أقرأ معى البيان الذى أصدره ائتلاف شباب الثورة مؤخراً بشأن أحداث قنا.. تعرف بالضبط أبعاد المشكلة وما يمكن أن تؤدى إليه من تداعيات خطيرة.. يقول البيان إن الائتلاف يدين التظاهرات المطالبة بإقالة محافظ قنا بسبب ديانته.. وأنه - الائتلاف - يعتبر أن السبب هو استغلال البعض لجو حرية التعبير والانفتاح الذى تشهده مصر هذه الأيام - سواء بقصد أو عن غير قصد - للنفخ فى بوق الفتنة الطائفية وتعميم التعصب الطائفى وهو ما يمثل أكبر خطر يهدد ثورة 25 يناير ويخدم أعداءها.. اقرأ بعد ذلك ما يقوله ويردده المتظاهرون والمعتصمون فى قنا والذين يبلغ عددهم حوالى 20 ألف متظاهر.. يقولون إن تعيين اللواء عماد ميخائيل محافظا لقنا يخالف الشرع.. وأن هناك جزئيات وإشارات كبيرة فى القرآن والسُنّة تشير إلى ذلك!.. ثم هذه الأحداث التى تشهدها محافظتا المنياوالإسكندرية والتى تعكس بشكل أو بآخر ظلال فتنة طائفية.. وليس أمامنا بعد ذلك كله إلا الاعتراف بأن قنا وأخواتها تمثل تهديدا خطيرا لمصر وأمن مصر.. وتمثل فى نفس الوقت واحداً من أقسى وأصعب الاختبارات التى تدخلها مصر.. وحكومة مصر!.. الحكومة من جانبها فرضت على نفسها هذا الاختبار القاسى والصعب، بعد البيان الذى أصدره مجلس الوزراء وأكد من خلاله أن ما يحدث فى محافظة قنا لا يمكن السكوت عنه.. خاصة مع انتهاك سيادة القانون وتكدير الأمن العام وتعطيل المرافق ومصالح المواطنين وتهديد الحياة الاقتصادية.. الحكومة تريد أن تقول إن المظاهرات والاعتصامات التى تشهدها قنا تمثل انتهاكا واضحا وصريحا لسيادة القانون.. وأن هذه المظاهرات والاعتصامات تكدر الأمن العام وتعطل مصالح المواطنين وتؤثر سلبيا فى الاقتصاد المصرى.. لأن المتظاهرين والمعتصمين عطّلوا تماما حركة القطارات وهو ما يصيب حركة السياحة فى محافظات الصعيد بالشلل.. إلى جانب تعطيل مصالح المواطنين. ليس من المنطقى بالطبع أن يكون هذا البيان هو كل ما فى جعبة الحكومة ومقدرتها.. لابد أن هناك خطوات وإجراءات ستلجأ لها الحكومة لمواجهة انتهاك سيادة القانون.. خاصة وأنها ترفع شعار سيادة القانون وتقول وتؤكد أنه لا يوجد أحد فى مصر فوق القانون! عمليا الحكومة تحاول قدر استطاعتها مواجهة حالات البلطجة والاعتداء على ممتلكات وأرواح المواطنين وترويعهم.. لكنها فى هذه الحالة تتعامل مع أفراد أو أعداد محدودة من هؤلاء البلطجية والخارجين عن القانون.. لكن كيف ستتعامل مع نحو 20 ألف متظاهر ومعتصم يهددون بأن تتحول تظاهراتهم إلى مظاهرة مليونية؟!.. الحكومة فى نفس البيان الصادر فى هذا الشأن قامت بتفويض وزير الداخلية لمواجهة أعمال الخروج عن القانون فى قنا بما يضمن أمن المواطنين والتشغيل المنظم للمرافق العامة.. لا أفهم فى الحقيقة معنى هذا التفويض لأن وزير الداخلية ووزارة الداخلية كلها واجبهما الأساسى هو مواجهة أعمال الخروج عن القانون.. لكن هل تستطيع وزارة الداخلية