لأول مرة أشهد وأتنفس هذا العبير الديمقراطى فى أول استفتاء ليس على التعديلات الدستورية فحسب ، بل على أشياء عديدة أولها استعداد المصريين بقبول الرأى والرأى الآخر، وثانيها: المشاركة الايجابية والتحرك بعد السكون والدعة لا عن رغبة فيها بل ايمانا بعدم جدواها، وثالثهاطريقة الممارسة بعيدا عن الرشوة والبلطجة وحشد الأصوات من كل فج فيه موظفو الحكومة وأشياء أخرى كتدخل الشرطة للحسم ، وأما الأمر الرابع فسنعرف نتيجته بعد التعامل مع النتائج التى حسمت بنسبة 77.2% لصالح «نعم» و 22.8% لصالح «لا» اختلفنا فى الرؤى بين من يرى أن التعديلات تنقلنا لمرحلة الاستقراروالأمان وتحمينا من استبداد العسكريين مرة أخرى أو هى بداية لاقرار دستور جديد بشكل ديمقراطى من جمعية تأسيسية منتخبة من المجلسين من غير المعينين، وبين من يراها غير كافية وأنها تسلمنا لديكتاتور جديد ، وأن الشعب يستحق أكثر من ذلك، ولن أدخل فى نقاش أيهما أفضل وهو جدل حميد وليس مذموما وبغض النظر عن النتيجة فالمهم هو الانتقال للمرحلة القادمة ونعرف أولوياتها جيدا ، لقد تنوع الواقفون فى طابور الديقراطية سنا وجنسا وثقافة وفكرا وديانة ، لكنهم اتفقوا على حب مصرنا. وعندما دلفت إلى داخل اللجنة بعد وقت لم أشعر به لأننى شعرت أنى بين إخوانى وأحبائى رغم أنى لا أعرف أحدا منهم، فكلُ يتعامل فى أدب جم ومودة وكأن اليوم عيد بل بالفعل هو عيد الديمقراطية واستلمت استمارة ابداء الرأى وسلمت بطاقتى «الرقم القومى «تقابلنى ابتسامة الموظفين وملاحظة من ممثل القضاء. لم أجد ستارة ولم أكن بحاجة إليها لأنى موقن بحريتى. أبديت رأيى وغمست إصبعى فى الحبر الفسفورى الذى يذهب أثره بقليل عناء حسب الرصد الحقوقى إلا أننى أعتقد وكثير من الناس أن أحدا لن يعود ليزور ويشهد مرة أخرى فى لجنة ثانية، ليس فقط لأن الوقوف فى الطابور الطويل مرة يكفى لئلا تعود لمثلها ولكن لدرجة الوعى التى وجدتها لدى المواطنين ، وقدرتهم ورغبتهم فى قبول النتيجة مهما كانت، يدل لذلك قلة عدد الحالات التى ضبطها تمارس التزوير أو التصويت لأكثر من مرة وتم التعامل معها قضائيا.. ولكن ما أحزننى ما أسميه إن جاز لى بالدعاية السوداء التى تمثلت فى أن التصويت ب» لا» هو ضد الدين والتدين أو من يقول لا هم الممولون من أمريكا أو أن الأقباط يريدون تغيير المادة الثانية من الدستور أو دعاية الآقباط بارتباط الاخوان بإيران أو تحقيق رغبتهم الشخصية من تأييد التعديلات « نعم» فهل هذه الدعاية السوداء تقدح فى إيجابية المشاركة وقبول الرأى والرأى الآخر ؟ ،للأسف الشديد أرى أنها تقدح وتنال منه ولكن ليس بالقدر الذى يخيفنى فيما رأيته من وعى لدى الغالبية يهزم عندى هذا الكلام وإن كان لا ينفيه تماما ، وتفسير ذلك أننا مازلنا فى مرحلة جديدة علينا، خرجنا من مرحلة ماضية ولكن إرث نصف قرن وأكثر لم ينفض عنا بسهولة ، ناهيك عن الرغبة لدى بعض الأطراف السياسية فى الفوز بالضربة القاضية فى معركة سياسية . كما أن رصد الحقوقيين والمراقبين لإبداء رأى بتوجيه من هذه القوى أو تلك أو غيرهما الذى يعتبر المحك السياسى القادم هو تحريك الكتل الصامتة هو لعبة السياسيين . والقضاء على هذا يتم عن طريقين الأول: هو المشاركة من كل السياسيين ومن يريدون الولوج إلى هذا المعترك بدور اجتماعى حقيقى متواصل ليس فقط قبل الانتخابات لأن هذه الولاءات لن تتربى بين يوم وليلة، بدليل أن كثيرا من رجال الأعمال عمدوا إلى هذا الأسلوب فى العهد السابق ، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى قلوب الناس ، بل وصلوا إلى أيديهم فقط ، ولذلك كانوا يلجأون إلى التزوير رغم ما ينفقونه من أموال آنية ، ولكن الناخب ذكى ويعرف أنه لن يحصل إلا على هذه المنفعة الوقتية ولذا لم يكونوا يختارونهم . والثانى هو الدور الثقافى والاعلامى لإثراء وعى هذه الكتل الصوتية ودمجها فى الحياة السياسية بما يفيدها ولا يتم تحريكها بالريموت كنترول ، وهذا يلقى على عاتق الاعلاميين والمثقفين المستقلين مسئولية أكبر من غيرهم ، لأننا نريد أن يشارك الجميع من أجل الوطن وليس حماعة أو حزب كما أن سلوكا مثل الذى حصل فى المقطم مع الدكتور محمد البرادعى ولست من مريديه هو سلوك شائن ، ولا ينبغى أن يكون لأنه ينال أيضا من قبول الآخر لكنه لا يقضى عليه ، أما ما رأيته من مقطع فيديو على الانترنت – إن صح – عن شخصين يقومان بسويد استمارات إبداء الرأى لصالح نعم، فهذا إجرام فى حق هذا الوطن ، ولا أسميه تجاوزا كما كانت تقول أبواق الإعلام الحكومى عند تزوير إرادة الأمة ، فينبغى أن يحاكم مرتكب هذا الجرم بأقصى عقوبة ، لأنه فى مناخ مثل ما نعيشه الآن بعد ثورة 25 يناير لا ينبغى أن يفسد أحد علينا هذا العرس الديمقراطى ، ولكن حسبى إذا كان هذان المزوران قد فعلا ذلك فى غيبة أو سهو ممثل القضاء فإن الأمر مضبوط الآن بالعدد الحقيقى لمن قام بالتصويت وهو من ضمت الكشوف أسماءهم وأرقامهم القومية ولذلك فكشف التزوير سهل واجتثاثه ليس صعبا على القاضى ، الذى أستبعد تماما موافقته على هذا الفعل الوضيع ، كانت هذه أبرز المساوئ التى تم رصدها ، ولكن مع التحول الايجابى والتحرك من جانب المواطنين الحريصين على سلامة الوطن أستطيع أن أقول إن قبولنا بالفكر الآخر أصبح قاب قوسين أو أدنى لأن الآخرهو أخى الذى قال نعم أو قال لا من أجل الوطن.