فى محاولة منها لاحتواء تداعيات بيانها بعدم قدرتها على إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان، وسعياً وراء إنقاذ عملية السلام والعودة لاستئناف المفاوضات، كثفت الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الأسبوع الماضى تحركها الدبلوماسى، حيث وصل المستشار السياسى للرئيس الأمريكى ميشيل أوباما “دنيس روس” إلى إسرائيل، فيما وصل المبعوث الأمريكى الخاص بعملية السلام جورج ميتشل إلى القاهرة وأجرى لقاءً مع الرئيس حسنى مبارك الذى استقبل قبلها الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) الذى زار القاهرة عقب زيارة المبعوث الأمريكى ميتشل لرام الله. روس فى إسرائيل وميتشل يتنقل بين عواصم المنطقة والرئيس الفلسطينى فى القاهرة وبنيامين نتنياهو يجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس مبارك ولجنة المتابعة العربية أكدت دعمها للموقف الفلسطينى برفض استئناف المفاوضات، إلا إذا أثمرت الجهود الأمريكية عن عرض جاد يخرج عملية السلام من مأزقها، وهو مأزق حقيقى، تسعى كل الأطراف وخصوصاً الوسيط الأمريكى أو راعى العملية الأول، إلى جانب طرفى الصراع الفلسطينيين والإسرائيليين للخروج منه. يدرك الجميع أن السبب الرئيسى لوصول عملية السلام وتوقف المفاوضات هو موقف نتنياهو وحكومته وإصرار رئيس الوزراء الإسرائيلى على الالتفاف على الشرعية الدولية والقفز على المرجعيات المتفق عليها والحديث عن يهودية إسرائيل والاستمرار فى بناء المستوطنات وعدم الاعتراف بحل الدولتين والقفز على مراحل التسوية بالحديث عن أمن إسرائيل أولاً، وإسقاط كل المطالب الفلسطينية ورفضها بدءاً بوقف المستوطنات والنمو الطبيعى لها، وتحديد حدود الدولة وقضايا الحل النهائى المتمثلة فى القدس واللاجئين والمياه، يبدو نتنياهو فى موقفه يسبح ضد التيار لا يساعده فى عناده سوى مجموعات اليمين الإسرائيلى المتحالف مع حكومته، مع تراجع أمريكى واضح فى قدرتها على الضغط على إسرائيل، بدا واضحاً فى رفض إسرائيل لكل الحوافز التى قدمتها الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو فقد طلبت واشنطن تجميداً كلياً للاستيطان حتى يتم استئناف المفاوضات مع وعود أمريكية باستمرار الحماية الأمريكية لإسرائيل. وعندما لم تقبل إسرائيل بهذه الوعود، خفضت واشنطن سقف مطالبها ورفعت قيمة حوافزها، فطلبت من إسرائيل تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر، مقابل عدم الحديث عن موضوع الاستيطان مستقبلاً مع تقديم دعم أمريكى يصل لثلاثة مليارات دولار مع ضمان أمن إسرائيل، وجاء الرد الإسرائيلى على هذه الحوافز والتعهدات مخيبا لآمال الإدارة الأمريكية والتى اعترفت بعد ذلك بفشلها فى إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان ووضعت الجهود الأمريكية فى اختبار حقيقى، وهو أمر اضطرت معه الإدارة الأمريكية فى بيانها الذى كان أشبه بالاعتذار للتحرك السريع لإنقاذ دورها وسمعتها فى المنطقة فقد أجرت الولاياتالمتحدةالأمريكية اتصالات سريعة ومهمة مع عدد من قادة دول المنطقة وعلى رأسها مصر، وسعت لدعم موقفها وجهودها لإحياء عملية السلام وإنقاذها من الفشل. واشنطن، الحريصة على الوفاء بتعهدات رئيسها بإنهاء الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى وتمسكها بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية خلال عام حاولت عبر مبعوثها الرئاسى دنيس روس طمأنة إسرائيل والتأكيد على التزام الولاياتالمتحدة بأمن إسرائيل واحتياجاتها العسكرية وأن أى حل يؤدى إلى قيام دولة فلسطين لن يهدد أمن إسرائيل، واشنطن حاولت بهذه الزيارة التعبير عن تفهمها للرؤية الإسرائيلية التى تضع قضية الأمن على رأس أولوياتها وفى نفس الوقت الحيلولة دون تكرار الموقف الإسرائيلى الذى يمكن أن يتسبب فى عرقلة المساعى الأمريكيةالجديدة لاستئناف عملية السلام. فى إسرائيل عرض المبعوث الأمريكى جورج ميتشل على رئيس الوزراء الإسرائيلى - دون الحديث عن الاستيطان - فكرة عودة المفاوضات بشكل متواز وفتح جميع ملفات الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى بدءاً من مسألة الأمن وحتى مسألة الدولة وحدودها. وفى رام الله، قدم للرئيس الفلسطينى أفكاراً جديدة بالتعبير الأمريكى ولخّصها ميتشل عقب استقبال الرئيس مبارك له فى القاهرة، أنه يطلب من المفاوض الفلسطينى مهلة تسعة أشهر يتعهد الطرف الأمريكى فيها بتحقيق تقدم ملموس بالتوصل إلى اتفاق إطار، يتضمن التسويات الأساسية لقضايا الوضع النهائى، تمهيداً