رغم الظروف التى يمر بها آل مبارك فى شرم الشيخ والقاهرة فإن العلاقة بين الأخوين جمال وعلاء فى سجن طرة، ليست على ما يرام، حيث أكد شهود عيان أن علاء اختلف مع جمال أكثر من مرة ورفع صوته عليه أمام هشام طلعت مصطفى، ويرفض الجلوس أو الأكل معه، أو حتى النظر إلى وجهه لكونه المتسبب فى المصير المجهول الذى آلت إليه عائلة مبارك، ودوره فى مسح تاريخ والده بأستيكة، وتدخله فى شئون الحكم، عن طريق أمانة السياسات واستعانته بمجموعة من اللصوص تسببت فى هدم المعبد على من فيه بدعم من أمه سوزان ثابت التى أرادت أن تكون سيدة القصر حتى آخر رمق فى حياتها. أسرار خلافات آل مبارك فى قصر العروبة، وشرم الشيخ، وسجن طره، وحكاية جمال مع المال والأعمال.. كثير من الحقائق والأسرار فى سطور التحقيق التالى. الخلافات بين جمال وعلاء كانت قد بدأت منذ وقت مبكر عندما طمح هذا الشاب الصغير - جمال - فى رئاسة الجمهورية خلفا لوالده بدعم من أمه سوزان صالح ثابت التى أرادت أن تتقمص شخصية الملكة نور أم الملك عبد الله، والتى مازالت رابضة والآمر الناهى فى القصور الملكية الأردنية، متناسية أن مصر التى يتجاوز عدد سكانها ال 85 مليونا لن تكون مثل الأردن وهى المملكة التى لا يتعدى عدد سكانها ال 10 ملايين نسمة على أقصى تقدير. ولتحقيق هذا الهدف كما يقول مجاهد نصار - رجل أعمال - فقد عاد جمال من لندن التى قضى فيها ردحا من الزمن ليؤسس عام 1998 جمعية «جيل المستقبل»، ويضم فى عضويتها رجل الأعمال الشهير أحمد عز الذى كان يشار له بالبنان فى الحزب الحاكم، حيث يأمر فيطاع، كما ضم فى عضويتها الكثير من أعضاء حكومة ليمان طرة حاليا، أمثال أحمد المغربى وزير الإسكان السابق ورشيد محمد رشيد وزير الصناعة الهارب. ولترويج جمال مبارك سياسيا ألف صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطنى والمحبوس حالياً فى سجن طرة حدوتة أمانة السياسات والتى استطاع من خلالها التدخل فى شئون الحكم بمساعدة مجموعة من الحرس الجديد أمثال محمود محيى الدين وزهير جرانة، ويوسف بطرس غالى وعلى رأسهم رئيس حكومة القرية الذكية سابقا وحكومة طرة حالياة أحمد نظيف. هذا وقد أثارت تصرفات وطموحات جمال حفيظة علاء مبارك الذى رأى أن جمال يريد القفز على كرسى الرئاسة، ومنافسة والده فى سدة الحكم خاصة أنه استعان بمجموعة من رجال الأعمال اللصوص الذين سرقوا أمام عينه خيرات البلد وايداعها فى حسابهم الخاص. فى هذا الوقت المبكر رفض علاء - كما يقول مجاهد - مشاركة جمال فى أى مشروع سياسى، وفضّل الإقامة فى لندن لتدوير الأصول الخاصة بشركة «ميد إنفست» العاملة فى مجال الأسهم والشركات والتى أسسها الأخوان جمال وعلاء لتكون حلقة الوصل بين استثمارات آل مبارك فى الداخل والخارج. ويؤكد جمال عبد المقصود النائب السابق بمجلس الشعب أن علاء مبارك كان حتى وقت قريب محل احترام قطاعات كبيرة من الشعب المصرى، وذلك لعزوفه عن السياسة، وانشغاله بتدوير أمواله فى لندن، وإنشاء شركات متعلقة بالتصدير والاستيراد وتجارة العقارات والاستثمار فى البورصة والإشراف على أموال أخيه جمال والتى ثبت أنه أودعها فى بنك «أوف أمريكا» وهو البنك الذى استغله جمال فى بيع وشراء ديون مصر عن