إقترحت فى برنامج تليفزيونى تعليقاً على نتائج انتخابات مجلس الشعب أن يكون لأحزاب المعارضة فى مصر “كوتة” تشبه “كوتة” المرأة!.. نظام كوتة المرأة الهدف منه تخصيص عدد معقول من مقاعد البرلمان للمرأة.. التى لا تزال تواجه إحجام الناخبين عن اختيارها رغم كل ما حققته من مكاسب ومناصب.. ورغم مكانتها التى أصبحت لا تقل عن مكانة الرجل.. وهو على أية حال نظام مؤقت ومحدد بدورتين برلمانيتين يمكن للمرأة خلالهما إقناع المجتمع بأنها قادرة مثل الرجل تماماً على تمثيل الشعب داخل مجلس الشعب!.. اقتراح كوتة الأحزاب الذى تحدثت عنه قد يكون دعابة أكثر منه اقتراحا.. فليست مسئولية الدولة إقناع الناخبين باختيار مرشحى المعارضة.. لكنه فى الحقيقة تعبير عن خيبة أملنا فى النتائج الهزيلة التى حققتها المعارضة. أحزاب المعارضة فى مصر لم تحصل إلا على 14 مقعداً مقابل 45 مقعدا للمستقلين و440 مقعدا للحزب الوطنى.. وليس لهذه الأرقام الهزيلة من معنى إلا أن أحزاب المعارضة فى مصر أحزاب وهمية افتراضية لا وجود لها فى الشارع.. ولا أبالغ لو قلت إن الانتماء للأندية الرياضية فى مصر أكبر بكثير من الانتماء لهذه الأحزاب.. مكسورة الجناح!.. ويطرح السؤال نفسه بقوة: على من تقع مسئولية هذا الفشل الذريع؟.. هل هى الحكومة التى قامت بتزوير الانتخابات للإطاحة بمرشحى المعارضة.. كما تزعم المعارضة؟!.. هل هو الحزب الوطنى الذى فاز باكتساح ولم يترك ثغرة واحدة تنفذ منها أحزاب المعارضة؟!.. هل هى أحزاب المعارضة نفسها التى عجزت عن الفوز أو حتى الاقتراب منه؟!.. حكاية التزوير فى الحقيقة أصبحت من الحكايات المملة السخيفة.. فلم تُجر انتخابات فى مصر إلا وقالوا إنها مزورة.. حتى الانتخابات البرلمانية الماضية التى حصل فيها الإخوان على 88 مقعدا.. رغم أنف الحكومة.. قالوا إنها مزورة.. وهل لو كانت مزورة لفاز الإخوان بكل هذا العدد من المقاعد؟!.. أما الانتخابات الأخيرة فليس منطقياً أن نصفها بالتزوير لأنها لو كانت مزورة لحرصت الحكومة على أن يكون هناك نصيب معقول من المقاعد لمرشحى المعارضة.. حتى لا تتهم بالتزوير (!!!).. لكن الحقيقة أن نتائج الانتخابات جاءت مخالفة لكل قواعد التزوير!.. لا ينفى ذلك أن هناك تجاوزات تمت بفعل أفراد وليس بفعل الحكومة.. لكنها مسألة تحدث فى كل انتخابات.. فى مصر وخارج مصر.. أما اتهام الحزب الوطنى باكتساح الانتخابات والإطاحة بمنافسيه فهو اتهام يثير الضحك والدهشة فى آن واحد.. فهل من المفترض أن يخطط الحزب الوطنى ويعمل ويجتهد لكى يفوز منافسوه؟!.. هل من المنطق أن يهزم الحزب الوطنى نفسه من أجل عيون المعارضة؟!.. إن الأصل فى أى انتخابات أن يعمل المتنافسون للفوز بها.. وإذا كان الحزب الوطنى قد عمل واجتهد من أجل الحصول على الأغلبية.. فليس هذا ذنبه ولكنه ذنب المتنافسين الذين لم يعملوا ويجتهدوا للفوز حتى بالأقلية!.. وهكذا نجد أن مسئولية الفشل الذريع الذى حققته أحزاب المعارضة تقع على كاهل المعارضة نفسها.. ليس هناك احتمال آخر.. وإذا كان حزب الوفد هو أحد أهم رموز المعارضة لتاريخه القديم والحديث فإنه أوضح الأمثلة على أن المعارضة هزمت نفسها فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة!.. *** اعود بالذاكرة لعام 2005.. حيث جرت الانتخابات الرئاسية التى شارك فيها حزب الوفد بمرشحه نعمان جمعة.. رئيس الحزب فى هذا الوقت.. فى هذه الانتخابات جاء ترتيب نعمان جمعة الثالث بعد مرشح حزب الغد أيمن نور وبعد مرشح الحزب الوطنى حسنى مبارك بالطبع.. فى أعقاب النتيجة الصادمة للوفد ولنا جميعا فتح الدكتور نعمان جمعة وفتح حزب الوفد النيران على الحكومة والنظام.. قال الدكتور نعمان جمعة إنه ليست لدينا انتخابات لأنه ليس لدينا حياة سياسية.. (مافيش