لاتفاق سلام مع عودة المفاوضات فى شكل محادثات متوازية فى واشنطن بين الفلسطينيين والإسرائيليين يبدأ بالبحث عن دليل للمفاوضات يرتكز على مناقشة قضية الحدود بمشاركة مصرية أردنية والبحث عن حل عادل ومنطقى لقضية اللاجئين وتحديد مطالب الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى فى القدس. الموقف المصرى وضح وتأكد بعد لقاء الرئيس مبارك بكل من الرئيس الفلسطينى والمبعوث الأمريكى، فمصر من جانبها أكدت على أهمية استمرار الجهود لدفع عملية السلام وأن مصر لن تتراجع عن هذه الجهود مع التأكيد على الدعم المصرى للموقف الفلسطينى، وأن السعى المصرى فى هذا الإطار يستهدف فى النهاية التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ورفع المعاناة والحصار عنه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس؛ ورأت مصر أن تعطى للجانب الأمريكى فرصة أخرى لإنجاح هذه الجهود كما طلبت من الولاياتالمتحدة تحقيق تقدم جاد فى مسار الجهود الأمريكية يتلخص فى تقديم الولاياتالمتحدة عرضاً واضحاً للرؤية الأمريكية لهذا الاطار الذى يجب أن ينطلق من قرارات الأممالمتحدة وخصوصا من القرار رقم 242 الداعى لانسحاب إسرائيل من خطوط الرابع من يونيو عام 1967. وأشار الرئيس مبارك فى حديثه مع المبعوث الأمريكى لخطورة أن تمتد المفاوضات أو تعود دون الاتفاق على مرجعية للمفاوضات وتحديد شكل وحدود الدولة الفلسطينية، وحذر الرئيس مبارك من نفاد الوقت وخطر ذلك على أمن المنطقة واستقرارها. ربما ولأول مرة تتفق جميع الأطراف على أن أسباب تعثر عملية السلام وتوقف المفاوضات تقع على حكومة إسرائيل. ويبدو أن هذا الاتفاق الإقليمى والدولى هو الذى وضع إسرائيل فى مأزق فهى أمام العالم تتحدث عن رغبتها فى السلام وعودة المفاوضات، ولكنها على الأرض تنسف كل جهوده وهى فى نفس الوقت وإن حاولت التخلص من الضغوط الأمريكية والمصرية بإعلانها قبول أفكار ميتشيل الجديدة ستعود تحت هذه الضغوط للمفاوضات وستحاول عرقلتها، وهو ما سيضع الفلسطينيين أمام اختيارات عديدة وصعبة. صحيح أن الفلسطينيين يراهنون على الدعم المصرى والعربى لموقفهم، وكذلك على الالتزامات الأمريكية التى تتحدث عن إصرار أمريكا على إنهاء الصراع بالوصول إلى اتفاق إطار من شأنه تأسيس تسوية نهائية تشمل كل قضايا الحل النهائى وتمهد الطريق أمام التوصل إلى معاهدة سلام نهائية تفضى إلى إنهاء هذا الصراع، إلا أن الفلسطينيين أمام كل هذه المواقف بدت خيارتهم صعبة فهم فى النهاية سوف يقبلون بالرؤية الأمريكية حتى لا يظهروا أنهم عقبة أمام جهود واشنطن ولا يتهموا بأنهم وراء رفض العودة للمفاوضات والسبب فى توقف عملية السلام وهم فى نفس الوقت ومع حديثهم عن اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن يعلمون أن الفيتو الأمريكى فى انتظارهم، ورغم اعتراف دولتين من دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية المستقلة جاء الإعلان الأوروبى برفض إعلان الدولة من طرف واحد وكذلك مجلس النواب الأمريكى ليؤكد أهمية وجود اتفاق دولى على قيام هذه الدولة الذى لا يمكن أن يتحقق إلا فى إطار تسوية نهائية بغطاء أمريكى وأوروبى ودولى. يدرك المفاوض الفلسطينى أن قراراته فى ظل غياب موقف فلسطينى موحد وانقسام وطنى يضعف من موقفه مرتبطة بمفاتيح واشنطن وعدد من دول أوروبا المتحكمة فى أبواب السياسة والدعم الاقتصادى للسلطة الوطنية الفلسطينية. ويدرك الفلسطينيون أن تغيير المفاتيح الدولية إلى مفاتيح عربية يرتبط بموقف عربى ضاغط دوليا وداعم اقتصاديا لهم، وهذا غير متوافر فى الجانب الثانى على الأقل، حيث تعتمد السلطة الوطنية على الدعم المالى الأمريكى والأوروبى الذى يملك فى نفس الوقت سلطة تحريك مؤسسات وهيئات المجتمع الدولى بما فيها الأممالمتحدة ومجلس الأمن. خيارات الفلسطينيين صعبة، ولكن يبدو أن واشنطن ودول المجموعة الأوروبية لا تدرك أن مزيداً من الضغوط على الجانب الفلسطينى لن يؤدى إلى حل سياسى.. بل ربما سيدفع الشعب الفلسطينى بسبب انتظاره الطويل للتسوية واسترداد حقوقه إلى اليأس وهو أمر وارد إذا استمرت معاناة هذا الشعب الذى إذا وصل إلى هذه المرحلة، فلن تتعثر فقط جهود السلام.. بل سيتحول السلام المنشود إلى حرب وانفجار تصيب شظاياه كل دول المنطقة وتهدد مصالح واشنطن وتدفع المنطقة كلها للانفجار، وأعتقد أنه من الحكمة ألا يدفع تراخى واشنطن وتعنت إسرائيل الشعب الفلسطينى إلى الخيار صفر فهذا يعنى أن المنطقة التى وصلت إلى حافة الهاوية سوف تسقط فيها ومعها أمن واستقرار العالم كله.