«معك في كل مكان».. الداخلية وتوجه قافلة إنسانية وطبية بالبحيرة| صور    القوات المسلحة توقع بروتوكول تعاون مع الأكاديمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    وزيرة التخطيط: شبكة تجارة مجموعة البريكس تدعم فتح أسواق جديدة لصادرات مصر    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    أمانة حماة الوطن بالقاهرة تكلف عاطف عجلان برئاسة لجنة السياحة    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    ارتفاع حصيلة الحرب على غزة ل36731 شهيدًا    زيلينسكي: أوكرانيا ستخرج منتصر من الحرب مع روسيا    7 مليون جنيه دعم وزارة الرياضة للاتحادات المتأهلة لدورة الألعاب البارالمبية باريس 2024    ميسي: ريال مدريد هو الفريق الأفضل في العالم    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    محافظ أسيوط: تخصيص 153 ساحة و4202 مسجدًا لتأدية صلاة عيد الأضحى المبارك    نسب إشغال متوسطة فى أول جمعة من يونيو على شواطئ الإسكندرية    أمن القاهرة ينقل سيدة مريضة غير قادرة على الحركة للمستشفى لتلقي العلاج    فور اعتمادها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة المنوفية 2024 نهاية العام    نجوم «ولاد رزق» و«عصابة الماكس» في فرح جميلة عوض    الموسيقات العسكرية تشارك فى فعاليات المهرجان الدولى للطبول والفنون التراثية    أفضل الذكر في العشر من ذي الحجة.. 6 أفعال احرص عليها    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة    المفتي يوضح حكم الحج بالتقسيط    مفتي عام السعودية يحذر من الحج دون تصريح    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    إعلان حالة الطوارئ بصحة الوادي الجديد تزامنًا مع الموجة الحارة (صور)    بعد تسجيل أول حالة وفاة به.. ماذا نعرف عن «H5N2» المتحور من إنفلونزا الطيور؟    لماذا قد يظهر الدم في البراز بدون ألم؟    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    بمناسبة عيد الأضحى.. زيارة استثنائية لجميع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    استبعاد كوبارسي وجارسيا ويورينتي من قائمة اسبانيا في اليورو    شحاتة يتقدم لمنظمة العمل الدولية بأوراق تصديق مصر على اتفاقية العمل البحري    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    سعر الدولار يرتفع في 9 بنوك مصرية خلال أسبوع    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 7-6-2024 في الدقهلية    أكسيوس: فشل اجتماع القاهرة لإعادة فتح معبر رفح    إندبندنت: بيان حزب العمال قبل انتخابات بريطانيا سيشمل خطوة للاعتراف بفلسطين    انطلاق انتخابات البرلمان الأوروبي في أيرلندا والتشيك    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    «أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    داعية إسلامي: أبواب الخير كثيرة في ذي الحجة ولا تقف عند الصيام فقط    تموين الإسكندرية تشكل غرفة عمليات لمتابعة توافر السلع استعدادا لعيد الأضحى    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا لست دمية ولا أنت
نشر في أكتوبر يوم 31 - 10 - 2010

أعطت الممرضة المولود لأمه «زينب» فوضعته فى حجرها وهى تنظر للمرضة نظرة تقول: ما هذا؟ وماذا أفعل به؟ لم تكن تجربة «زينب» مع الأمومة تجربة عادية، فقد خُلق فى أحشائها، وهى فى قمة التعاسة والضياع، وقد ذاقت مع زوجها عذابا يفوق قدرة البشر. وبعد صبر طويل أملا فى أن ينصلح حاله كما يقولون، صممت على الطلاق. وبينما كانت فى شدة السرور بقرارها، وتتطلع للحياة والحرية من جديد، اكتشفت أنها حامل، وتكاتف عليها الأهل ينصحونها بأن تبقى من أجل الطفل، فرضخت كارهة، وامتلأت نفسها منذ ذلك اليوم بالغضب والنفور من هذا الطفل الذى كان يعنى لها سلاسل من حديد تطوق رقبتها، وقدميها، ويديها.
