رغم الفترة الزمنية القصيرة التى أمضاها فارس الدبلومابسية الراحل وزير الخارجية السابق أحمد ماهر- إلا أنه- ترك بصمات واضحة على مدار سنوات رحلته الدبلوماسية (47) عاما، عرف بدقته فى صياغة المذكرات والخطب- كان مسئولا عن تدوين كل ما يدور فى مفاوضات كامب ديفيد- اهتم بتنظيم وترتيب أوراق الخارجية المصرية رغم حبه للإعلام، اعتمد نظرية دبلوماسية الصمت المعبر، كان شديد الاحترام والتقدير للصغير والكبير. حاورته كثيرا فى مكتبه بالخارجية وعبر الهاتف وكانت إجاباته فى حدود الواقع وبلغة هادئة جدا وبعد خروجه من الوزارة كتب سلسلة مقالات جريئة حول واقع منطقة الشرق الأوسط وعواصم صنع القرار. حرص الرئيس حسنى مبارك على توديع الفقيد وزير الخارجية السابق أحمد ماهر، وقدم واجب العزاء لأسرة الفقيد وفى مقدمتهم شقيقه السفير على ماهر.. كما كان فى وداعه كبار الشخصيات فى مقدمتهم رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشورى، وعدد كبير من الوزراء والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والشخصيات السياسية والحزبية وكبار مسئولى وزارة الخارجية والدبلوماسيين العرب والأجانب، كما شارك فى الجنازة الأمين العام المساعد وأمين السياسات بالحزب الوطنى جمال مبارك وعلاء مبارك فى لفتة إنسانية لفقيد الدبلوماسية المصرية.. محطات مضيئة/U/ ومعروف أن أحمد ماهر وزير الخارجية السابق من مواليد 14 سبتمبر عام 1935 وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1956، حيث عين فوز تخرجه بالسلك الدبلوماسى، وشارك عام 1957 فى اجتماعات لجنة الشئون البريطانية والفرنسية والاسترالية ثم تنقل بين السفارات المصرية فى الخارج فى كينشاسا وباريس والقنصلية العامة بزيوريخ والبرتغال وبلجيكا، وكانت أهم محطات حياته الدبلوماسية عند اعتماده لدى السوق الأوروبية المشتركة- ثم سفيرا لمصر لدى كل من موسكو، وواشطن، ولشبونه، كما عمل بمكتب مستشار الرئيس لشئون الأمن القومى عام 1971 حتى عام 1974، ثم مديرا لمكتب وزير الخارجية من عام 1978 وحتى عام 1980. ويعرف عن الراحل أحمد ماهر دقته فى صياغة المذكرات والخطب، وقد عهد إليه مهمة تدوين كل ما يدور فى مفاوضات كامب ديفيد، وقد برز اسم أحمد ماهر كدبلوماسى نشيط بعد الانتهاء من إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، حيث تولى وقتها عدة ملفات مهمة فى هذه المفاوضات باعتباره مديرا لمكتب وزير خارجية مصر الراحل محمد إبراهيم كامل، وقد تولى الفقيد أحمد ماهر وزارة الخارجية فى الفترة من 15 مايو عام 2001 وإلى 14 يوليو عام 2004. وطيلة فترة عمله بوزارة الخارجية اختار منهج دبلوماسية الصمت المعبر التى تعتمد على الواقعية والعمل فى هدوء، لكن رحيله المفاجئ ترك أثرا بالغا لدى صانعى القرار والمسئولين داخل مصر والعواصم العربية، فقد نعته الخارجية المصرية ابنها البار ورجلا من رجالات مصر المخلصين الأوفياء. وودعه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بكلمات مؤثرة ومفعمة بالحزن كصديق عزيز وغال. كما أعرب عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية عن تعازيه، وعبَّر عن عميق حزنه لفقدان صديق قديم ودبلوماسى قدير، حيث قدم السفير المحورى بالقاهرة هشام ناصر خالص العزاء والمواساة إلى الرئيس حسنى مبارك والشعب المصرى باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقال إن مصر والعالم العربى فقدوا دبلوماسيا مقتدرا. مواقف سياسية/U/ وكانت مواقف الفقيد الراحل أحمد ماهر واضحة، حيث أكد على أهمية المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس وحذر من ضياع فرص الوساطة المصرية. وأكد أنه من أنصار عودة العلاقات المصرية الإيرانية والعمل على حل جميع المشاكل والمعوقات بالحوار، واستبعد توجيه ضربة عسكرية لإيران. وفى 18 مارس 2002 ألقى الفقيد الراحل أحمد ماهر رسالة الرئيس حسنى مبارك خلال الاحتفال بيوم الدبلوماسى، والتى ركزت على أبعاد التلاحم بين الدبلوماسى والوطنى والالتزام بالعمل والدفاع عن استقلاله وأمنه ونهضته. وبدوره أشاد الراحل أحمد ماهر بالإنجازات التى حققها الدبلوماسيون المصريون على مر التاريخ، مؤكدا أن الدبلوماسية المصرية غرست جذورها فى مشروع النهضة والتحديث منذ عهد محمد على وارتبطت بتاريخ الحركة الوطنية منذ إنشاء وزارة الخارجية عام 1922. وقال ماهر:إن الدبلوماسية المصرية حملت لواء الدفاع عن فلسطين وتحرير الوطن العربى وأفريقيا، مشيرا إلى الدور الكبير لجيل الأساتذة الكبار الذين تتلمذ على أيديهم مثل د. محمود فوزى، ومحمود رياض، ومحمد إبراهيم كامل، وبطرس غالى، وحافظ إسماعيل، وسميح أنور وأشرف غربال، وعصمت عبد المجيد، وإلى الجيل الحالى ممثلا فى صديقه وزميله عمرو موسى. وبنفس الهدوء والمنهج الحذر للراحل أحمد ماهر أكمل مشوار حياته حتى وفاته، حيث بدأ يعكس مواقفه الصريحة فى سلسلة مقالات تناول من خلالها رؤيته لإصلاح الأممالمتحدة والنظام الدولى، والرد على كل مواقف الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش. واليوم لا يسعنى إلا القول بأن مصر لم تفقد الراحل أحمد ماهر لأنه خلف وراءه العديد من الإنجازات والمشاريع التى تسطر تاريخه بحروف من نور.