فى ظل الظروف الحالية مواجهة هذا الخروج الجماعى عن القانون؟!.. هل فى إمكانها التعامل مع تظاهرات واعتصامات بمثل هذا الحجم فى قنا؟! ثم إن تفويض وزير الداخلية من قبل مجلس الوزراء يعود بنا إلى نظرية المواجهة الأمنية.. أو الاعتماد على الأمن وحده.. ولم يعد مقبولا ولا ممكنا الاعتماد على هذه النظرية.. فكيف سيتعامل مجلس الوزراء - عمليا - مع المشكلة؟!.. كيف ستواجه الحكومة - وليس وزارة الداخلية وحدها - هذا الخروج الجماعى عن القانون؟!.. فى كل الأحوال الحكومة أمام اختبار قاس وصعب.. لكن الحقيقة أن الاختبار الذى تواجهه مصر.. أقسى وأصعب! *** ليس هناك شك فى أن مشكلة الفتنة الطائفية تضع مصر كلها فى منعطف خطير.. وليس هناك شك فى أن ما يحدث فى قنا وما حدث من قبل وما حدث بعد ذلك يؤكد أن هناك أصابع - لم يعد منطقيا أن نصفها بأنها خفية لأنها معلنة وفى منتهى الوضوح - أصابع تدفع مصر دفعا نحو هذه الفتنة.. تقارير كثيرة تشير إلى الإخوان المسلمين والسلفيين.. وهناك تقارير تؤكد أن الإخوان قادوا المظاهرات فى قنا مع السلفيين ثم انسحبوا منها بعد أن أشعلوا الموقف تاركين الأمر للسلفيين والبلطجية! ما يردده المتظاهرون والمعتصمون من هتافات وما يحملونه من شعارات تستنكر أن يكون المحافظ قبطيا.. يؤكد أن المشكلة فى قنا لها بُعد دينى واضح.. وأنها صورة واضحة من صور الفتنة الطائفية. المفارقة أن كل التيارات الدينية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين أعلنت أكثر من مرة تمسكها بمبدأ المواطنة وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحى.. بل إن بعض قيادات هذه التيارات أطلقت تصريحات أكدت من خلالها أنها لا تمانع فى أن يتولى رئاسة مصر قبطى إذا اختاره الشعب.. فإذا بها تقيم الدنيا ولا تقعدها لأن محافظ قنا قبطى.. فكيف نصدق دعواها فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية إذا كان هذا موقفها من منصب المحافظ؟! المشكلة أننا ننزلق بسرعة وسهولة إلى مستنقع الفتنة الطائفية! فى محافظة المنيا وبالتحديد فى قرية أبو قرقاص - وفى أعقاب أحداث قنا - تحول خلاف بين عائلتين بسبب 3 مطبات صناعية إلى فتنة طائفية لمجرد أن تصادف أن إحدى العائلتين مسلمة والثانية مسيحية! محام مسيحى أقام أمام منزله 3 مطبات صناعية اعترضت عليها عائلة مسلمة من الجيران فقامت بإزالتها.. ووقع صدام بين العائلتين.. عائلة المحامى المسيحى وعائلة المسلمين المعترضين.. وفجأة انقلبت الأمور وتصاعدت إلى مصادمات بين مسلمى القرية ومسيحييها. فاتورة الصدام كانت مريعة.. اثنين من القتلى وخمسة مصابين ثم بعد ذلك تم قطع طريق مصر أسوان السريع وتم حرق 6 منازل لأقباط وتدمير عدد من المحال والسيارات الخاصة.. وكالعادة تدخلت قوات الجيش وضربت حصارا حول القرية لمنع تدهور الموقف أكثر من ذلك! وفى محافظة الإسكندرية وقعت أحداث أخرى كان سببها المباشر