خاطب الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» عبر العالم الشعب المصرى فى سابقة تاريخية.. موجهاً إليه كلمة حملت بين سطورها مشاعر الإعزاز والتقدير والتأثر بانفجار تلك الثورة الشعبية البيضاء التى نادت بعودة قيمة الإنسان بعيداً عن اللون والعرق والدين. أكد «أوباما» حرص واشنطن على أن تكون صديقا للشعب المصرى، وتعزيز دور مصر فى العالم، مؤكداً أنها «لن تعود أبداً كما كانت»، ولأن عجلات التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الوراء، أدرك الرئيس الأمريكى أن مطالب العدل والمساواة لابد أن تحتكم إلى القوانين والمعايير الدولية، إذ جاء التغيير سلميا تحت مظلة قوات مسلحة لا تطلق النيران على المتظاهرين، ومن متطوعين يهتفون معاً مسلمين ومسيحيين، ومن أطباء وممرضين يهرعون إلى الشوارع لمعالجة الجرحى، من هذا المنطلق قال «أوباما» بوضوح: «هذه هى قوة الكرامة الإنسانية.. إن المصريين قد ألهمونا.. وأن العدالة لن تتحقق بالعنف.. فإن كلمة التحرير بات لها معنى فى أرواحنا وأرواح الشعب المصرى الذى سوف يغير العالم». هكذا تصبح القضية الآن هى كيفية التعامل مع المشكلات المتفجرة فى منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً، إنه التغيير الذى سوف ينعكس على أسلوب التعامل مع القضايا الشائكة التى تبدو لا حلول لها، لذلك احتلت ثورة مصر الشعبية يوم 25 يناير الماضى عناوين الصحف الرئيسية فى أنحاء العالم، ففى افتتاحية صحيفة «الجارديان» البريطانية كتبت تقول: «إنه بعد ثمانية عشر يوما من الاحتجاجات المتواصلة، استطاع الشباب ومن ورائهم الشعب أن يفرض كلمته على الحكم الديكتاتورى»، حيث ارتفع العلم الوطنى ووقف المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب، فبعد أن قهر الشعب المصرى مشاعر الخوف، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» البريطانية موضحة: «أن ثورة مصر الشعبية فتحت الباب أمام دخول دول أخرى بالمنطقة وهزت منطقة الشرق الأوسط بأسرها، بل جعلت الأنظمة العربية الأخرى على حافة الهاوية». وكان رئيس الوزراء الفرنسى «فرانسواه فيون» من بين أول من رحبوا بهذه الثورة، ففى زيارة لوزير خارجيته «آلن جوبيه» لمصر يوم 6 مارس الماضى حرص على أن يسجل لنفسه لحظة تاريخية، فقام بزيارة خاطفة لميدان التحرير حيث قال: «إنها لحظة تاريخية.. استمعت على مدى ساعة ونصف الساعة إلى أفكار وآمال ومشاريع ومخاوف هؤلاء الثائرين.. فوجدت نفسى مليئاً بالحماسة، أحلم بمصر وهى تعيش فى حالة مصالحة وديمقراطية قادرة على العمل والتقدم ولابد من مساعدتهم». هذا الاهتمام العالمى بمصر لم يجىء من فراغ، إذ أنها تتمتع بموقع جيو.. استراتيجى مميز مكنها من لعب دور مهم فى صياغة السياسات الإقليمية والدولية، الأمر الذى أعطاها مكانة خاصة عند ملتقى القارتين الآسيوية والأفريقية، لتصبح أكبر دولة فى منطقة الشرق الأوسط بتاريخه المعقد والمتأزم منذ عقود طويلة، تستند تلك الأهمية على أربعة محاور رئيسية، أولاً الموقع الجغرافى، ثانيا القوة البشرية الهائلة، ثالثاً الثروات الاقتصادية، رابعاً التراث الحضارى العريق الذى يعود إلى آلاف السنين، وفقا لذلك التاريخ القديم عرفت مصر أشكالا من أنظمة الحكم المختلفة جعل منها عاملا مؤثرا فى محيطها الأفريقى وجوارها الآسيوى عبر شبه جزيرة سيناء، وقد أكد الباحثون على أن ذلك الموقع الاستراتيجى جعل من مصر أهم لاعب سياسى على اعتبار أنها كانت وما تزال طرفا بمعادلة الشرق الأوسط وتداعيات الصراع العربى - الإسرائيلى، لتصبح سياسيا واقتصاديا وعسكريا عاملا مؤثرا فى محيطها، حيث شاركت مصر فى الحروب العربية الإسرائيلية منذ عام 1948 وحتى عام 1973. ثم كان التوقيع على معاهدة السلام فى عام 1979 لينقسم العالم العربى إلى قسمين، قسم يؤيد وآخر يرفض، لكن بعيداً عن ذلك الصراع القائم ماتزال مصر واحدة من بين الدول المؤثرة فى تحقيق الأمن والسلام الإقليمى، أولها وادى النيل الذى يعد ركنا أساسيا للأمن الاستراتيجى، كما أكدت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية وجود احتياطات من الغاز والبترول والمكثفات داخل المياه الدولية لمصر بالبحر المتوسط تبلغ نحو 223 تريليون قدم مكعب من الغاز، و8 مليارات برميل من البترول، الأمر الذى يجعل من منطقتى المياه الدولية لمصر وخليج المكسيك من أكبر مناطق احتياطى النفط فى العالم، إذ أن فهم وإدراك واستغلال خصائص الجغرافيا يؤدى إلى تجاوز حدود الدولة بحيث تصبح ذات تأثير فى السياسات الدولية، فضلاً عن استفادتها الخاصة من مزايا موقعها فى تعزيز عملية التنمية والتطوير، هذا مع اعتبار أن القوة البشرية عاملا أساسيا فى منح عناصر القوة للدولة على الصعيد المدنى بشقه السياسى والاقتصادى والعسكرى.