لم تُفلح نظرات وابتسامات الطفل البرىء فى أن تُدخل على «زينب» أى بهجة أو فرحة، فقد كانت مشاعرها قد ضربت فى مقتل، فكانت تتعامل مع الطفل بما يرضى ضميرها، ولكن لم يكن يعنى لها أكثر من عبء ثقيل، وكأن حياتها مع أبيه بوحشيته وقسوته قضت على كل قدرة لها على الحب، حتى لوليدها. الأكثر مرارة من هذا هو أنها لم تكن تشعر بأنه ابنها بقدر ما كانت تشعر بأنه قطعة من أبيه، وبالتالى لا يستحق منها إلا نفس النفور. وعلى مستوى أعمق من انخراطها فى مأساتها، كان قلب «زينب» يتمزق حزنا على هذا الطفل «اليتيم» معنويا، فأمه ليست إلا جسد بلا روح، وأبوه غارق فى ملذاته وشهواته.
طبيعة أقوى من كل المشاعر المريضة/u/
بعد سنوات من تلك العلاقة الجافة بين الأم وابنها بلغ «صابر» - وهذا اسمه - نحو السابعة. وطوال هذه السنوات كان كل شىء فى تصرفات «زينب» ينطق بالقول له:«أنا لم أكن أريدك.. ومازلت أرفضك». ومع ذلك بدأ «صابر» من جانبه، وعلى صغر سنه، يشعر بآلام أمه، ويحاول أن يدخل عليها السرور بكل مداعباته الساذجة، وحيله الطفولية، فيعطيها بعضا من الحلوى التى معه، أو يحكى لها قصة مضحكة، أو يساعدها فى أعمال المنزل دون أن تطلب منه، أو يرفض الذهاب للعب مع أصدقائه حتى لا يتركها وحيدة.
تدريجيا بدأت مشاعر «زينب» تلين، وأخذت تتعلق بولدها، وتمضى معه لحظات جميلة. وكلما كبر عاما، تنمو علاقتهما بصورة رائعة، حتى صارت «زينب» تشعر أن ولدها هو أكبر نعمة أنعم الله بها عليها، بل وبدأت تستعيد توازنها النفسي، وتسترجع حيويتها، وتتفتح لها أبواب للسعادة والتحقق لم تكن تراها من قبل. أما «صابر» وقد بلغ الخامسة والعشرين، فيشهد له كل المقربين منه بأنه شخصية سوية، متوازنة، معطاءة، مرنة. كما أنه ورغم قسوة أبيه عليه يعامله بمنتهى الاحترام والحب، ولكن دون أن يتفق معه أو يتاثر بسلبياته وانحرافه.
وقصة «زينب» و»صابر» إن دلت على شىء فهى تدل على أنه رغم ما يؤكده علم النفس من التأثير السلبى الخطير على الإنسان إن لم يأخذ احتياجاته العاطفية المطلوبة فى الطفولة، إلا أن هناك عنصرا إضافيا -يشير إليه أيضا علم النفس الروحى - وهو أن الإنسان ليس دمية تحركها الخيوط الخفية، أى الصدمات، وأخطاء الآخرين، وليس «روبوت» تبرمج على شىء ثابت ليس عليه إلا تنفيذه. فداخل الإنسان منطقة عميقة، قوية وسوية، قادرة على أن تجعله - كما الحال مع «صابر» - يقابل المشاعر المريضة، بمشاعر أخرى سليمة وسوية فيساعد الآخر - كما حدث مع «زينب» - على الشفاء. فقد ظهر مع «صابر» تأثير تلك القوة العظيمة التى منحها الله للإنسان. وهى تظهر بقوة أيضا مع عباد الله الصالحين، ومن قبلهم الرسل والأنبياء.
طفولة لا تغيب.. ونضج جديد/u/
نستخلص من هذا أنه لا يمكننا أن نقول إن كل متاعبنا ونحن كبار سببها الوالدان، أو أن ما حدث لنا ونحن صغار يعنى أنه رسم لنا مصيرا محتوما لا يمكننا الفرار منه. فطبيعة الشخص نفسه لها دور أساسى فى التفاعل بصورة تؤدى إلى النتائج النهائية: سلبا وإيجابا. والأخبار السارة التى يحملها لنا علم النفس الروحى هى أنه حين يكتسب الوالدان أو أحدهما الوعى السليم، يستطيعان إصلاح ما أفسداه من قبل. ذلك لأن القوة السوية داخلهما إذا اُستقبلت جيدا من الأبناء فهى تعتبر بمثابة عملية «خلق جديد»، وهذا معنى «الشفاء.
