هو سليمان الملقب بالحكيم بن النبى داود والذى ينتهى نسبه بهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم.. عليهم السلام. تولى الملك بعد والده داود عليه السلام وأتاه الله النبوة ، واشتهر بالحِكمة ورجاحة العقل.. حتى أنه كان يشارك أباه وهو صغير مجلس القضاء.. وكثيرا ما كان يبدى رأيه فى القضايا المعروضة على مجلس والده.. ويذكر فى هذا المجال - وهى قصة وردت فى التوراة - أن امرأتين جاءتا المجلس للحكم بينهما، فقالت إحداهما: إننى أسكن مع هذه المرأة فى منزل واحد.. وتصادف أننا ولدنا معا فى ذات اليوم، وفى اليوم الثالث مات ابن هذه المرأة فى الليل لأنها اضطجعت عليه، فقامت وأخذت ابنى من جانبى وأنا نائمة وتركت ابنها الميت فى حضنى.. وعندما استيقظت فى الصباح وتأملت الطفل بجانبى وجدته ليس ابنى الذى أنجبته. وسأل سليمان المرأة الثانية عن حقيقة ما حدث.. فنفت كل ما قيل وأنكرته.. وأكدت أن ابنها هو الحى.. والذى توفى هو ابن المرأة الأخرى. فطلب سليمان سيفا.. وأمر حراسه بشطر الولد شطرين، وأن يعطوا كل امرأة منهما شطرة، فصرخت الأم الحقيقية واستعطفته ألا يشطره وأن يعطى الولد للمرأة الأخرى، بينما لم تمانع الثانية من الشطر حتى لا يكون الولد لها أو لغيرها! فقال سليمان وقد وضح الحق أمامه: أعطوا الولد للمرأة التى صرخت ورفضت شطره فإنها أمه. وهكذا كان سليمان واسع الحيلة يتسم بالذكاء والفطنة وحُسن التدبير وأطلق عليه سليمان الحكيم. ويذكر أيضاً أن سليمان كان أصغر إخوته وكانوا كثراً، ولكن أباه كان يفضله عليهم فكادوا له واعتبروا أنهم أحق بالملك منه، ودخلت الأسرة فى معارك متصلة اضطر الأب فيها لمغادرة القدس مقر ملكه والصعود إلى الجبل هربا من أحد أبنائه الذى استولى على الحكم.. وبعد عدة معارك انتصر سليمان على شقيقه وجلس على كرسى العرش فى وجود أبيه، وعمل على تثبيث ملكه.. فقسم البلاد إلى 12 قسما إداريا وعمل على ألا تتفق حدودها مع حدود منازل الأسباط الاثنى عشر من بنى إسرائيل وقتها، ونجح فى إقامة علاقات جيدة مع أمراء التخوم وملوك الدول المجاورة ونشطت تجارته وتحسنت أحوال البلاد وتوسع فى البناء. *** وقد أنعم الله على سليمان بما لم ينعم به على بشر من قبل، فقد دعا سليمان ربه «رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى».. فاستجاب له ربه.. فقد أتاه من كل شىء فجمع بين الملك والنبوة وأيده بالخوارق والمعجزات وعلمه لغة الطير وأدان له الجن والإنس والشياطين.. وأسال له النحاس (عير القطر). وقد اعترف سليمان بفضل ربه عليه إذ قال «يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء، إن هذا لهو الفضل المبين»، فكان يعلم ما يتخاطب به الطير من لغة ويفهم معانيها وما يدور فى رأسها من أفكار، «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها» وشكر ربه على نعمته الذى أنعم بها عليه. وكان الجن - بفضل ربه - يعمل لديه ويأتمر بأمره.. «يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات» أى القصاع والقدور التى يوضع فيها الطعام، سواء كانت متحركة أو ثابتة لضخامتها. كما سخر له ربه الرياح تجرى بأمره، رخاء حيث أصاب، وإجمالاً أتاه من كل شىء، وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون. *** وفى ذات الأيام تفقد جنوده من الطير فلاحظ غياب الهدهد وأسوة بما كان يجرى من الملوك.. هدد بالعذاب أو الذبح أو أن يأتيه الهدهد بخبر عظيم.. ولكن الهدهد بعد غيبة بسيطة عاد وقال لسليمان «أحط بما لم تحط به، وجئتك من سبأ (مملكة سبأ باليمن) بنبأ يقين»، ثم بدأ يشرح ما رأى «إنى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم»، ولكن المشكلة أنها وقومها «يسجدون للشمس من دون الله» فقد زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل. فيعقب سليمان «سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين» وأمره أن يذهب «بكتابى هذا» وأن يلقيه عليهم ويختفى ويتابع ماذا سيقولون، فلما تسلمت بلقيس ملكة سبأ الخطاب جمعت كبار قومها وقرأته عليهم «يا أيها الملأ إنى ألقى إلى كتاب كريم، إنه من سليمان، وإنه باسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلو على وأتونى مسلمين، فالخطاب واضح وصريح أن يأتوه مسلمين، ولذلك طالبت الملكة كبار قومها «أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون» أى أن تبدوا وجهات نظركم فى الموضوع وأن يكون الرأى بالإجماع والاتفاق، فكان ردهم «نحن أولو قوة وأولو بأس شديد». ومع ذلك أتت الملكة وأتت صاحبة القرار «والأمر إليك فانظرى ماذا تأمرين» ولأنها الملكة وتتمتع بالحكمة أفهمتهم أن السلام أفضل لأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها - حسب قولها - وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وحاولت جس النبض فأرسلت هدية ضخمة لسليمان لترى ماذا سيكون رد الفعل، وجاء الرد من سليمان للرسل «أتمدوننى بمال» لقد أعطانى الله خيراً مما أتاكم بكثير، وحذرهم من أنه سيأتيهم بجنود لا قبل لهم بها. وعندما علم أنها استجابت، قال مخاطبا جنوده «يا أيها الملأ أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين فقال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك» وقال آخر - ويقال إنه أحد الأولياء الصالحين - والذى عنده علم من الكتاب «وأنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك» وعندما علم أنها فى الطريق إليه أراد أن يفاجئها بأمور خارقة فأمر من حوله «نكروا لها عرشها» أى غيروا فيه بعض الشىء لنرى إذا كانت ستتعرف عليه أم لا، وعندما أراها سليمان العرش.. وسألها «أهكذا عرشك؟» أجابت بذكاء الملوك «كأنه هو». فعقب سليمان وهو يشكر ربه «وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين»، وأنشأ لها قصرا كبيرا وجعل مدخله من زجاج تجرى من تحته أنهار.. «قيل لها ادخلى الصرح، فلما رأته حسبته لجة، وكشفت عن ساقيها» فأفهمها سليمان أنه مجرد «صرح ممدود من قوارير» أى بناء أملس من أوان زجاجية، فأتت المفاجأة ثمرتها وقالت «ربى إنى ظلمت نفسى، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين»، وسبحان الله الذى يعطى الملك لمن يشاء وينزع المُلك ممن يشاء.