ماذا بعد القمة العربية الاستثنائية التى انعقدت فى سرت مؤخرا؟.. وهل انتهت مسيرة تطوير وتحديث الجامعة العربية وأسدل الستار على العمل العربى المشترك؟.. وما حقيقة ما دار فى كواليس الدبلوماسية العربية حول تطوير منظومة الجامعة العربية؟.. وكيف ستتم معالجة القضايا الخلافية التى تتعلق بالتدرج والأولويات كما حددها الرئيس حسنى مبارك فى مداخلته أمام القادة العرب؟. ولم تبدأ قضية تطوير منظومة العمل العربى الاستثنائية المشترك فجأة فى القمة العربية الأخيرة فى مدينة سرت الليبية أو بالدورة العادية، وإنما سبقتها قمم أخرى انعقدت فى القاهرة منذ عام 2000 وامتدت إلى مثيلاتها فى تونس والجزائر والسعودية وقطر والسودان والكويت. وبحسب خبراء فإن التدرج فى التطوير مطروح، حيث إنه من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة اجتماعات على مستوى خبراء ووزراء إذ أقرت القمة «الاستثنائية» بشأن تطوير منظومة العمل العربى المشترك تكليف الأمانة العامة ودولة الرئاسة ولجنة وزارية مصغرة بإعادة صياغة مشروع البروتوكول الخاص بالتطوير والأخذ فى الاعتبار مقترحات وملاحظات الدول التى أبداها القادة العرب أثناء اجتماعات القمة. يذكر أن دول الخليج وفى مقدمتها السعودية قد أبدت تحفظها على بروتوكول التطوير وعلى توصيات اللجنة الخماسية التى عقدت على مستوى قادة خمس دول عربية هم: مصر وليبيا وقطر والعراق واليمن، وكانت الملاحظات حول التغيير المتدرج وعدم تغيير اسم الجامعة العربية وهو ما أيده عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، حيث قال: ليس بالضرورة تغيير اسم الجامعة العربية وأنه سيكون فى نهاية التوافق على التطوير ويمكن الإبقاء عليه كما هو. وقال إن الرئيس على عبد الله صالح أوضح خلال اجتماعات القادة العرب فى سرت أن تغيير اسم الجامعة إلى اتحاد ليس هو المهم، وإنما التوافق حول المضمون وأهمية التطوير بعد ستين عاما على إنشاء جامعة الدول العربية. وقال موسى: إن التطوير لم يبدأ فجأة فى قمة سرت، وإنما بدأ منذ عام 2000 عندما كنت وزيرا للخارجية ووقعت بنفس على وثيقة دورية انعقاد القمة العربية ثم تلت ذلك وثائق أخرى طرحت فى تونس والسعودية وقطر والسودان والجزائر والكويت من خلال القمم العربية التى انعقدت فى هذه العواصم. وأوضح موسى أنه لم يقدم بروتوكول التطوير، وإنما عرضت الأمانة العامة للجامعة كل ما صدر عن الدول العربية عبر الاجتماعات الرسمية والتحضيرية والرسائل المتبادلة بين الجامعة والدول العربية. وأضاف أن منظومة التطوير لم تعتمد بشكل نهائى فى قمة سرت، وإنما اعتمدت من حيث المبدأ وسوف نشرح فى بحث ودراسة كل ملاحظات الدول وصولا إلى عملية التوافق ولدينا ثلاثة أشهر حتى انعقاد القمة القادمة فى عام 2011، حتى نقر وثيقة التطوير فى مضمونها وشكلها النهائى. يذكر أن القمة أكدت على أهمية تفعيل آليات منظومة العمل العربى المشترك والإسراع نحو تحقيق كونفدرالية عربية والاندماج فيما بين اقتصاديات الدول العربية وصولا إلى الوحدة الاقتصادية العربية المنشودة، كما أكدت على أهمية تفعيل نصوص معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين دول الجامعة العربية والدعوة لاستئناف اجتماعات الأجهزة التى نصت عليها المعاهدة وبصفة خاصة مجلس الدفاع العربى المشترك. وكذلك اعتماد توصيات اجتماع اللجنة الخماسية العليا بشأن تطوير منظومة العمل العربى المشترك. واتصالا - بالمناقشات التى دارت حول مقترح رابطة الجوار العربى فإن القمة اعتمدتها كفكرة مع الأخذ فى الاعتبار مواقف عدد من الدول الأعضاء وتشكيل لجنة وزارية مفتوحة العضوية برئاسة رئيس القمة لمواصلة دراسة مقترح إقامة منتدى الجوار فى كافة جوانبه والتوقيت