استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    حجازي: تعزيز آليات التعاون في الخدمات التعليمية المقدمة بمدارس (IPS) خلال الفترة المقبلة    «الخشت»: أحمد فتحي سرور ترك رصيدا علميا يبقى مرجعا ومرجعية للقانونيين    جامعة بنها تفوز بتمويل 13 مشروعا لتخرج الطلاب    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في قنا    وزير النقل يبحث مستجدات تسيير خط «رورو» للحاصلات بين مصر وإيطاليا    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 في أسواق الأقصر    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في أسواق محافظة قنا    محافظ أسوان: توريد 225 ألفًا و427 طنًا من القمح حتى الآن    وزير الإسكان يصل بني سويف الجديدة بمستهل جولته التفقدية بعدد من مدن الصعيد    الجثامين بدت متفحمة.. شاهد لحظة العثور على طائرة الرئيس الإيراني    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    الأهلي يواصل استعداده لمواجهة الترجي بنهائي دوري أبطال أفريقيا    النصر السعودي يضغط لحسم صفقة صديق رونالدو    بالفيديو.. الأرصاد: طقس شديد الحرارة نهارًا على أغلب الأنحاء    تداول ورقة مزعومة لامتحان الهندسة ب«إعدادية القليوبية»    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    تفاصيل الحالة المرورية في شوارع وميادين القاهرة الكبرى اليوم (فيديو)    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لمنطقة أبو غليلة    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    وزير الصحة يوجه بسرعة الانتهاء من تطبيق الميكنة بكافة المنشآت الطبية التابعة للوزارة    رقم تاريخي لعدد أهداف موسم 2023/24 بالدوري الإنجليزي    موعد عرض مسلسل دواعي السفر الحلقة 3    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    الجنايات تنظر محاكمة 12 متهما برشوة وزارة الري    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    رغم انتهاء ولايته رسميًا.. الأمم المتحدة: زيلينسكي سيظل الرئيس الشرعي لأوكرانيا    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    احذروا الإجهاد الحراري.. الصحة يقدم إرشادات مهمة للتعامل مع الموجة الحارة    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    حدث بالفن| حادث عباس أبوالحسن وحالة جلال الزكي وأزمة نانسي عجرم    «زي النهارده».. وفاة الشاعر أمل دنقل 21 مايو 1983    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر.. الذكرى والمعنى
نشر في أكتوبر يوم 10 - 10 - 2010

كنت واحدا من الذين عبروا قناة السويس.. لم يكن ذلك فى عام 1973، فقد كنت أيامها طالبا فى الجامعة.. وإنما عبرت القناة فى العام الماضى لحضور الاحتفال الأسطورى الذى اقامته قواتنا المسلحة بمناسبة مرور 36 عاما على انتصار أكتوبر العظيم.. والذى تحولت معه أرض سيناء إلى خشبة مسرح كبيرة وهائلة عرض عليها عمل فنى مذهل شارك فى تقديمه عدد كبير من الجنود المصريين إلى جانب مجموعة متميزة من الفنانين.. جسّدوا من خلاله انتصارات ومعارك الجيش المصرى على أرض سيناء.. من أول أحمس ورمسيس وحتى انتصار أكتوبر المجيد.
فى طريق الذهاب إلى مكان الاحتفال وعند العودة منه.. كان على الحاضرين عبور قناة السويس من خلال معبر أقامته القوات المسلحة خصيصا لهذا الغرض.. وأظنه كان لمسة مقصودة لتذكيرنا بعملية العبور..
كانت مشاعرنا ونحن فوق المعبر خليطا من الانبهار والخوف.. الانبهار بأننا سائرون فوق معبر يشبه المعابر التى أقامها سلاح المهندسين المصريين لعبور الجنود وأسلحتهم الثقيلة إلى سيناء.. والخوف من خطأ بسيط يهوى بسياراتنا من فوق المعبر!.. مع أننا كنا ذاهبين إلى نزهة واحتفال وليس كما كان جنودنا وضباطنا ذاهبين قبل أكثر من 36 عاما إلى حرب!..
المفارقة تدعو إلى الدهشة والتأمل.. فنحن الذاهبين إلى نزهة نشعر بالخوف بينما كان الذاهبون إلى الموت.. غير خائفين!..