والخبر السار أيضا هو أن الإنسان نفسه الذى لم يتلق احتياجاته الأساسية من أبويه، فعنده أدوات للتواصل مع القوة العميقة الخلاقة داخله، فتعيد إفراز طاقة الشفاء المعنوية، فيصبح - فى أى سن - كطفل يتلقى كل احتياجاته المعنوية. الوسائل لذلك هي: أولا: الفهم السليم، أى الخروج من مصيدة الشعور «أنا ضحية والدىّ». ثانيا: إقامة صلة بالله مصدر كل الرحمة والحب، وما رحمة الأبوين إلا بضعة ضئيلة من تلك الطاقة الكونية المتاحة لمن يطلبها. ثالثا: إقامة علاقات مع البشر والمخلوقات قوامها الحب الخالص والرعاية المتبادلة.
اغفر لوالديك.. يبرك أبناؤك/u/
كل أم أو أب هو حلقة موصولة بأبويه من ناحية، وبأبنائه من الناحية الأخرى. وشفاؤه أو استواؤه النفسى مرهون بتصليح العلاقة فى الاتجاهين. مفتاح الإصلاح من جهة الآباء هو الغفران إن شعر أنهم أخطأوا فى حقه، ومفتاح الإصلاح مع الأبناء هو الاحتواء والاتساع والحب غير المشروط. الغفران للأبوين معناه إدراك أنهما تصرفا وفقا لما يعلمانه، وإن كان ما يعلمانه قليلا أو قد حمل أذى، فمن منا معصوم؟ ومن منا يعرف الصواب المطلق؟ ومن منا يضمن أنه لا يؤذى أحدا بمشاعره المريضة وهو لا يدرى؟ هذا الوعى يجعل الإنسان يتحول من السخط والغضب واللوم لوالديه إلى الدعاء لهما أسوة بسيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال:«ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب». وهذا الطلب للغفران يفتح الباب للشخص نفسه، أن تُزال من أعماقه الآثار السلبية عليه التى سببها خطأ الوالدين.
أما الحب غير المشروط مع الأبناء فيعنى أننا نقدرهم ونحترمهم فى ذاتهم، وليس لأنهم صورة منا، أو صورة نحبها، ويعنى أيضا الرعاية المستمرة ليكونوا أنفسهم، لا أن يكونوا امتدادا لنا. وهذا الوعى يجعلنا ندعمهم حتى لو اختاروا شيئا مختلفا عما نريده نحن لهم. وحين يخطئون نساعدهم على اكتشاف الخطأ دون تعنيف أو إقلال من شأنهم، وأن نعطيهم الفرصة لأن يعبروا عن أنفسهم بحرية ونستمع لهم، ونشاركهم أحلامهم واهتماماتهم. الأبوان لا يستطيعان ذلك إلا حين يكونون هم أنفسهم خاضوا رحلة الشفاء من تأثيرات الماضى.
الثمار التى نجنيها هى وجود علاقة سوية بأبنائنا لها هذه الملامح:
1-كل فرد يصبح متحققا ويساعد الآخرين على التحقق. 2- تتكون عند كل فرد حساسية أكبر تجاه مشاعر واحتياجات كل الأطراف. 3- تصبح حياتهم خالية من اللوم لبعضهم البعض. 4- يحلون كل مشاكلهم بتفاهم وسلام. 5- يعبر الجميع عن كل مشاعرهم مهما كانت دون إيلام بعضهم البعض. 6- تتسم العلاقة بأنها حب متواصل ورعاية متبادلة، لا مجرد واجبات مادية.
هذه ليست مواصفات مدينة فاضلة أو يوتوبيا، إنها ثمار واقعية لأناس بذلوا الجهد المطلوب لتحقيق التواصل الإنسانى الحقيقى الذى هو منبع سعادة لا تضاهيها أى سعادة أخرى.
تدريب: تأمل نفسك كحلقة وصل بين أبويك وبين أبنائك أى نوع من الابن أو الابنة لوالديك، وأى نوع من الآباء والأمهات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.