انتشرت الأنباء فى المدينة بأنه على قمة الجبل القريب من الحدود يوجد كنز عظيم سيظفر به من يصل إليه لاقت هذه الأنباء ترحيبا عند مجموعة من الناس ، فشدو الرحال نحو سفح الجبل استعدادا للصعود. وبينما هم يبحثون عن الطريق الذى يبدأون منه رحلتهم، سرعان ما اكتشفوا أن بسفح الجبل طرقا متعددة للصعود. فأخذ يتجولون لاستكشافها واختيار أحدها. وعند كل طريق كانوا يسألون المقيمين فيه إذا ما كان هذا الطريق أو ذلك يؤدى لقمة الجبل، فيؤكد لهم أصحاب كل طريق أن طريقهم هو الأفضل، بل هو الوحيد الذى يمكن للمسافرين فيه أن يصلوا لقمة الجبل. أصابت المسافرين الحيرة والارتباك لأنهم لا يعرفون من يصدقون. وقرر ثلاثة ممن يتمتعون بالشجاعة وحب المغامرة أن يسلكوا أقرب طريق منهم وفعلا بدأوا منه رحلة الصعود. وبينما هم فى اتجاهم للقمة، مروا بهضبة واسعة، حيث فوجئوا بسماع صوت قادم من قمة الجبل يناديهم، ورغم أن الصوت كان ضعيفا إلا انة كان مسموعا بوضوح وهو يقول لهم « إن كل الطرق تؤدى إلى قمة الجبل» قرر الرجال العودة إلى حيث كانت باقى المجموعة تنتظر حتى يطمئنوهم ويبلغوهم بالرسالة التى استمعوا إليها ويزيلوا عنهم كل قلق أو تردد. غمرت الفرحة مجموعة المرتحلين وانطلقوا فى حماسة شديدة يلفون حول سفح الجبل ليقولو لكل مجموعة من المقيمين عند الطرق المتعددة إنهم جميعا على حق، وأن كل طريق يؤدى إلى قمة الجبل وبطبيعة الحال تباينت ردود أفعال المقيمين عند كل طريق تجاه ما سمعوه من المرتحلين، فبعض منهم صدق ما جاء فى الرسالة، وبعض منهم رفض هذه الرسالة تماما، ولم يمنع هذا المرتحلين من أن يجوبوا جميع أرجاء السفح ليبلغوا المقيمين عندها بما عرفوه وهو أن «كل الطرق تؤدى إلى قمة الجبل». والملاحظ أن كل المقيمين عند الطرق المتعددة بسفح الجبل، استمر كل فى الحديث عن أفضلية طريقه، ولكن لم يفكر أحد منهم أن يسير فيه لصعود الجبل!! البداية.. والصعود هذه القصة من الأدب الصوفى ثرية برموز كثيرة . فقدت بدت لى « المدينة» كأنها كوكبنا الأرضى والانباء التى انتشرت بوجود « كنز فوق قمة الجبل» هىالرسالات التى جاءت من السماء تبلغ الإنسان أن عليه أن يذهب «فى رحلة صعود» إلى الحياة الحقيقية ببذل بعض الجهد (قمة الجبل) لينال ثمرة جميلة موجودة فيها (الكنز). أما «المرتحلون» فهم هؤلاء الذى صدّقوا الرسالات واعتزموا القيام برحلة الصعود. والطرق المختلفة عند سفح الجبل ترمز إلى «التعاليم والطقوس» الموجودة فى الديانات المتعددة. أما المقيمون عند كل طريق فهم المتابعون للديانات المختلفة التى يعتقد كل فريق منهم أن طريقه فقط هو الذى يؤدى للنجاة. حيرة المسافرين وهم لا يعرفون من أين يبدأون تشير إلى حال الناس الذين صدقوا الرسالات، وهم مستعدون لخوض الرحلة ولكن عندهم بعض التشكك أو التردد الذى يعيقهم، لأنهم يريدون «الطريق المضمون» قبل أن يخطوا أية خطوة. أما الرجال الثلاثة الذين تمتعوا ببعض الشجاعة فهم يرمزون للصفوة من عباد الله الصالحين الذين اختاروا أن «يسيروا» فى الطريق الصعود من خلال الطريق المتاح. أى أنهم تحملوا المشقة ليصلوا إلى الحقيقة، وهم عندما وصلوا لمكان متسع ورحب وممتد «الهضبة» وصلتهم معرفة يقينية علوية (الصوت الذى ناداهم من قمة الجبل) ليقول لهم الخبر اليقين: «إن كل الطرق تؤدى الى قمة الجبل»، بمعنى أن كل رسالة أو ديانة، أو حكمة بها من «الوسائل» ماإن اتبعها الإنسان ستأخذة لأعلى، فجميعها يحتوى على دعوة الإنسان لنفس القيم من المحبة والسلام والعطاء والكرم والتسامح والغفران، وكلها تدعو الإنسان للعمل الذى يعكس هذه القيم فيكون نافعا وخادما لمن حوله. العودة والدعوة النشوة والغبطة والفرحة التى ملأت صدور الرجال الثلاثةإنما تعبر عن «المحبة الغامرة» التى تسكن قلوب عباد الله وأوليائه للبشر جميعا، وتعبر عن نفسها فى تبشير