لا جدال أن الجيش المصرى قام بدور أساسى وحيوى فى إنجاح ثورة 25 يناير.. ولا نبالغ إذا قلنا إنه يحظى بنسبة 50% على الأقل من استمرارية الثورة وضمان فعاليتها وعدم تراجعها، فقد تدخل الجيش فى أصعب مراحل الثورة – خلال أيامها الأولى – وحسم خياره الأساسى والاستراتيجى بحماية الشعب والوطن والدولة، وهى مهام جسام قام بها الجيش المصرى على مدى تاريخه كله. ولو افترضنا جدلاً أن الجيش قام بعكس ذلك فمن المؤكد أننا لم نكن لنشهد كل ما نراه من تحولات تاريخية كبرى على أرض الكنانة.. هذه التحولات كنا نعدها قبل أسابيع قلائل من الأحلام والأمانى شبه المستحيلة، ولكن إرادة الله جعلت الخير يعود إلى مجرى النيل.. بأيدى الثوار.. والجيش المصرى العظيم. فنقطة الانطلاق الأساسية هى أن الجيش حسم أمره بالانحياز إلى الشعب.. ابتداءً.. وانتهاءً، فلم يطلق رصاصة.. ولم يتجاوز فى سلوك.. بل إنه أدار هذه المرحلة الأخطر فى تاريخ مصر.. بكل براعة واقتدار، وهنا نحاول دراسة هذه الفترة القصيرة والخطيرة التى حكم فيها جيش مصر ومازال. * أولاً.. نلاحظ جماعية القيادة.. فالمجلس العسكرى الأعلى يمثل قادة الجيش كله وهو يجتمع بانتظام لمعالجة كافة الأمور والمسائل، ومن خلال قراءتنا للقرارات والبيانات والمواقف الصادرة عنه نكتشف أنها خلاصة فكر جماعى يسترشد أساساً بمصالح مصر والمصريين.. فى المقام الأول.. ومصالحنا القومية فى المقام الثانى. * ثانياً.. دراسة كل المواقف والقرارات بحكمه وعمق، فلا نكاد نرى خطوة أو نسمع قراراً إلا ونكتشف من خلاله أنه قد حظى بتدبر وتفكير ودراسة عميقة وعلى أسس علمية دقيقة.. ومن المؤكد أن المجلس الأعلى قد استعان فى هذا الصدد بكافة أجهزته ومؤسساته وخبراته فى كافة المجالات حتى تصدر قراراته وخطواته على هذا النحو. ورغم أن الكمال لله وحده والعصمة للأنبياء فقط.. فإن حجم الخطأ يكاد يتلاشى من الأداء السياسى للمجلس الأعلى، نقول هذا إحقاقاً للحق وليس رياءً أو نفاقاً.. أو خوفاً من أحد، فقد سقطت كل أستار الخوف.. وتلاشت أسوار القهر والظلم. * ثالثاً.. إدارة الأزمة على أعلى مستوى من أبرز سمات الجيش والمجلس الأعلى للمرحلة السابقة والحالية، ومن المؤكد أن خبراء إدارة الحروب والمعارك يستطيعون إدارة الأزمات السياسية والاجتماعية أيضاً.. رغم خطورتها وتشعبها وتعقيداتها، ورغم اختلاف طبيعة ونوعية الأزمات.. من الحروب والمعارك.. إلى المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية.. بل والدينية أيضاً. وهنا نشير – على سبيل المثال – إلى أزمة الفتنة الطائفية الأخيرة التى أدارها الجيش بحكمه وروية وحنكة وبروح المسئولية الوطنية الرفيعة.. فلم ينحز لطرف.. وتدخل بحسم عندما لزم الأمر.. بل إنه وفّر الحماية اللازمة للأخوة الأقباط وتعامل معهم بكل الود والوطنية والاحترام ولبى كل مطالبهم، ولكن للأسف الشديد فإن بعض الشباب المندفع أو المدفوع كان يصعِّد المطالب عمداً ويرفع سقفها كل مرة، وهنا يجب أن ندعو عقلاء الأقباط وهؤلاء الشباب أيضاً إلى تقدير خطورة المرحلة الحالية التى تمر بها مصر وإلى تأجيل المطالب الطائفية إلى مرحلة لاحقة.. بعد بناء الوطن على أسس قوية وراسخة.. عندها لن يكون هناك حرج فى مناقشة كل المشاكل وحلها بالتوافق والتراضى وبالقانون.. دون ضغط أو إكراه أو ابتزاز. * رابعاً.. التجاوب مع مطالب الثورة والثوار.. بل مع مطالب الشعب الذى ظل يعايش القهر والظلم على مدى عقود.. هو أبرز إنجازات الجيش، بمعنى آخر.. فإن الجيش لم ينحز إلى صف الشعب فحسب.. بل إنه تقدم خطوات «ثورية» وحقق أغلب مطالب الثوار.. بدءاً من إسقاط النظام ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين.. فى