نظرات عينيها كلها آسى.. ترى الدموع فيها حائرة بين الحبس أو النزول تجرى وفى يدها طفلة صغيرة.. نحيفة.. ضعيفة البنية.. تجلس الأم وتضع طفلتها فى حضنها وكأنها تخاف عليها أن تأخذها منها.. تبدأ فى حديث متقطع.. ولكنه حديث ذو شجون.. بدأت مأساة الأسرة عندما كانت الطفلة الجميلة الرقيقة تبدأ عامها الثانى.. أى أن عمر المأساة يزيد على أربعة أعوام.. أعوام عاشتها الأم بل الأب والأخوة الثلاثة.. الأسرة المكافحة الفقيرة تنتمى لقرية من قرى محافظة تقع فى شمال الدلتا.. الصغيرة هى آخر العنقود لأب يعمل فلاحا أجيرا بأرض الغير ينتظر نهاية اليوم ليحصل على أجره الذى لا يتعدى جنيهات قليلة لا تفى باحتياجات الأسرة الكبيرة.. الزوجة تحاول أن تساعده بقدر المستطاع فأفواه البنات مفتوحة والبطون جائعة الأسرة كلها تعانى وزادت معاناتها بمرض الطفلة الصغيرة تتذكر الأم ما حدث، طفلتها الحبيبة تملأ الدنيا بصرخاتها وضحكاتها تجرى وتحاول أن تقلد أختها الأكبر منها.. تصرخ لتحملها أية واحدة منهن.. تحملها الأم وتهدهدها وتغنى لها.. الطفلة تناغى وتضحك.. ولكن الصرخات تزايدت.. واختفت الضحكات.. تحولت الابتسامة إلى دموع.. لاحظت الأم أن زهرتها بدأت تذبل.. تحملها فتلتوى بين يديها.. تضع الطفلة يدها على بطنها وظهرها وتبكى وتصرخ يوم والثانى والطفلة يتزايد صراخها.. حملتها الأم إلى الوحدة الصحية.. وصف الطبيب لها بعض المسكنات، ولكن بعد مرور يومين عادت الأم مرة أخرى للطبيب فهى غير قادرة على النوم بسبب الألم، هنا طلب منها الطبيب الذهاب إلى المستشفى المركزى لعرضها على طبيب أخصائى، فهو لا يدرى ما أصاب الطفلة وأنها فى حاجة إلى فحوصات وإمكانات للفحص تفوق إمكانات الموجودة بالوحدة الصحية لم تنم الأم هذه الليلة، فقد تسرب الشك إلى داخلها وتملكها الخوف على طفلتها الصغيرة من قلبها.. فالابنة تعانى من الألم الشديد، طلب منها طبيب المستشفى سرعة إجراء تحاليل وأشعة وكانت المصيبة تكمن داخل كلية الطفلة وظهر مالم يكن فى الحسبان أنها مصابة بورم وهذا يحتاج إلى أطباء متخصصين أكثر من هذا النوع من الأمراض ونصحهم الطبيب بحملها إلى القاهرة للعرض على أطباء المعهد القومى للأورام للتأكد من ماهية هذا الورم، كانت رحلة عذاب وألم وبدأت إجراءات طويلة ومعقدة من التحاليل والأشعة للتأكد من نوعية الورم، وكانت المصيبة الابنة الصغيرة الضعيفة مصابة بورم سرطانى بالكلية اليسرى وأنها فى حاجة لبدء العلاج بجلسات الكيماوى والإشعاعى لحين تحديد ميعاد لإجراء جراحة لاستئصال الكلية التى نهشها السرطان وأصبحت غير ذى نفع للطفلة بل عبئاً عليها وعلى جسدها وقد تؤدى إلى هلاكها.. أسابيع قليلة بين أروقة المعهد إلى أن دخلت غرفة العمليات وتم استئصال الورم وعادت إلى قريتها على أن تتردد على المعهد لمتابعة جلسات الكيماوى والإشعاعى ولكن لم تمر شهور قليلة إلا وبدأت الطفلة تعانى مرة أخرى وتصرخ وتبكى من الألم.. قام الأطباء بعمل أشعة وتحاليل وتأكد لهم أن المرض ارتد من أخرى ولكنه هذه المرة أصابها بالكلية اليمنى.. وحجزت الطفلة بالمعهد مرة أخرى لتتلقى علاجاً مكثفاً كيماوياً لمحاصرة المرض الذى بدأ يقضى على الطفلة. مشوار طويل مع المعاناة والألم.. معاناة الصغيرة مع المرض القاسى وألم الأم من رؤيتها لفلذة كبدها وهى تخضع للعلاج من ناحية والألم على بناتها اللاتى تتركهن مع أبيهن الذى يعمل من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس فى محاولة لتوفير قوت الأسرة اليومى، ولكنه غير قادر على توفيرمصاريف علاج الطفلة وانتقالها من وإلى القرية، وتضطر الأم إلى مد يدها طلبا للمساعدة فهل تجد؟.. من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية؟