طريق استبدال تلك الديون بأسهم وسندات تجارية، كما جاء على لسان الرئيس السابق مبارك فى حواره مع الصحفى الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد المنشور بجريدة المصور عام 1993 بمناسبة الاستفتاء على رئاسة الجمهورية. علاء حبيبى وبعد تراجع صحة الرئيس مبارك فى السنوات العشر الأخيرة، وإصابته بسرطان البنكرياس، ونقله إلى مستشفى كوبرى القبة العسكرى إثر إصابته بنوبة دوران تبعتها غيبوية قصيرة أثناء افتتاحه إحدى جلسات مجلس الشعب. بعد كل هذه الأحداث عاد علاء من الخارج ليكون بجوار والده فى أيامه الأخيرة، وقد ثبت من خلال تصريحات د. حاتم الجبلى وزير الصحة الأسبق أن الرئيس السابق طلب ابنه علاء ليرافقه فى رحلة العلاج الشهيرة بألمانيا، والتى أجرى فيها الرئيس السابق عملية جراحية بالعمود الفقرى، وكلف د. أحمد نظيف ليقوم بمهام رئيس الجمهورية، وهو ما أثار حفيظة جمال وقتها. وتمر الأيام وتقوم ثورة 25 يناير ويطالب الثوار بعد يوم 28 يناير برحيل مبارك عندها طلب علاء من والده الخروج من القصر الجمهورى بصورة مشرفة من مقر الرئاسة، وإعلان خطاب التنحى، وتعيين اللواء عمر سليمان نائباً له، والإقامة فى شرم الشيخ بعيداً عن القاهرة ومشاكلها، إلا أن جمال رفض كل هذه الحلول بدعم من أمه، وفضّل استخدام لغة القوة، وعودة الهدوء على جثث الشهداء وتأمين كرسى الرئاسة واقنع والده بالانتظار إلى أن خرجت الأمور عن السيطرة، وتدخل الجيش وأعلن مبارك تخليه عن السلطة فى 11 فبراير فى صورة لم يسبق لها مثيل ليظل خطاب عمر سليمان علامة فارقة فى تاريخ مصر. وفى شرم الشيخ بدأت المواجهة بين الأخوين علاء الأكبر الذى يعشق أبيه، وجمال الأصغر الذى يعشق أمه، حيث ألقى علاء مسئولية ما حدث لأبيه على أخيه وأمه، الذى نجح فى مسح تاريخ والده بأستيكة، وتحكم فى القصر الجمهورى والحزب الوطنى ورئاسة الحكومة وعاونه فى ذلك مجموعة من اللصوص مصوا دماء الشعب وسرقوا دعم المواطن الفقير، وشوهوا صورة مبارك الذى خدم البلاد لأكثر من 60 عاماً على حد تعبير الرئيس السابق فى خطاب التنحى. وفى سجن طره اشتدت وتيرة الخلافات بين «الإخوة الأعداء» جمال وعلاء حيث أكدت مصادر خاصة لأكتوبر أنهما لا يلتقيان إلا عند النوم لدرجة أن علاء لا يريد رؤية جمال ويرفض الكلام معه أو النظر إليه، وأن أغلب وقته يقضيه مع رجل الأعمال السابق هشام طلعت مصطفى والمتهم فى قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم نظراً للعلاقة القديمة بينهما، والروح الطيبة التى يتمتع بها هشام دون غيره من رجال الأعمال، ومحدثى النعمة من الوزراء والمسئولين السابقين. ويضيف المصدر: أن علاء أصابته نوبة من البكاء الهستيرى عندما علم أن والده رفض تناول الطعام والعلاج، وأنه يمر بظروف صحية ونفسية صعبة ورفض فى هذه الليلة رؤية شقيقه جمال لإيمانه بأنه سبب كل «البلاوى» التى نزلت على «رأس» العائلة بعد شيوع فكرة التوريث. كما أن علاء طلب من زوجته هايدى اصطحاب طفلها عمر والذهاب باكر إلى مستشفى شرم الشيخ للاطمئنان على أبيه قبل عودتها إلى القاهرة، وهو ما حدث بالفعل حيث قضت هايدى أكثر من نصف ساعة مع الرئيس السابق قبل رجوعها فى الوقت الذى رفضت فيه