كل موقع، لقد أكد الجيش هذا المبدأ عملياً فى مواقف وقرارات كثيرة.. أكدت أنه ضمير مصر الحى.. قبل أن يكون درعها وسيفها البتار. * خامساً.. اتخاذ مواقف سياسية إقليمية ودولية مسئولة وواعية تعبر عن انتماء مصر لمحيطها العربى والإسلامى، وإذا كان الجيش قد أعلن ذلك منذ بداية توليه مسئولية البلاد بعد خلع رأس النظام السابق.. فإنه يؤكد مسئولية مصر الدولة والكيان التاريخى الكبير إزاء المعاهدات والالتزامات القانونية والرسمية التى وقّعتها، وليس غريباً أن أرض الكنانة التى أنجبت أعظم الثوار وقدمت للعالم أروع الثورات عبر التاريخ دون مبالغة.. ليس غريباً أن يكون هذا هو جيشها بأدائه القوى والرفيع معاً. * سادساً.. تطهير البلاد من كل أشكال الفساد.. شعار رفعه الثوار ونفذه الجيش، بمعنى آخر.. فقد ظللنا نتحدث عن الفساد والمفسدين على مدى عقود.. ولكن لا حياة لمن تنادى ولم يتحقق أياً مما نراه الآن.. ولا 1% منه.. بكل المقاييس، أى أن الجيش حول الشعار إلى واقع نعيشه ونراه ونسمعه.. ولكن لن يكتمل هذا الهدف إلا بكشف كل رموز الفساد الكبار والصغار ومحاكمتهم محاكمة عادلة.. تعيد الحقوق إلى أصحابها.. والأمور إلى نصابها، نعم لن يتحقق هذا الهدف إلا بعد أن نشاهد هؤلاء الفاسدين المفسدين وراء قضبان السجون.. عدلاً وإنصافاً.. لا ظلماً واستبداداً.. كما كانوا يفعلون. * سابعاً.. حفظ الأمن على كل المستويات.. هذه هى أصعب المهام التى تولاها الجيش خلال الفترة الحالية.. خاصة بعد انسحاب الشرطة فى يوم الغضب (28 فبراير) وقبل نزول الجيش إلى الشوارع فى واحدة من أخطر المؤامرات ليس ضد الثورة فقط.. بل ضد مصر وشعبها المسالم الآمن.. هذا البلد الذى دعا الله إليه كافة البشر لأن يدخلوه «بسلام آمنين».. ودبر المتآمرون المكائد كى يفقدوه الأمن والأمان.. ففقدوا هم كل شىء جزاء ما اقترفت أياديهم من جرائم وانتهاكات سوداء، وقد تولى الجيش مهمة الأمن المصرى «الشامل».. داخليا وخارجياً.. فى أصعب وأخطر الفترات.. فكل الحدود مهددة.. غرباً وشرقاً.. وحتى جنوباً بعد انفصال جنوب السودان.. وشمالاً.. باعتبار ما يحفل به البحر المتوسط من أساطيل وقوات تتأهب للتدخل السريع من الناتو وأوروبا والولايات المتحدة، نحن لا نبالغ عندما نصف هذا المشهد، ولكنه الواقع الأخطر الذى نواجهه ويتحمله الجيش بكل الجسارة والحكمة والحنكة. *** وإذا أردنا أن نعرف قيمة ما حققه الجيش للثورة وللشعب وللأمة بأسرها.. نقارنه بما يفعله جيش القذافى بشعبه الأعزل المسالم. بداية لا يوجد جيش ليبى قوى يحمى الوطن.. بل قوات وكتائب ومرتزقة وكل شىء مسخر لحماية النظام الليبى فقط، كما أن الجيش الليبى استخدم هذه القوات والأسلحة والمعدات ضد شعبه وضد المدنيين العُزّّل.. ووسط تآمر دولى مريب.. يفضح كل ادعاءات الحريات ومساندة حقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين، فعندما قُتل خمسة مستوطنين إسرائيليين هاجت أمريكا وأوروبا.. بينما ظلت تشارك فى جريمة قتل الشعب الليبى.. بالصمت وبغض الطرف عن جرائم القذافى. إنهم يزعمون دعم الشعوب.. ولكن الواقع يؤكد أنهم يريدوننا متخلفين.. وفى أسفل السافلين.. لقد استغل القذافى جيشه وموارد ليبيا كلها لدعم أركان حكمه.. بينما يدعى أنه لا يحكم وليس برئيس، نعم إنه ليس رئيساً.. ولكنه دكتاتور مستبد فى أبشع الصور، ويكفى أنه يستغل قضية العمالة الأجنبية – خاصة المصرية – كوسيلة ضغط وابتزاز رخيصة، ولكنها لم تنجح ولن تنجح فى تحقيق ما يريد. هذا هو الفرق بين جيش يدمر شعبه ويبدد موارده ويرتكب أخطر الجرائم.. وبين جيش مصر العظيم الذى حما الثورة والوطن.. وانحاز لمبادئه وتاريخه المشرف.