فى عيد زواجهما السادس عشر تصف الكاتبة الأمريكية د. سوزان جيفرز زوجها مارك بأنه أكثر من كل من عرفت من الرجال قدرة على الحب والرعاية، وتقول إن سعادتها معه تجعل قلبها يغرد كل يوم بأغنية حب جديدة. وتعبر د.سوزان عن رغبتها فى أن تشارك البشر جميعا بعض أسرار استمرار قصة حبهما لأنها تؤمن بأنهم يستطيعون هم أيضا أن يعيشوا حياة زوجية سعيدة من خلال مفاتيح بسيطة تجعل الحب ينمو، ويدهما بسعادة حقيقية ومتجددة. وتقول د.سوزان إن السعادة التى تملأ حياتها الآن لم تأت من تلقاء نفسها، ولم تكن صدفة، وإنما هى ثمرة خبرات وتجارب، بل وآلام ومعاناة، وصبر، وإصرار على بذل الجهد، واستعداد للتخلى عن الأنانية والتكبر، والثمرة هى السعادة النابعة من التفاهم والتواصل، والحب الحقيقي، وهو أغلى نعمة يمكن أن ينعم بها الله على الإنسان فى هذه الحياة، علما بأن د. سوزان وزوجها التقيا بعد سنوات من فشل كليهما فى زواجه الأول. سأترك السيدة تحكى بنفسها: «وصلنا لحياة زوجية رائعة من خلال رحلة طويلة من التعلم والنمو النفسى. لقد أدرك كل منا أن عليه أن يتعلم من كل ما ارتكبه من أخطاء فى زواجه الأول. وسأعطى لكم مثالا صغيرا عن الفروقات المهمة بين زواجى الأول وزواجى الحالى. فى زواجى الأول لم أكن أشعر بأى امتنان لأى شىء مما كان زوجى السابق يقدمه لى. أما الآن فإننى أجعل عينى دائما مفتوحة لألحظ أى شىء مهما كان صغيرا يحاول به زوجى الحالى مارك أن يسعدنى به، ودائما أعبر له عن مدى امتنانى لما يقوم به من تصرفات أو لفتات. إن لسانى لا يكف عن كلمة «شكرا لك يا حبيبى، وكذلك هو». «فى زواجى الأول كنت دائما فى حالة من الغضب.. لماذا؟ لأننى بحكم أنى كنت صغيرة.. وغبية لم أكن أدرك أن على أن أتحمل المسئولية فى تحقيق سعادتى بنفسى بدلا من أن أنتظر طوال الوقت من زوجى السابق أن يملأنى بالبهجة والسعادة وكل المشاعر الطيبة، وكأن تلك هى مسئوليته وحده. مع الزمن نضجت واكتسبت بعض الحكمة. فى حياتى مع مارك أدرك أن لى دورا فى أن أجعل نفسى سعيدة، وبالتالى فمشاعرى تجاهه تخلو من اللوم، وقوامها الحب». «فى زواجى الأول لم أكن أشعر أنى قوية كما أشعر الآن. لقد تعلمت على مدى السنين أن القوة والحب يسيران معا. وبدون القوة يصبح الإحساس بالاحتياج هو الغالب. لقد نما داخلى أنا وزوجى مع الوقت الإحساس بالقوة الداخلية، ونتيجة ذلك أصبح لدينا كم هائل من الحب الذى يعطيه كل منا للآخر، وذلك فى نظرى هو ما تعنيه كلمة المساواة بأجمل معانيها». «فى زواجى الأول كنت أتعلق بالحلم الخيالى بأن نبقى معا حتى يفرقنا الموت، وكأن هذا الحلم يجب أن يتحقق من تلقاء نفسه. الآن أنا أنشغل بكل يوم أعيشه، لأجعله يمتليء بما يغذى علاقتنا، ويقويها. فأنا أدرك أن العلاقة التى لا تتلقى الغذاء اللازم معرضة لأن تنتهى يوما. إن تغذية علاقتنا واحدة من أهم أجزاء حياتنا اليومية». «كل منا فى زواجه الأول عانى من بعض الحماقة، لكن الزمن زرع فينا الوعى بأن الحكمة مطلوبة فيما يخص شئون الحب، ونحن لذلك لا نتوقف عن التعلم، ونمارس «فن» التقدير، والامتنان، والعطاء، والأخذ، والرعاية. لقد اكتشفنا أنه بينما كل واحد منا يعطي، فإن الشكر والامتنان من الآخر يرتد له أضعافا، مما يخلق دائرة متواصلة لعلاقة حب خلابة حقا». «لقد تعلم كل منا الكثير، منها الطقوس التى نمارسها على مدى 16 عاما فى كل عيد زواج جديد، وهى أن نؤكد من جديد على العهود التى أخذناها يوم زواجنا. نمسك أيدى بعضنا البعض، وينظر كل منا فى عيون الآخر، ونستمع لشريط تسجيل طقوس زواجنا، وفى كل جزء منها نقول بمرح وفخر: «نعم أعد بذلك». وفى كل عام تحمل لنا تلك العهود معان أعمق وأجمل.» «لقد مارسنا تلك الطقوس مرة ونحن بمفردنا، ومرة ونحن مع العائلة والأصدقاء المقربين. وجددنا عهودنا ونحن فوق قمة الجبال أو على شطآن البحر، أو فى مطاعم فاخرة، أو على المقاعد الجميلة التى فى بيتنا، أو فى أى مكان تلهمنا به روح الحب». «اختلفت الأماكن التى أكد فيها كل منا عهوده للآخر، ولكن لم يتغير معناها بالنسبة لنا، فقد كانت دائما تجديدا لالتزامنا بأن يحب ويحترم كل منا الآخر، وأن يشجعه على أن يكون على أفضل ما يمكنه فى كل شىء. وهذا ينعش مشاعرنا دوما، ويجعلنا نثق بأن ما نفعله هو الصواب، لأنه دون أدنى شك، يضع الأساس لعلاقة قوية وصحية للغاية». لماذا ينمو الحب.. أو يفتر؟