خديجة الذهاب إلى شرم الشيخ بناء على تعليمات من سوزان مبارك. ومن الملاحظ كما يقول المصدر الخاص أن حالة علاء الصحية مرتبطة ارتباطا وثيقا بصحة والده، فهو بخير إذا سمع عن والده خيراً، كما أنه يصاب بكل أمراض الدنيا إذا أحس أن والده فى خطر. قدر ومكتوب وفى الوقت الذى استسلم فيه علاء مبارك لقضاء الله وقدره واعترافه بأن «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين» كما يقال فإن جمال مازال مندهشاً وغير مصدق لتلك النهاية المؤلمة كما يقول المستشار مرتضى منصور، والذى سجن مؤخراً 15 يوما فى قضية موقعة الجمل، وذلك بسبب «سى دى» مفبرك قدمه أحد المحامين الذى كان يرتبط بخصومة شخصية مع المحامى الشهير، حيث نجح مرتضى فى تقديم «سى دى» حقيقى، يثبت فيه لهيئة المحكمة أنه كان فى ميدان مصطفى محمود، ولكنه لم يحرّض على قتل المتظاهرين كما ادعى ال «سى دى» الملفق. وعلى مسئولية المصادر المطلعة فإن جمال مبارك يمر الآن بظروف نفسية صعبة، ويرفض التريض فى حديقة السجن، أو حتى زيارة فتحى سرور أو صفوت الشريف بصفتهما من أكبر المساجين سناً، ويفضل العزلة التامة، والبعد عن أعضاء حكومة ليمان طره، أو حتى الانصياع لنصائح هشام طلعت مصطفى الذين يطلقون عليه لقب «الزعيم»، حيث يعد أكثر المساجين خبرة ودراية بأحوال النزلاء الجدد. ويبدو أن هول المفاجأة والدهشة أو عدم التصديق أصاب نجل الرئيس السابق بهزال شديد وضعف عام فى صحته، وصداع مستمر فى أسفل الرأس وتقلصات فى المعدة وأرق دائم منعه من الراحة نهاراً والنوم ليلاً، حيث نصحه طبيب السجن بشرب السوائل والتركيز على عصير الليمون واللبن لأنها تساعد على هدوء الأعصاب. جمال والعادلى ولم تتوقف الخلافات على الشقيقين علاء وجمال فحسب، ولكنها امتدت بين جمال وحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، والذى وصفه جمال ب «ناكر الجميل» وذلك بعد أن ألقى بتهمة قتل المتظاهرين على الرئيس مبارك وباقى قيادات الداخلية المساعدين، وعلى رأسهم إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة، وعدلى فايد مدير قطاع الأمن العام، وحسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة المنحل، وأحمد رمزى رئيس قطاع الأمن المركزى. وبعيدا عن علاء وجمال، فقد شهد سجن مزرعة طره كثيرا من المواقف الإنسانية المؤلمة منها أن صحة صفوت الشريف تراجعت بشكل ملحوظ، نظراً لعمره المديد الذى اقترب من الثمانين، وسماعه خبر التحقيق مع أولاده، وتجميد أرصدتهم فى البنوك، بالإضافة إلى مجموعة الأمراض التى استيقظت فجأة بعد فترة سكون استمرت عشرات السنين، وكأنها كانت تتحين الفرصة لتنهش عظام هذا الرجل الذى التحق بجهاز المخابرات فى الستينات، وعمل مع صلاح نصر فى العصر الذهبى، ورأس الهيئة العامة للاستعلامات خلفاً للكاتب الصحفى الكبير مرسى سعد الدين الذى قال لأكتوبر: أنا لا أحب التشفى أو الانتقام أو تصفية الحسابات، خاصة أن صفوت الشريف كان ملء السمع والبصر، وأمين عام الحزب الوطنى ولا يجوز لرجل فى سنى أن ينتقم منه أو يقطّع فى جسده. تقارير صفوت وفى نفس السياق يقول د. مرسى سعد الدين - بعد إلحاح أكتوبر - أن صفوت الشريف تسبب فى إقالتى من هيئة الاستعلامات، وأوعز