكامه عن طريق الإله بحيث يكون مفروضاً على الأمم وهذا لم يحدث فى الإسلام. وأوضح أن التوقيت الذى صدرت فيه هذه الوثيقة ملائم جدا فى ظل انتشار وظهور أناس يتاجرون بالإسلام فجاء الأزهر ليبعد هؤلاء وإرساء القواعد الصحيحة فشيخ الأزهر يجيد اللغات ويفهم مرامى الأحكام واستشار المثقفين وعرض الوثيقة على مجمع البحوث فهو لايصدر أمرا إلا بالمشورة. وأكد أن الوثيقة تعد أيضا خطوة جيدة لوقف التعصب الدينى الذى تزايد فى الفترة الأخيرة بشكل خطير حيث تضمنت تجريم الحث على الفتنة الطائفية مطالبا فى النهاية بضرورة التزام القوى السياسية بما جاء فى هذه الوثيقة التى وضعت مبادئ الدولة المدنية. أما يوسف القعيد - أحد أهم المثقفين الذين شاركوا فى صياغة هذه الوثيقة - فقال إن اللقاءات التى جمعتنا نحن المثقفين بشيخ الأزهر كانت بمبادرة من فضيلته، وإنه ليس مختلفا مع شىء مما جاء فى هذه الوثيقة التاريخية، بل أراها فى غاية الأهمية لأنها بشأن مستقبل مصر خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن الوثيقة مطروحة للنقاش ومن حق كل واحد لم يناقشها أن يبدى رأيه حولها. وأكد د. نبيل لوقا بباوى ان الازهر يمثل وسطية واعتدال الاسلام مشيراً إلى ان هذا دوره الطبيعى وخاصة الآن بعد ثورة 25 يناير وبعد أن أصبحت كل التيارات الاسلامية تباشر حقها الطبيعى فى ابداء ارائها حتى ولو اختلفنا معها حيث يمكن تقسيم هذه التيارات إلى تيارات ذات فكر معتدل والبعض الآخر ذات فكر مغالى فيه يرفض قبول الآخر ولديه قناعة أنه الوحيد الذى يمثل صحيح الاسلام.. وأضاف بباوى انه لما سبق فان هناك دوراً وطنياً لحماية الشريعة الاسلامية من المساس بها بالتدخلات السياسية والانحراف بها عن الوسطية والاعتدال ولا يوجد جهة مؤسسية صالحة ولديها قبول مجتمعى لبيان وسطية واعتدال الاسلام سوى الازهر الشريف.. وأكد بباوى أن الوثيقة التى صدرت عن الأزهر نموذج لوسطية واعتدال الاسلام الذى لا يعرف الدولة الدينية ولا يعرف ولاية الفقيه والدليل على ذلك ان الرسول ذاته فى عقد الصحيفة الذى أبرمه مع يهود بنى قينقاع وبنى قريظة الذين كانوا موجودين فى المدينة سمح لهم باقامة شعائرهم الدينية على مرأى ومسمع من المسلمين المهاجرين والانصار.. وعلى هذا فالاسلام يؤمن بالدولة المدنية كما اوضح شيخ الازهر مراراً وكذلك مفتى الديار المصرية إذ ان هذه الدولة تشمل أتباع كل الديانات السماوية وتطبق عليهم القاعدة التى اطلقها الرسول «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» فالجميع إخوة فى الانسانية دون تفضيل جنس على اخر الا بالتقوى.. وشدد بباوى على ان الوثيقة حسمت النزاع القائم بين التيارات الدينية والتيارات السياسية فى شكل الدستور القادم وهل يركز على أن مصر دولة مدنية أم دولة دينية؟ مشيراً إلى أن هذه هى أهم انجازات الوثيقة التى صدرت عن الازهر الشريف.. ووصف المفكر جمال اسعد الوثيقة بأنها شئ جميل ومطلوب اصدارها فى هذه المرحلة تحديداً خاصة عندما تؤكد على مدنية الدولة وانه لا وجود للدولة الدينية ولا الكهنوت فى الاسلام كما انها ركزت على حرية العبادة والعقيدة .. واضاف اسعد انه كان من الجميل ان تصدر الوثيقة من الازهر منارة العالم الاسلامى الوسطية ولكن بوضوح شديد الاشكالية الآن ليست الازهر وافكاره ولا الاسلام ومقاصده، فمواقف الازهر معروفة فهى وسطية معتدلة والمقاصد العليا للاسلام تؤكد حرية الاديان وحرية العقيدة «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولا إكراه فى الدين» ولكن الاشكالية الحقيقية فى هؤلاء المدعين والمتاجرين بالأديان فنجد بعض الجماعات التى تطلق على نفسها مسمى اسلامية متصورة انها بذلك تحتكر الاسلام بمفردها وانهم هم المسلمون فقط وما دونهم لا يدافع عن الاسلام، مما يجعلهم يخلطون بين آرائهم الشخصية وبين صحيح الاسلام والأدهى ان الذى يختلف مع هذه الاراء وتلك الافكار هو غير مسلم من وجهة نظرهم، ولذا مع قناعتنا بهذه الوثيقة واهميتها فالاهم حتى نفعل هذه الوثيقة فانه يجب على كل المؤمنين بها وما جاء فيها من مبادئ وقيم وافكار ان ينزلوا إلى الشارع حيث المواطن البسيط حتى يتم توعية المواطنين بصحيح الاسلام ومقاصده العليا واقناع الجماهير بانه لا كهنوت ولا دولة دينيه فى الاسلام.. من جهته أكد المستشار ادوراد غالب نائب رئيس مجلس الدولة ان الازهر دائماً كان له دور مؤثر فى الحياة المصرية عموماً وفى الوحدة الوطنية على وجه الخصوص واضاف ان الازهر يمثل دور الاعتدال والوسطية وكان من الشئ الذى يثير الاعجاب ان الدكتور احمد الطيب ومعه باقى علماء الازهر الموقرين يدلون برأيهم فى هذه الوثيقة بما يؤكد مدنية الدولة على اساس من المرجعية الدينية التى تقر بمبادئ الشريعة الاسلامية وشرائع غير المسلمين الامر الذى يضمن وحدة وتماسك الشعب المصرى.