لاشك ان محاكمة حوالى 200 عسكرى تركى متهمين بالتحضير لانقلاب عام 2003 بهدف الاطاحة بالحكومة الاسلامية يشكل اول تهديد مباشر ضد الجيش التركي، حامى العلمانية الذى كان يلعب دورا كبيرا على الساحة السياسة قبل تولى حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوغان عام 2002 مسئولية إدارة مقاليد الأمور فى تركيا. وتثير المحكمة الجنائية العليا فى اسطنبول التى عقدت فى قاعة كبيرة داخل سجن فى سيليفرى البلدة الواقعة قرب اسطنبول جدلا لانها تأتى فيما وجهت الى مئات الاشخاص الاخرين التهم فى السنتين الماضيتين فى اطار تحقيقات مختلفة حول مؤامرات تستهدف الحكومة. ويشمل اتهام المشتبه بهم انهم دبروا فى العام 2003 سلسلة اعمال لزعزعة الاستقرار من اجل خلق جو من الفوضى والمؤامرات تمهيدا للانقلاب عام 2003 مثل اعتداءات على مساجد او تحطم مقاتلة تركية خلال اشتباك مع الطيران الحربى اليوناني. وبين ابرز المتهمين فى قاعة المحكمة الجنرال المتقاعد جيتين دوغان الذى يشتبه فى انه العقل المدبر لخطة زعزعة استقرار السلطة والذى قال ان هذه القضية قائمة على إدعاءات ملفقة ولا أساس لها من الصحة وكذلك هناك القائدان السابقان للبحرية اوزدن اورنيك ولسلاح الجو ابراهيم فيرتينا. وقد أضيف إلى المتهمين الجنرالات الثلاثة الذين أبعدوا مؤخرا من الخدمة العسكرية بقرارات من وزيرى الدفاع والداخلية بعد أن أصرت رئاسة أركان الجيش على ترقيتهم رغم اتهامهم فى القضية واستبعادهم من حركة الترقيات خلال اجتماع مجلس الشورى العسكرى فى أغسطس الماضى وهم خليل حلوجى أوغلو، الذى كان يشغل منصبا بإدارة التقييم والمراقبة بقيادة قوات الدرك والجنرال جوربوز كايا، الذى كان يشغل منصب رئيس إدارة القيادة العامة للخرائط والجنرال عبد الله جفرام أوغلو، الذى كان يشغل رئيس إدارة شئون الموظفين بقيادة القوات البحرية. ويواجه المشتبه بهم وبينهم ضباط كبار قيد الخدمة، عقوبة سجن تتراوح بين 15 و20 عاما بتهم محاولة الاطاحة بالحكومة او استخدام القوة والعنف لمنعها من اداء مهامها. وفى غضون ذلك ترى الاوساط المقربة من حزب العدالة والتنمية فى هذا الاجراء تقدما كبيرا نحو ارساء الديمقراطية فى تركيا واحترام دولة القانون من قبل الجيش الذى سبق ان اطاح بأربع حكومات منذ 1960. وفى المقابل ترى الاوساط المؤيدة للعلمانية فى هذه المحاكمة والاتهامات الاخرى بالتآمر وسائل ضغط من قبل الحكومة لإسكات المعارضة والتمكن من تنفيذ برنامج عمل يخفى فى طياته أسلمة للبلاد. ويتساءل هؤلاء خصوصا حول مصدقية بعض الادلة التى قدمتها النيابة العامة ويشيرون الى وجود مفارقات، مثل افتراض وجود ضابط فى الاجتماع فيما كان يقوم بمهمة فى الخارج واشارات الى مؤسسات لم تكن قائمة فى البلاد او كانت تحمل تسميات اخرى فى عام 2003 مما يدفع الى الاعتقاد بانها خاطئة. ويذكر ان المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين فى تركيا أبعدا بشكل مفاجئ رئيس هيئة المحكمة التى تتولى النظر فى القضية - القاضى ظافر باشكورت- قبل يومين من بدء المحاكمة ، بسبب صلته ببعض المتهمين فى قضية منظمة «أرجناكون» الإرهابية المتهمة بالتخطيط للانقلاب على الحكومة واغتيال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وتقاضيه رشاوى من بعض المتهمين فى قضايا المخدرات. وذكر الادعاء فى مذكرته المقدمة إلى المحكمة أن المتهمين أعدوا خطة من عدة مراحل للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية لأنها تشكل من وجهة نظرهم خطرا على أمن البلاد كونها ذات جذور إسلامية، من بين مراحلها جمع معلومات استخبارية وإعداد أرضية مناسبة للانقلاب، ثم مرحلة القيام بالانقلاب العسكرى، وإعداد خطة لتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة بعد تنفيذ الانقلاب العسكري. ومن جانبها كشفت صحيفة طرف التركية اليومية النقاب عن العديد من الوثائق والمخططات التى توضح أبعاد الخطة التى لم تكتف بمسألة إحداث الفوضى الداخلية، وإنما تضمنت العمل على إتاحة الفرصة والإمكانات للقوات الجوية اليونانية المرابطة فى بحر «ايجه» لإسقاط إحدى الطائرات الحربية التركية بهدف دفع البلاد إلى حرب مع اليونان وبالتالى دفع حكومة العدالة إلى مأزق كبير وتحريك المشاعر الوطنية ضد حكومة العدالة وبالتالى دفع الحكومة إلى ترك السلطة.