سجلات حرب أكتوبر على أية حال مليئة بقصص مذهلة عن شجاعة وإقدام الجنود المصريين.. جنود استطاعوا بأدائهم المذهل وشجاعتهم الفائقة إنزال العار بالعسكرية الإسرائيلية!.. مع أن كل الظروف والمعطيات كانت تؤدى إلى نتيجة واحدة.. استحالة الانتصار!..
وربما لهذا السبب فإن حرب أكتوبر المجيدة لم تكن حربا بقدر ما كنت معجزة.. ولم تكن انتصارا بقدر ما كانت اكتشافا لأنفسنا ولقدراتنا.. فمن خلالها اكتشفنا - أو بتعبير أكثر دقة - أعدنا اكتشاف قدراتنا على تحقيق المعجزات عندما نريد!..
كانت المهمة صعبة.. تكاد تكون مستحيلة..
وكان العالم متأكداً من أن مصر لن تحارب.. وكان هناك شبه إجماع على أن نظام الرئيس الراحل أنور السادات على وشك الانهيار..
صحيفة أمريكية قالت إن السادات حاكم يهدد بالحرب وإن كانت هوايته وقف إطلاق النار!..
وعندما أدلى الرئيس السادات بحديث صحفى إلى جريدة «النيوزويك الأمريكية» فى أبريل من عام 1973 كان واضحاً أن السيد «بورجريف» كبير محررى الجريدة والذى أجرى الحوار مع الرئيس السادات.. لم يصدق كلمة واحدة قالها السادات عندما راح يؤكد أن الحرب على الأبواب وأنها قادمة لا محالة.. فقد نشر الصحفى الأمريكى إلى جوار حواره مع الرئيس السادات تحليلاً عسكرياً يؤكد أن مصر عاجزة تماماً عن الحرب.. كما أشار فى نفس العدد إلى قصة هبوط طائرة هليوكوبتر إسرائيلية على الضفة الغربية للقناة، وقيام طاقمها بأسر عدد من الضباط والجنود المصريين والعودة إلى سيناء المحتلة دون أن تتعرض لطلقة نيران واحدة!..
وعلى الرغم من أنه لم تثبت صحة هذه الرواية إلا أن ذلك كان مؤشراً على أن الصحافة العالمية مقتنعة بأن الجيش المصرى عاجز عن الحرب..
وحتى على المستوى الداخلى.. لم يكن أحد يصدق أن مصر ستحارب.. وعلى الرغم من الضغط الشعبى الهائل على الرئيس السادات لدخول الحرب.. إلا أن أحدا لم يؤمن بأننا قادرون على الحرب!..
كانت حرب يونيو قد حطمت تقريباً معظم أسلحة الجيش المصرى، وكانت الهزيمة صدمة مروعة.. وكان اليأس قد أصبح جزءاً من تركيبة المواطن المصرى.. وتحول الإحباط إلى حالة عامة أصابت الجميع..
كان الشعب يصرخ من أعماقه رغم كل مظاهر الإحباط واليأس يطالب بالحرب والثأر.. وكان النظام يعمل بأقصى ما يملك من جهد للإعداد لهذه الحرب وتحقيق انتصار يعيد لمصر كرامتها ويعيد المصريين لأنفسهم.. لكن الشعب الذى فقد الثقة بنفسه وقيادته ونظامه فى يونيو 67.. لم يصدق أن هناك من يعملون فى صمت وصبر لتهيئة المسرح لأكبر انتصار عسكرى مصرى فى التاريخ..
وعندما اقترب يوم 6 أكتوبر من عام 1973 كانت العجلة قد بدأت فى الدوران وكأن فجر الانتصار قد أوشك على البزوغ، وكانت المعجزة على وشك أن تتحقق!..
***
عندما وقع طيار إسرائيلى فى الأسر خلال الحرب.. تحدث معه أحد قادتنا وسأله: ماذا حدث لكم.. لماذا تغير أداؤكم؟.. وكان رد الطيار الإسرائيلى: سيدى نحن لم نتغير.. أنتم الذين تغيرتم!..
ويعترف موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الحين بأن حرب أكتوبر كانت مفاجأة لإسرائيل.. ليس فقط فى توقيت الحرب وإنما أيضاً فى كفاءة القوات المصرية..
والحقيقة أن أداء الجيش المصرى كان مذهلاً بكل المقاييس..
فى توقيت واحد وتنسيق لم يسبق له مثيل.. فتحت كل الأسلحة المصرية نيرانها على العدو..
المدفعية فتحت نيرانها لمدة 53 دقيقة على خط بارليف ومراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية ومحطات الرادار والتحصينات..
