يبدو أن الهجوم على الإسلام والمسلمين من قبل بعض السياسيين المتطرفين فى الغرب أصبح ظاهرة تستحق الرصد والتحليل، ففى بريطانيا يصعد زعيم الحزب القومى البريطانى نيك جريفن حملاته المتطرفة ضد مسلمى بريطانيا، ويدلى بتصريحات عنصرية ضد المسلمين، ويطالب بوقف هجرة المسلمين لبريطانيا باعتبارها تشكل خطرا مميتا، وفى هولندا يستمر السياسى اليمينى جيرت فيلدرز فى هجومه على الإسلام، ومؤخرا انضم عضو الحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى وعضو مجلس إدارة البنك المركزى الألمانى «تيلو ساراتسين» إلى قائمة المهاجمين للإسلام والمسلمين، وذلك من خلال كتابه الذى أصدره مؤخرا « ألمانيا تدمر نفسها» و أثار جدلا شديدا وردود فعل متباينة، إذ تضمن هجوما شديدا على المسلمين ، فيقول ساراتسين فى كتابه إن المهاجرين القادمين من دول إسلامية هم الفئة الأسوأ اندماجا فى ألمانيا مقارنة بنظرائهم الروس أو البولنديين، وأضاف «أرهق المهاجرون المسلمون ألمانيا ماليا واجتماعيا أكثر مما أفادوها، ونشروا الغباء فى المجتمع لأنهم يحملون جينات غباء وأمراضا وراثية مكتسبة من شيوع زواج الأقارب بينهم» وحمل ساراتسين المسلمين مسئولية المشكلات الموجودة بالمجتمع الألماني، وحذر من تحول الألمانيين إلى غرباء فى وطنهم إذا أصبح المسلمون أكثرية سكانية مستقبلا، واعتبر أن خصوبة المسلمين المرتفعة وتكاثرهم المتزايد يمثل تهديدا للتوازن الثقافى والحضارى فى البلاد، وأشار إلى أن الأسرة الألمانية فى برلين تنجب 1.2 طفلا فى المتوسط فى حين تنجب الأسرة المسلمة طفلين، وطالب باتخاذ إجراءات صارمة تحد من استقدام مهاجرين جدد من دول إسلامية، وتحول دون استقدام المسلمين ذويهم من خارج ألمانيا عن طريق الزواج أو صلة القرابة، كما اعتبر أن المهاجرين المسلمين لا يمكن دمجهم فى المجتمع بسبب نزعة دينهم للتطرف والعنف أكثر من أى دين آخر، ولم يقتصر ساراتسين فى هجومه على المسلمين فقط، بل هاجم اليهود أيضا بقوله « إن جميع اليهود يشتركون فى جين معين» . وقد قوبلت آراء ساراتسين التى نشرها فى كتابه وأكدها فى مقابلات صحفية وإعلامية عديدة بهجوم وانتقادات عنيفة من أحزاب الحكومة والمعارضة وكبار المسئولين لاسيما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى قالت إن تعليقات ساراتسين غير مقبولة على الإطلاق، ودعت البنك المركزى إلى التحرك، كما وجهت وزيرة الاندماج والهجرة نقدا شديدا لساراتسين مشيرة إلى أن كتابه ليس أكثر من حملة هجوم عامة على المهاجرين المسلمين، وتضمنت أسلوبا جارحا ومهينا، كما أعرب رئيس مجلس المسلمين فى ألمانيا عن أسفه الشديد وكذلك خوفه وقلقه الشديد بسبب ما أثاره الكاتب، كما أثارت تصريحاته انتقاد الطائفة اليهودية فى ألمانيا، والتى حثت البنك الإتحادى الألمانى على إقالة عضو مجلس إدارته. وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة التى تعرض لها ساراتسين، إلا أن نتائج استطلاعين للرأى أشارت إلى أن الألمان مقتسمون بشدة فيما يتعلق بمصيره، ففى استطلاع أجرته مؤسسة « أنميد» لحساب قناة « ان 24» التليفزيونية أشار إلى أن 51% ممن شملهم الاستطلاع لا يرون حاجة فى إقالة ساراتسين، بينما عبر 32% عن رأى مضاد، لكن استطلاعا أخر أجرته مؤسسة «يوجوف» لحساب صحيفة « بيلد» أظهر أن 42% يعتبرون أنه لم يعد مقبولا أن يبقى ساراتسين فى وظيفته، بينما قال 34% إنه مازال مقبولا، وشمل كلا من الاستطلاعين نحو 1000 ألماني. ونتيجة لما قاله ساراتسين والانتقادات التى وجهت إليه، قرر البنك الإتحادى الألمانى إقالته، حيث تقدمت رئاسة البنك بإجماع أعضاء مجلس الإدارة بطلب إلى الرئيس الألمانى كريستيان فولف لإقالته، ورغم أن الأعضاء الستة لمجلس إدارة البنك الإتحادى يتم تعيينهم من قبل الحكومة الإتحادية والولايات فى مجلس الإدارة، إلا أن الحكومة والولايات لا تستطيع عزلهم، وليس هناك جهة فى ألمانيا تستطيع عزل أعضاء مجلس إدارة البنك الإتحادى الألمانى سوى الرئيس الألمانى بطلب من مجلس إدارة البنك، لذا كان فصله من منصبه خطوة لا مثيل لها فى تاريخ المؤسسة الألمانية العملاقة التى تتجاوز 50 عاما، وقد حاول ساراتسين الدفاع عن نفسه بقوله أن تصريحاته حرفت، وأن كتابه يرتكز بشكل كبير على ما يسميه « تحليلا موثقا جيدا» ومن الضرورى قراءته قبل انتقاده. الغريب أن الجدل حول الكتاب جعله من أكثر الكتب مبيعا فى ألمانيا، ففى أيام معدودات نفذت 25 ألف نسخة من الطبعة الأولى قبل وصولها إلى المكتبات، ونفذت 15 ألف نسخة من الثانية بمجرد تسلمها من المكتبات، ونفذت 70 ألف نسخة من الثالثة، لكنها ألحقت فورا بطبعة رابعة من 80 ألفا لكنها نفذت كذلك!!.