إلى جيهان السادات - آنذاك - أننى ضد رئيس الجمهورية وضد السلام مع إسرائيل، وقال إن مرسى سعد الدين يرفض مبادرة كامب ديفيد، وكتب تقارير سرية لرئاسة الجمهورية بأننى أساعد على إحياء الحزب الشيوعى لضرب الحركة الإسلامية التى يدعمها الرئيس السادات فى الجامعات، كل هذا ليتولى رئاسة الهيئة، وقد كان ومع ذلك - كما يقول د. مرسى - فهو شخصية مرتبة، ويعرف من أين تؤكل الكتف، وعقليته المخابراتية ساعدته على حماية نفسه من أى مخالفات يمكن أن تدينه فى أى منصب تولاه. وللضغوط النفسية أيضاً تعرض د. أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق لأزمة قلبية مفاجئة تم على أثرها إجراء بعض الفحوصات كما نصحه طبيب المستشفى بالراحة التامة وتناول الوجبات الثلاث، وتعاطى الدواء فى مواعيده المقررة. وقد أشارت مصادر من داخل سجن طره أن د. طارق نجل د. سرور قد زاره مؤخراً لمدة ساعة وأحضر له مجموعة من الوجبات الساخنة والعصائر والأدوية فى حين طلب منه د. سرور كتابة مذكرة جديدة وإرفاقها فى ملف القضية مع التركيز على نقاط معينة قد تحمل فى طياتها أدلة براءة د. سرور من التهم المنسوبة إليه. حالة نظيف كما تعرض د. نظيف لحالة قىء وإسهال شديدين جعلته ملازما لحمام الزنزانة 24 ساعة، وذلك جراء تناوله بعض العصائر المعلبة، وقد وصف الأطباء حالته «بتلبك معوى» وقد استقرت صحته بعد تناوله الدواء اللازم، وبعض الأدوية المهدئة لضبط حالته النفسية. وفى لقاء خاص مع أكتوبر اعترف المستشار مرتضى منصور - المفرج عنه مؤخراً من سجن طره - أنه أول مرة يشعر بالظلم والمرارة بعد سجنه فى قضية لا ناقة له فيها ولا جمل بحجة التحريض على قتل المتظاهرين فى ميدان التحرير، مؤكدا أنه طوال حياته ضد الحزب الوطنى، والدليل تلك القضية التى رفعتها ضده فى مجلس الدولة مطالباً فيها بحل الحزب بعد الانتخابات الأخيرة لفشله فى إدارة الحياة السياسية. وتابع كرتضى أنه سجن 5 مرات، كانت هذه القضية من أكثر القضايا التى تعرض فيها للظلم، بالإضافة إلى قضية د. سيد نوفل رئيس مجلس الدولة الراحل الذى اتهمنى فيها بالسب والقذف وقد تم تلفيق قضية نوفل بتحريض من زكريا عزمى وأحمد نظيف. وأضاف مرتضى منصور أن إدارة السجن تطبق القانون بحذافيره، وأنها قامت بسحب التليفونات والمتعلقات الخاصة من المتهمين، وأنها فعلت ذلك معى، ولا فرق فى مزرعة طرة بين صغير وكبير، والسيادة فى طرة للقانون وليس لأركان النظام السابق كما يدعى البعض. وعن حكومة ليمان طره ونجلىّ الرئيس السابق يقول المستشار مرتضى منصور إنهم يمرون بظروف نفسية سيئة، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إنهم يعاملون أسوأ معاملة، والملاحظ كما يقول إن علاء مبارك مازال متماسكا إلى أقصى درجة ويتعامل بأدب جم مع كل الموجودين، عكس شقيقه جمال الذى التزم الصمت والعزلة، وشغل نفسه ووقتة بقراءة القرآن. ويتذكر مرتضى قائلاً: رأيت وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى يشرب من نفس الكأس التى كان يشرب منها المعتقلون السياسيون، كما قرأت فى عينيه روح الانكسار، هذا على عكس أنس الفقى الذى سمعت أنه يذهب يوميا لزيارة أسامة الشيخ بعد أن تدهورت حالته الصحية.