فرصة للمنافسة.. مافيش تعددية).. المنافسة مستحيلة إذا كان أحد الأطراف هو الدولة.. وأكثر من ذلك فقد افتعل حزب الوفد معركة مع الحزب الوطنى واتهمت جريدة الوفد الناطقة باسم الحزب.. اتهمت الحزب الوطنى بالاشتراك مع لجنة السياسات والموساد والمخابرات المركزية الأمريكية فى مؤامرة للإطاحة بالدكتور نعمان جمعة.. لكسر شوكة الوفد!!! هل يمكن أن يكون ذلك معقولاً؟!.. هل من المعقول أن يتحالف الحزب الوطنى مع الموساد والمخابرات الأمريكية للقضاء على الوفد؟!.. ثم إن الحزب الوطنى كانت بينه وبين أيمن نور - الفائز الثانى فى الانتخابات الرئاسية - خصومة واضحة.. وكان يهمه أن يأتى نعمان جمعة فى المركز الثانى وليس الأخير.. ورغم ذلك كله لم يسأل الدكتور نعمان جمعة ولم يسأل حزب الوفد نفسه عن الأسباب الحقيقية التى أدت لهذا الفشل فى الانتخابات الرئاسية ومن بعدها الانتخابات البرلمانية.. لم يسأل الدكتور نعمان جمعة ولم يسأل الحزب: أين كانت القواعد الشعبية لحزب الوفد؟.. لماذا تراجعت شعبية الوفد؟.. وهل أدار الحزب حملته الانتخابية بطريقة صحيحة أم بطريقة خاطئة؟.. لم يسأل حزب الوفد نفسه وبدلاً من ذلك راح يوزع الاتهامات يمينا ويسارا لتبرير فشله.. وكأن التاريخ يعيد نفسه.. فبمجرد أن ظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. وبعد الفشل الذريع الذى حققه مرشحو الوفد.. بدأ الحزب يبحث عن مبررات للفشل دون أن يفكر فى الأسباب الحقيقية التى قادت مرشحيه لهذا الفشل!.. حزب الوفد فى البداية كان متردداً بين الاشتراك فى الانتخابات أو الانسحاب منها.. وكان متردداً بين التحالف مع الإخوان أو الابتعاد عنهم.. وكل ذلك أفقده الكثير من ثقة الناخبين وأصواتهم.. ثم إن الوفد لم يعالج أخطاءه الكبرى.. فلم يكن له وجود حقيقى فى الشارع.. وعندما ظهر ذلك واضحا بعد نتائج الجولة الأولى.. اندفع حزب الوفد بنفس طريقته.. فأعلن عن انسحابه من الجولة الثانية.. وانقسم الحزب على نفسه.. وتحدى بعض مرشحيه قرار الانسحاب ودخلوا الانتخابات.. وانقسم الحزب حول طريقة التعامل معهم.. لكنهم فى النهاية خسروا ثقة الناخبين وأصواتهم.. كأن الوفد لا يريد أن يتعلم الدرس!.. ولم تتعلم الأحزاب الأخرى الدرس.. والنتيجة هذا الفشل الذريع للأحزاب مكسورة الجناح!.. *** و كنت أتمنى لو أن أحزاب المعارضة نجحت فى الحصول على عدد كبير من المقاعد فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. اقتناعا وانطلاقا من فكرة أن البرلمان الذى يضم كافة التيارات السياسية أفضل من برلمان يضم تياراً سياسياً واحداً. قيادات الحزب الوطنى نفسه تؤمن بأنه من مصلحة الحزب أن تكون نسبة المعارضة فى البرلمان أكبر لكى يرتفع أداء الحزب الوطنى.. وذلك من منطلق أن المنافسة القوية للخصم ترفع مستوى الأداء وتزيد من جودته.. وليس هناك خلاف على أن أداء البرلمان - أى برلمان - يكون أكثر حيوية ونشاطا وتألقا بقدر ما يحتويه من معارضة قوية ومحترمة وفعّالة.. لكننا فى النهاية أمام واقع تفرضه أحزاب ضعيفة لا حول لها ولا قوة.. أحزاب لم تنجح حتى الآن فى أن يكون لها تواجد حقيقى فى الشارع ولا تملك رؤية واضحة تقنع بها الناس.. أحزاب مكسورة الجناح.. وأمام هذا الواقع الذى كنا لا نتمناه.. تفرض المسئولية نفسها على حزب الأغلبية (الساحقة) الذى عليه أن يتحمل مسئوليته فى التشريع والرقابة ويحرص ألا يكون برلمانا لتمرير القوانين على طريقة ما يطلبه المستمعون!.. *** قلت فى البداية إن اقتراحى بعمل كوتة لأحزاب المعارضة كان نوعا من الدعابة.. غير أن ذلك لا ينفى أن الدعابة يمكن أن تفيد أحياناً.. من هذا المنطلق علينا جميعاً أن نفكر فى طريقة وأسلوب تساعد بها الدولة الأحزاب مكسورة الجناح.. كما ساعدت المرأة!..