فى نفس التوقيت انطلقت 240 طائرة حربية تعبر القناة.. وفى أقل من 20 دقيقة كانت قد انتهت مهمتها بنجاح عظيم.. وهو ما أصاب المراقبين العسكريين بالذهول..
انطلقت الطائرات المصرية من أماكن مختلفة وفى توقيتات مختلفة.. لكنها فى الموعد المحدد كانت كلها تعبر القناة.. فى وقت واحد.. والأهم من ذلك أن خسائر الطائرات المصرية لم تزد على خمس طائرات.. رغم أن أفضل التوقعات كانت تؤكد أن الخسارة ستزيد على مائة طائرة!..
وقبل أن تبدأ هذه الملحمة العسكرية كانت قوات الصاعقة قد نجحت فى سد أنابيب وخطوط النابالم التى جهّزتها إسرائيل لتحويل القناة إلى جحيم يحرق الجنود المصريين إذا قاموا بالعبور!..
وينجح المهندسون المصريون فى مد كبارى العبور.. وتنجح القوات المصرية فى العبور ويقوموا بتدمير خط بارليف.. بخراطيم المياه!..
وبعد يومين اثنين فقط من بدء القتال ترسل جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الحين رسالة إلى الرئيس الأمريكى نيكسون تقول فيها: أنقذونا.. إسرائيل تغرق!..
وفى كتابه «زعماء عرفتهم» يكتب ريتشارد نيسكون الرئيس الأمريكى الأسبق يقول: لو لم نمد الجسر الجوى إلى إسرائيل لما كان فى مقدورها الصمود أكثر من 48 ساعة!..
كان أداء الجيش المصرى أكثر من مذهل.. وكان الانتصار بكل المقاييس معجزة!..
ولم تتحقق هذه المعجزة من فراغ!..
***
يجمع الخبراء العسكريون على أن معادلة النصر التى تحققت فى أكتوبر 1973 لم تكن لتتحقق إلا بتوافر عدد من العوامل أهمها على الإطلاق التخطيط الجيد الذى شمل إعداد خطة محكمة للخداع لمفاجأة العدو.. والتدريب الذى استطاع أن يصل بأداء الجندى المصرى إلى حد الإعجاز.. ثم التنسيق الكامل ليس فقط بين أسلحة الجيش المختلفة وإنما أيضاً على مستوى الجبهة الداخلية..
الحقيقة أيضاً أن الانضباط الكامل كان واحداً من أهم العوامل التى ارتفعت بمستوى أداءً الجيش المصرى فكان بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.. أداءاً مذهلاً..
وكان مهماً وضرورياً أيضاً استعادة الروح القتالية العالية للجندى المصرى.. لم تكن المهمة سهلة لكنها تحققت بعزيمة الرجال وإيمانهم..
سألت المشير الجمسى - رحمه الله - وقد أجريت معه أكثر من خمسة أحاديث صحفية.. سألته عن أهم أسباب الانتصار فقال: كنا نعرف ماذا نفعل.. وكنا جاهزين لكل الاحتمالات.. والمعنى أننا خططنا جيداً وتدربنا وكانت حساباتنا دقيقة جداً فلم نترك للمصادفة باباً!..
وإذا كنا جميعاً نعرف أن حرب أكتوبر بالمقاييس العسكرية وبشهادات أعظم خبراء العسكرية فى العالم.. كانت حرباً مبهرة ارتفع فيها أداء الجندى المصرى إلى مستوى مذهل وحقق فيها انتصاراً حساسماً.. فإن الذين عاصروا هذه الحرب وما قبلها وعاشوا أيام النكسة يعرفون أننا لم ننتصر فى هذه الحرب على جيش الدفاع الإسرائيلى فقط.. وإنما انتصرنا على أنفسنا أيضاً.. ولم نعبر فى هذه الحرب أصعب مانع عسكرى عرفه التاريخ فقط.. وإنما عبرنا أيضاً المحنة والعجز والتخلف والهزيمة!..
***
ذكرى حرب أكتوبر مناسبة نحتفل بها كل عام.. وعلى الرغم من مرور سبعة وثلاثين عاما على هذه الحرب إلا أننا لا نزال نشعر بمذاق وحلاوة الانتصار.. أما الذى ضاع منا على امتداد هذه السنوات الطويلة فهو المعنى.. معنى انتصارنا على أنفسنا.. وهذا ما نحتاج أن نبحث عنه ونستعيده!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.