بالرغم من أن أغلب الدول التى تتمتع بمحطات للطاقة النووية قد لا تكون مهددة بالتعرض لزلازل بقوة الزلزال الذى ضرب اليابان فى الحادى عشر من مارس الجارى، فإن كارثة التسرب الإشعاعى والانفجارات التى وقعت بمحطة فوكوشيما اليابانية أدت ببعض الدول إلى مراجعة خططها النووية فى ظل الجدل العام الدائر بشأن درجة أمان الطاقة النووية خاصة أن العديد من محطات توليد الطاقة النووية يقع على السواحل لأن تشغيلها يتطلب كما كبيرا من المياه. وكانت التقديرات الأولية لما حدث فى محطة فوكوشيما أشارت إلى عدم انتباه الجهات اليابانية المسئولة بالشكل اللازم إلى خطر موجات التسونامى حيث إن المصدات بالمفاعلات لم تكن على ارتفاع يكفى لصد موجات المد البحرى الأخيرة التى وصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار، بينما كانت المولدات الكهربائية موضوعة فى أماكن منخفضة، الأمر الذى سمح للموجات بتدمير المولدات الكهربائية مما أدى بدوره إلى تعطل نظام التبريد بالمفاعلات بالمحطة. وجاءت الأزمة النووية اليابانية فى وقت تشهد فيه الطاقة النووية اقبالا متزايدا فى العالم كمصدر للطاقة النظيفة. وطبقا لوكالة الطاقة الدولية تمتلك 30 دولة 442 مفاعلا نوويا تنتج نحو 14% من الكهرباء عالميا. وهناك 65 مفاعلا يجرى بناؤها حاليا ب 16 دولة. وقد أعربت عشرات الدول عن رغبتها فى بناء مفاعلات جديدة وعلى رأسها الصين التى بدأت بالفعل فى برنامج ضخم لبناء المفاعلات. غير أن حادث اليابان قد يؤثر على السياسات الخاصة بالطاقة النووية فى العديد من الدول، حسبما قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، وإن كان قد شدد فى الوقت نفسه على أن الطاقة الذرية ستظل خيارا لتوليد الطاقة. ويواجه الساسة فى بلدان أوروبا وغيرها من البلدان ضغوطا متزايدة من أجل تعديل خططها النووية، حيث شهدت ألمانيا مظاهرات ضد المشاريع النووية فى 450 مدينة مما دفع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى تعليق تمديد أمد سبعة من مفاعلاتها النووية السبعة عشر لفترة 3 أشهر. وبينما عززت فرنسا إجراءات التفتيش على مفاعلاتها النووية، دعت شبكة «سورتير دى نيوكليير» التى تضم 875 مجموعة مناهضة للطاقة النووية إلى الإغلاق الفورى ل 16 مفاعلاً نووياً فى فرنسا تجاوزت مدة خدمتها ال 30 عاما، بالإضافة لوضع خطة أطول أمد للتخلى عن الطاقة النووية. وفى سويسرا حيث تراوحت ردود الفعل على الكارثة النووية فى اليابان بين مطالبة الاشتراكيين والخضر بالتخلى السريع عن الطاقة النووية ومطالبة أحزاب الوسط بالمزيد من التوضيحات وتصدى اليمين للدفاع عن الخيار النووى، علقت الحكومة مشاريع تشييد محطات نووية جديدة إلى حين قيام المفتشين والخبراء النووين بمراجعة معايير الأمان والسلامة. أما فى بريطانيا فقد طلبت الحكومة التى يقودها المحافظون من رئيس عمليات التفتيش النووية بإعداد نقرير شامل حول تداعيات الأزمة فى اليابان والدروس التى يمكن استخلاصها. وفى هذه الأثناء عقد وزراء وخبراء الطاقة النووية بدول الاتحاد الأوروبى فى بروكسل فى 15 مارس الجارى اجتماعا طارئا خصص لمراجعة خطط الطوارئ وتدابير الأمان والسلامة المعتمدة فى أوروبا واتفقوا جميعا على إجراء اختبارات ل 143 محطة نووية موجودة فى 14 بلدا أوروبيا. ورغم أن البيت الأبيض ومعظم السياسيين الأمريكيين أصروا على أن الطاقة النووية يجب أن تبقى جزءا مهما من مستقبل الطاقة فى الولاياتالمتحدة، فإن الرئيس الأمريكى باراك أوباما طلب من المسئولين الأمريكيين إجراء مراجعة شاملة للأمان فى محطات الطاقة النووية فى البلاد، وذلك وسط دعوات من قبل بعض النواب الديمقراطيين لتعليق البناء فى منشآت الطاقة الجديدة. وبالمثل فقد جمدت الصين التى تضم قرابة 40% من إجمالى المنشآت النووية المقرر بناؤها فى العالم الموافقة على بناء مفاعلات جديدة لحين مراجعة إجراءات السلامة. وعلى صعيد آحر اتفقت الصين واليابان وكوريا الجنوبية فى اجتماع عقده وزراء خارجيتها فى مدينة كيوتو اليابانية على العمل معا لتعزيز أمان الطاقة النووية وزيادة التعاون فى الرد على الكوارث. وفى حين أعلنت الهند عن القيام بالتحقق من سلامة مفاعلاتها كلها طلب رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين من الجهات المعنية إجراء دراسة للقطاع النووى فى روسيا وتقديمها إلى الحكومة الروسية فى خلال شهر. ومن جهة أخرى دعا بوتين إلى تسريع برامج إنتاج المحروقات فى أقصى شرق روسيا مادام الزلزال فى اليابان، على حسب قول بوتين، ستترتب عليه عواقب على المدى البعيد على صعيد الطاقة.