هو اختيار الدكتور عصام سالم رئيس جامعة الإسكندرية السابق.. محافظا للإسكندرية. خلال المظاهرات التى خرجت تعترض على هذا الاختيار قام عدد من المنتمين للحزب الشيوعى المصرى (تحت التأسيس) برفع صور المحافظ الجديد ولافتات التأييد له.. فتصدى لهم جماعة الإخوان المسلمين.. وتحولت المظاهرات إلى صدامات كادت أن تتحول إلى مجزرة لولا تدخل العقلاء. هل يستطيع أحد أن ينكر أن وقوع صدام بين الإخوان والشيوعيين يحمل بُعدا دينياً وطائفياً؟!. الأهم - هل يمكن التعامل مع هذه الأحداث التى وقعت مؤخراً فى محافظات قناوالمنياوالإسكندرية بمعزل عن الأحداث التى سبقتها.. أحداث كنيسة أطفيح وحادث قطع الأذن وأحداث «غزوة الصندوق» التى أعقبت الاستفتاء على التعديلات الدستورية؟! هل يمكن التعامل معها بمعزل عن محاولات السلفيين الاستيلاء على مسجد النور بالعباسية وإقصاء الإمام عن الصعود على المنبر؟! ثم هذا الحديث الغريب عن فرض تطبيق الحدود على المسلمين وغير المسلمين والذى جاء على لسان أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين؟! هل يمكن التعامل مع هذه الأحداث بمعزل عن الذين خرجوا يطالبون بتحرير «كاميليا شحاتة» من قبضة الكنيسة؟! *** الحكومة كما ذكرت تواجه اختبارا قاسيا وصعبا فى قنا.. إما أن هناك دولة تحترم مبدأ سيادة القانون.. وإما الاعتراف بالفوضى.. لكن الحقيقة أن مصر كلها كما ذكرت أيضاً تواجه الاختبار الأقسى والأصعب.. اختبار الفتنة الطائفية. ولأنها مصر.. ولأننا مصريون فمن المؤكد أنها مسئوليتنا جميعا. مسئوليتنا كمواطنين تحتم علينا أن نتمسك بمبدأ المواطنة - قولا وفعلا - وأن نقف جميعا سدا منيعا أمام محاولات ومؤامرات ضرب الوحدة الوطنية.. وحتى لو لم تكن هناك مؤامرات فإن واجبنا أن نتصدى لهؤلاء الجهلة الذين يفرقون بين البشر على أساس معتقداتهم الدينية.. لأنهم أولاً يشوهون صورة الإسلام وحقيقته ويهددون بعد ذلك أمن المجتمع وسلامته. ومسئوليتنا كحكومة أن نتصدى لهذه الفتنة ليس بالمواجهات الأمنية وحدها وإنما بكل الوسائل والآليات التى تتعامل بها الحكومات عند مواجهة الكوارث والأزمات.. خاصة وأن الحكومة تعلم أن الفتنة الطائفية ستكون أم الكوارث لمصر على جميع الأصعدة وعلى كل المستويات. ومسئوليتنا كأجهزة أمنية أن نتخلى عن أية حساسية وأن نقوم بواجبنا الأصيل فى مواجهة أى خروج عن القانون والتصدى للذين يقومون بذلك. ومسئوليتنا كقوات مسلحة أن نحافظ على أمن مصر القومى ونحميها من أى مخاطر داخلية وخارجية. أعلم أن مهمة الجيش صعبة لكن ذلك هو قدره وواجبه ومسئوليته وقد حان الوقت لكى يضرب بيد من حديد على كل من يهدد أمن مصر وسلامتها. *** كان من أهم مشاهد ثورة 25 يناير هذا التلاحم القوى بين المسلمين والمسيحيين داخل ميدان التحرير.. المسلمين يصلون والمسيحيين يحمون ظهورهم.. والمسيحيين يصلون والمسلمين يحمون ظهورهم.. ماذا حدث ويحدث؟!