/U/ فى تأمل مفاتيح نجاح علاقة الحب التى قدمتها د. سوزان نجد أنها تغيب عن معظمنا ربما لأننا أساسا لا ندرك أن أية علاقة هى كائن حى أى يحتاج لتغذية صحية ومقويات وإلى مراجعة مستمرة للتخلص مما يفسدها كما يتخلص الكائن الحى من فضلات الطعام، ويتنفس باستقبال الأوكسجين والتخلص من ثانى أوكسيد الكربون، لتجدد خلاياه باستمرار. وكما يحتاج الإنسان وكل كائن حى لهذه العملية الفسيولوجية لينمو فى صحة جيدة، فهو يحتاج أيضا نموا نفسيا ونضجا روحيا. بدونهما لا يستطيع أن يقيم أية علاقة سوية. وأسوأ ما يحدث فى أية علاقة يدخل فيها هو أنه - فى غياب النمو النفسى والوعى الروحى - يتحرك لا شعوريا تجاه الطرف الآخر مطالبا إياه - لا شعوريا أيضا - باعطائه كل ما يمكّنه من تحقيق النمو. ولأن الطرف الآخر يكون غير ناضج أيضا فإنه يفعل نفس الشىء وبالتالى تصبح العلاقة صراعا لا انسجاما. وهذا هو السبب الأساسى فى أن الحب الذى يشعر به رجل وامرأة غالبا ما يفتر بعد الزواج، بل تتحول العلاقة إلى إحباط متبادل، وعبء، ومصدر للجرح والألم. صحيح أن الحب بين البشر.. والتناغم والتنافر.. سر. وهبة من الله.. أو كيمياء روحية ونفسية وجسدية لا نحيط بها كاملا، ولكن عذابات البشر.. والمعاناة فى العلاقات الإنسانية تأتى أحيانا ليس بسبب فقدان الحب، وإنما بسبب نقص فى النمو أو النضج النفسى للأشخاص أنفسهم. وعلى الجانب الآخر، نلحظ أن النمو النفسى والنضج الروحى قادران على أن يجعلا القليل من الحب ينمو، ويثمر سعادة للطرفين، لأن الحياة اليومية بينهما والتعامل مع الأمور المشتركة باستواء نفسى يخلق تقاربا بينهما، يتحول إلى تناغم وراحة. كيف ينمو الحب.. وينتعش؟/U/ البداية هى مجرد الوعى عند كل واحد بأن له دورا مستقلا فى إنضاج نفسه أولا قبل مطالبة الطرف الآخر بأى شىء. وهنا يأتى معنى «القوة» الذى وصفته د. سوزان بأنه يجب أن يسير إلى جانب الحب. فالقوة هى الاستواء النفسي. ذلك لأن الحب هو علاقة بين طرفين متساويين نفسيا، وليس علاقة احتياج واعتماد من طرف ضعيف على آخر قوى. إذا صارت العلاقة مجرد اعتماد واحتياج خلت من الحب. أما حين يكون كل طرف قويا بنفسه يصبح الحب رباطا قويا يحقق السعادة، ويجعل الطرفين يتمسكان ببعضهما حبا لا اعتمادا. وهنا يأتى الامتنان الذى تحدثت عنه د.سوزان. فالشخص السوى ستكون له القدرة على أن يرى ما يقدمه له الآخر ويقبله بفرحة، ويسعد به، ويعبر عن سعادته، فيسعد الآخر، وتنمو قدرته على العطاء أكثر، فيساهم كل طرف فى دفع عجلة الحب التى تدور باستمرار لأنهما معا يدفعانها بطاقة الحب. أما الضعيف فيشعر دوما بالنقص، ولا يرى ما يقدمه الآخر لأنه مستغرق فى الانتظار والتوقع لأشياء قد لا يدركها الآخر، ويلومه دائما لأنه لا يعطيه ما يحتاج إليه، فيشعر الآخر بالإحباط، وتفتر رغبته فى العطاء، ويدخل هو أيضا فى سلسلة اللوم، فيكون الاثنان بذلك يدفعان عجلة التعاسة والفشل والتباعد والانفصال النفسى الذى يصل أيضا لانفصال جسدى وروحى واجتماعى أحيانا. ليس الحب مجرد انجذابة عابرة، وليس تعلقا بين شخصين يتحول إلى ما يشبه الإدمان، أى اعتماد طرف على طرف آخر بصورة مريضة. وليس الحب استعمالا من طرف لطرف. الحب قوة يساعد بها كل طرف نفسه والطرف الآخر على أن يكتشف ويستثمر أجمل ما فيه، ليعيش متحققا وسعيدا وقادرا على العطاء، وعلى الأخذ، وعلى الامتنان. ولهذا حديث قادم.