جميع الناس بأن لديهم الوسائل التى تمكنهم من بلوغ الرقى الإنسانى.. الحياة الحقيقية.. السعادة الأبدية (الوصول لقمة الجبل) التى تنتظرهم إذا ما عاشوا حياتهم الدنيا كرحلة يسلكون فيها الطرق المتعددة للرقى (صعود الجبل). إنها رحلة شاقة لأنهم يسيرون عكس الجاذبية الأرضية، «أى التدنى»، والاكتفاء باحتياجات المادة، ومع ذلك ففى داخلهم نزوع فطرى للصعود يجعلهم قادرين على تحمل مشقة الرحلة، والصبر عليها. بتلك البشرى يعود عباد الله الصالحون من «تجربتهم الروحية» التى خبروا فيها الحقيقة وتذوقوا الجمالات، ليبشروا أخوانهم وأهليهم ألايتثاقلو إلى الأرض بل يبدأون رحلة الصعود من اى طريق فكلها تؤدى للفلاح وللرقى ولبلوغ الهدف الأكبر (الاتجاه نحو قمة الجبل). ولكن هل يصدق جميع البشر دعوة الصالحين؟ كلا إن كثيرا منهم يرفضون، لأنهم ينحصرون فى قشور المعرفة (سفح الجبل). وفى منطقة محدودة من الوعى (بداية الطريق) لايوجد لديهم أى مدلول لما يدعونهم إليه من ذاقوا الصعود. عند القشور يكتفون بأن يتحدثوا.. ويتشدقوا.. بأن طريقهم وحده هو أفضل من كل الطرق ، ويكتفون بذلك. وبعض آخر قد يصدق من يقول: أن «كل الطرق تؤدى لقمة الجبل» لكنهم أيضا يكتفون بترديد ذلك، ولا يحاولون أن يخبروا بأنفسهم من الوصول للمنطقة الرحبة (الهضبة) التى يلتقى فيها جميع السالكين.. من كل الطرق المختلفة. من تشبه؟ تعلمنا القصة الصوفية أن الإنسان بطبيعته ينشغل بالحديث عن دينه على أنه أفضل الأديان، أو الدين الوحيد الحق، والدين الوحيد الذى ينجو به البشر، وفى قمة هذا الانشغال ينسى أن يخطو خطوة واحدة نحو الحياة الحقيقية، النقية التى يدعو لها دينه. ونفس هذا الشخص لا بد أن يشعر بالأفضلية والتكبر على الاَخرين لمجرد أنه ينتمى للدين الذى يعتبره أفضل . فتظهر لنا القصة التناقض الفظيع فى حال مثل هذا الإنسان، فهو فى الوقت الذى يعتبر دينه أفضل الأديان(الطريق الوحيد الذى يؤدى الى قمة الجيل) فهو لا يفعل ما يناديه اليه (رحلة الصعود). فهل هو بذلك يكون حقا أفضل من شخص اَخر من طريق اَخر سلك طريقه اتجاها لأعلى(لقمة الجبل)؟ ليس من اهداف القصة - كما قرأتها - أن تفاضل أو تساوى بين الأديان (الطرق) فكل إنسان من حقه أن يعتبر أن دينه أفضل الأديان بالنسبة له، بل هى توضح أن بيت القصيد بالنسة لأى إنسان هو أن «يعيش» ما يقوله ، وانه حين يفعل ذلك سيجد نفسه يلتقى فى منطقة ما مع أناس اَخرين «عاشوا» ما يعتقدة فيصل الجميع لنفس النتيجه أو الثمرة. والعكس أيضا صحيح، فمن يكتفون بالكلام، ويستكبرون بما لديهم على الاَخرين، فهم أيضا جميعا لا يدركون أى شئ بتكاسلهم وتخاذلهم، مهما كان ما لديهم من تعاليم ثمينا وحقيقياً. المشكلة دائما فى الإنسان نفسه! وإذا كان هذا ينطبق على حال الناس فى الديانات المتعدددة، فهو ينطبق أيضا على الاتجاهات المختلفة داخل الدين الواحد، وما يحدث فيه من انفسامات. كما ينطبق على ميل الناس إلى حصر أنفسهم فى انتماءات محددة ينغلقون فيها على انفسهم وفى حالنا الاَن فى مصر:(صوفى- سلفى- إخوانى- أزهرى- ليبرالى- يسارى- علمانى....). هل يكفى أن يقف أصحاب كل اتجاه(مثل المقيمين عند كل طريق بسفح الجبل) عند القول بأن فكره هو وحده الصحيح؟ أم يجدر بنا أن نصدق أن كل اتجاه به شىء ما يؤدى للوصول للقمة؟ بمعنى اَخر يجب ألا نفعل مثل أصحاب القصة وهم يدعون الأفضلية بينما لا يتحركون نحو الأعلى. إذا صدقنا أن القضية هى أن «نصعد الجبل»، لاان نتحدث عن «أفضلية كل طريق»فالن نقف عند الجدل اللفظى، وبالتالى لن نعطل بعضنا البعض، بل سنحفز بعضنا البعض على الصعود، وسنلتقى فى مساحة ما تتسع لنا جميعا. وسنصل للكنز الذى فوق القمة معا، فهو يكفينا جميعا.. ويغنينا جميعا. تدريب: راقب نفسك.. هل تتحدث عن طريقك «لصعود الجبل.. أم تصعده فعلا؟ هل وصلت إلى الهضبة؟