الملائم لإقامته والاستعانة بفريق من الخبراء السياسيين والقانونيين والاقتصاديين والطلب من الدول الأعضاء مواصلة تزويد الأمانة العامة برؤيتها واقتراحاتها فى هذا الشأن وتكليف اللجنة الوزارية المعنية بتقديم تقرير عن مدى التقدم الحاصل فى أعمالها إلى الاجتماع القادم لمجلس الجامعة على مستوى القمة فى دورته القادمة مارس 2011. إذن كانت قرارات قمة سرت مفتوحة للعمل والنقاش ولم تحسم الموضوعين المدرجين على جدول أعمالها تطوير منظومة العمل المشترك ورابطة الجوار، وإنما أعطت المجال للتوافق فى القرار النهائى ويعد ابداء الملاحظات حتى يصدر القرار بالإجماع ودون تحفظ أية دولة عربية خاصة وأن موضوع العلاقة العربية الإيرانية ليس على ما يرام ويشوبه الكثير من التحفظات، وبالتالى كانت المواقف تدور فى اتجاه وحدة الصف العربى أولا ومعالجة القضايا الخلافية مع إيران وتحديد الأولويات فى التعاون كل هذه الملاحظات والأفكار انعكس فى مداخلة الرئيس حسنى مبارك أمام القمة العربية الاستثنائية فى سرت، حيث أشاد أولا بالجهود المخلصة التى بذلت لتطوير آليات العمل العربى المشترك - وفى الإعداد لهذه القمة الاستثنائية المهمة. كما سجل الرئيس مبارك أهمية وضرورة تطوير المنظومة العربية نظرا لما تشهده التطورات على المستويين الإقليمى والدولى لمواجهة العديد من التحديات المتشابكة على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وأكد الرئيس مبارك على ما لدى العرب من تجربة غنية فى العمل العربى المشترك، مشيرا إلى أن رؤية مصر لدفع التطوير، وكذلك سياسة الجوار العربى ترتكز على ثلاث دعائم أساسية. أولا: ضرورة الإبقاء على مسمى جامعة الدول العربية عنوان هذا الإرث التاريخى وهذه التجربة مع اعتماد رؤية جديدة لتطوير أداء الجامعة من حيث المضمون والاختصاصات. ثانيا: التأكيد على مبدأ التطوير المتدرج - وفق ما اتفق عليه منذ قمة تونس عام 2004 والقمم العربية المتلاحقة وصولا إلى مقررات وتوصيات قمة سرت التى انعقدت فى مارس 2010، وكذلك قمة اللجنة الخماسية التى انعقدت فى طرابلس. وأوضح الرئيس مبارك أن مصر على اقتناع بأن التطوير المتدرج يجمع بين الواقعية والطموح ويراعى معطيات الواقع العربى الراهن وظروفه وإمكانياته. ثالثا: أن سياسة الجوار العربى يجب أن تنطلق من تعزيز التعاون العربى مع المجتمع الدولى بكافة منظوماته وتجمعاته ودوائره الإقليمية. واعتبر الرئيس أن الخطوة الأولى هى فى بلورة رؤية موحدة تجاه دول الجوار العربى وتصور لآليات عملية وواقعية للتعامل معها فى إطار توافق عربى، وبما يحقق المصلحة العربية.. وحدد الرئيس مبارك رؤية التعامل مع الجوار العربى فى نقاط واضحة وهى الجمع بين اعتماد معايير محددة ومتفق عليها والأولويات وضرورة مراعاة أوضاع العلاقات بين دول العالم العربى، وكل دولة من دول هذا الجوار. كانت مشاركة الرئيس حسنى مبارك فى هذه القمة المهمة لها فاعليتها وثقلها، حيث التف كل الحضور العربى مع مبارك مصر بحفاوة بالغة ومشاهد مؤثرة عبر لقاءات ثنائية مع قادة وزعماء العالم العربى، حيث التشاور وتبادل الآراء حول ما يدور من قضايا ساخنة وتطوراتها من العراق إلى فلسطين والسودان والصومال وحتى فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين كل من مصر وتونس ومصر والجزائر وقطر والكويت والإمارات. وقد أسفرت مجمل اللقاءات عن نتائج إيجابية أعلنت فى حينها - خاصة فى القرار المتبادل لمصر وتونس بالإفراج عن المحتجزين على ذمة قضايا الكرة، والصيد. وكانت مشاعر عمق الاحترام والود بارزة بين الرئيس حسنى مبارك والأخ معمر القذافى قائد الثورة الليبية الذى أشاد بما قدمه الرئيس حسنى مبارك من أفكار وملاحظات فى تطوير العمل العربى المشترك.