مما لاشك فيه أن ما حدث يوم 19 مارس.. يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مصر.. يوم استثنائى فى تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر. فخروج 18.5 مليون مواطن ليقولوا كلمتهم فى التعديلات الدستورية هو شئ لايصدقه عقل.. فهؤلاء المصريون الذين كان يقال عنهم إن «السلبية السياسية» متغلغلة ولها جذور قد حطموا هذه المقولة.. والتى كانت تقول إن السلبية السياسية فى المصريين لاترجع إلى الأمس القريب بل إلى آلاف السنين منذ مصر القديمة؛ فكان القول إن المصريين يؤمنون بأن الملوك والحكام من نسل الآلهة؛ وأن الملك يملك ويحكم ويقرر ويفكر نيابة عن الشعب. والكهنة يحددون الأفكار والتوجهات وأقدار الناس ويحتفظون لأنفسهم بأسرار كل العلوم وطبقة النبلاء والأثرياء ثابتة لايتخللها ولا يدخلها وافد جديد ولايخرج منها عضو قديم وهذا ما كان يحدث فى مصر منذ الفراعنة حتى الأمس القريب، ولكن بعد ثورة 25 يناير التى فجرها الشباب ونفذها الشعب المصرى كله، كسر المصريون القيود والأغلال.. عاد الوعى الطبقى لهذا الشعب. عادت الثقة للشعب، قرر الشعب أن يرسم خريطة طريق لمستقبل وطنه، وهذا ما يفسره هذا الإقبال المنقطع النظير على الاستفتاء، عادت الروح للشعب المصرى، فلم تفرق مع أحد الذين قالوا «نعم» والذين قالوا «لا».. المهم أن الناس عبرت للمستقبل، وهى التى تحدده، فنعم ولا هى التى كشفت الظلام الكثيف الذى انبثق منه شعاع الأمل الذى خرج من كل نجع وكفر وقرية ومركز ومدينة وشارع وحارة وزقاق ليقول كلمته؛ أجد فى وجوه المصريين سعادة لم يشعروا بها من قبل، وعندما تكون الشفافية والنزاهة والقاضى الذى يجلس على كل صندوق، أتوقع أن تكون الانتخابات القادمة سواء برلمانية أو رئاسية نموذجا سيقدمه المصريون للعالم، نابع من حضارة عظيمة قديمة، فعلا مصر اتغيرت، المصريون خرجوا ليعبروا عن رأيهم وهم يعلمون أن صوتهم لن يزيف ولن يزور ولن يستبدل ولن يخرج الأموات ليقولوا رأيهم فى الاستفتاء. ولن تمارس أساليب التزوير الرخيصة التى مارسها النظام التسلقى الاستبدادى الذى حكم مصر بدعوى أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، وأن الشعب لابد أن يتعلم الديمقراطية.. الشعب أصبح هو القائد والمعلم.. ففى 19 مارس هذا اليوم الذى اعتبره عيدا لمصر كلها.. لم يجد المواطن أساليب التزوير الرخيص التى كانت تمارسها السلطة من اساليب التزوير الشهيرة مثل الورقة الدوارة أو التصويت بالتعارف أوالتدخل الأمنى فى سير العملية الانتخابية أو التصويت أكثر من مرة أو تقفيل الصناديق أو تسويد البطاقات! وقطع الكهرباء أو استبدال الصناديق أو ابتزاز الناخبين أو تضليل الناخبين أو السيطرة على اللجان.. اللعب فى الفرز وحساب الأصوات والبلطجة والرشاوى الانتخابية.. استثمار الأمية السياسية أو شخص يصوت مكان الآخر.. إلى غير رجعة انتهت هذه الأساليب التى كان يستخدمها نظام فاسد.. لهذا كان الإقبال المنقطع النظير والتى لم تشهده مصر على مدار تاريخها.. لهذا أكرر وأقول إننى متفائل بمستقبل بلادى.. ولا أشعر بالخوف من صعود تيار أو فصيل سياسى.. لأن الشعب الذى يملك إرادته السياسية الآن قادر على الفرز.. والاختيار الصحيح.. مصر خرجت لتنطلق.. والمصريون يملكون مستقبلهم الآن؛ ولن يفرطوا فيه.. والمستقبل يحمل الخير لهذا الشعب.. فشعار ثورة 25 يناير الأول.. حرية.. ديمقراطية.. عدالة اجتماعية يسير بخطى واسعة فى التنفيذ.. تفاءلوا فالقادم أفضل.. بعد أن تحطمت السلبية السياسية فى 19 مارس 2011.