البسمة غابت عن الشاشة رغم عشرات الأعمال الكوميدية، ورغم اجتهادات بعض كتاب الدراما التليفزيونية فى البحث عن مواقف ومفارقات كوميدية تجعل الضحك تلقائيا وطبيعيا وليس «بغز السكين فى البطن» لزغزغة المشاهد وانتزاع الضحكات منه ظلما وقهرا وعدوانا. ويبدو أن الأفكار الكوميدية أصبحت شحيحة لدرجة أن البعض لا يزال يدور فى فلك موضوعات مستهلكة ومكررة، أو يحاول أن يسرق النجاح من غيره، كما فعل مؤلف مسلسل «الكبير أوى» للكوميديان أحمد مكى، حين عزف على نفس نغمة القرية المصرية التى أفسدتها التكنولوجيا الحديثة وجعلت الفلاحين يتركون المزارع والحقول ويهجرون الفلاحة ليتفرغوا للجلوس على «الكافيهات» ومقاهى الإنترنت، وهى نفس الفكرة التى عالجها بعمق أكبر وخفة ظل وحرفية أعلى مسلسل الكارتون البديع «بسنت ودياسطى». فقرية المزاريطة هى نفسها كفر أبو عجوة، وفكرة «السايبر» الريفى و«الدش» الفلاحى منقولة بالقلم والمسطرة من مسلسل الرسوم المتحركة. والغريب أن بعض مؤلفى وممثلى الكوميديا عندنا يظنون أن الحديث باللهجة الريفية او الصعيدية قادر فى حد ذاته على إضحاك المشاهد، ولذلك تلاحظ أن معظم الكوميديانات سواء من النساء أو الرجال يستعملون هذه اللهجات فى أعمالهم، ويرطنون بطريقة غريبة لا تعرف من أين جاءوا بها أو أين سمعوها، ومن الذى أقنعهم بأن تلك اللهجات العجيبة هى التى يتحدث بها أهل الريف، أو بأنك إذا أردت أن تتكلم باللهجة الفلاحى فما عليك سوى أن تمط الحرف الأخير من الكلمة و «تطجن» فى الحديث. ويكفى أن تستمع إلى اللهجة التى يتحدث بها الممثل الكوميدى أحمد عيد فى مسلسل «أزمة سكر»، أو مى كساب فى «العتبة الحمرا» لتعرف إلى أى مدى بلغ الاستسهال والاستهبال. فلا أحد فى مصر المحروسة يتكلم بهذه الطريقة. وليس من التهذيب أو حتى المنطق أن نظهر الفلاح أو الصعيدى فى أعمالنا الدرامية بهذه الدرجة من السذاجة والغباوة. وأعتقد أن معظمنا، بمن فينا، صناع هذه المسلسلات الهزلية ينتمون إلى أصول ريفية ويعرفون أن ما يتم تقديمه على الشاشة من أعمال تدعى أنها تمثل الريف أو الصعيد لا علاقة لها بالواقع على الإطلاق، فلا سكان بحرى يجلسون طوال الوقت على مقاهى الدش والإنترنت، ولا أهل الصعيد يتحدثون بتلك اللكنات الغريبة، او يقضون اوقاتهم فى قتل بعضهم البعض، وتحويل بيوتهم إلى مخازن للبارود وترسانات للأسلحة، كما نرى فى بعض مسلسلات الصعايدة التى تحولت إلى موضة دراما رمضان فى السنوات الأخيرة. ويبدو أن مؤلفى مسلسلات «السيت كوم» قد أفلسوا هم أيضا، وبعضهم آثر السلامة وتوقف عن تقديم أجزاء جديدة من أعمالهم مثل أصحاب السيت كوم الناجح «تامر وشوقية»، والبعض الآخر أصر على الاستمرار فى «النحت» على حساب أى معنى أو قيمة، كما يفعل فريق عمل «راجل وست ستات» الذى استهلك نفسه تماما فى جزئه السابع، وتراجعت معدلات مشاهدته إلى أقصى درجة، والأفضل أن يتوقف عند هذا الجزء. أما «الفوريجى» أحمد آدم فقد فقد لياقته الفنية وقدرته على الإضحاك، وتحول إلى مونولوجيست أو مهرج فى سيرك، وأصبح يبالغ بشكل يثير الشفقة فى التعبير الحركى والإشارات المبتذلة واستخدام ألفاظ غليظة وحركات غير مهذبة لإجبارنا على الضحك دون جدوى. ورغم أن الكوميديان طلعت زكريا يظل هو الأبسط والأقرب إلى القلب من بين نجوم الضحك فى رمضان هذا العام، إلا أنه أصبح يمثل على «الواقف» ومن الواضح أنه لم يسترد عافيته الصحية أو الفنية تماما بعد الوعكة التى ألمت به وأثرت كثيرا على أدائه، ونتمنى له تمام الشفاء واستعادة قدراته كاملة على التعبير الحركى واللفظى. ورغم طرافة فكرة مسلسل «اللص والكتاب» للكوميديان سامح حسين، إلا أن إصراره على ملء الشاشة بصورته وحده طوال الوقت من خلال تجسيد شخصيتى شابين توأم، أحدهما طيب والآخر شرير، وهى أيضا «تيمة» مستهلكة ويلجأ إليها نجوم الكوميديا الجدد كثيرا للانفراد بالمشاهد وعدم إعطاء أى فرص أخرى لزملاء لهم لمشاركتهم النجاح، والنتيجة أن هذه الأنانية الفنية من سامح قد أضعفت العمل ونالت من طرافة الفكرة وجمال الموضوع. والواضح تماما من تراجع مستوى الأعمال الكوميدية هذا العام هو إفلاس أصحاب «ورش» الكتابة الذين يستأثرون بصناعة البسمة على الشاشة الصغيرة، ويجعلوننا نترحم على أيام كُتاب الكوميديا الحقيقية: أبو السعود الإبيارى، وبهجت قمر، ويوسف عوف وأحمد عوض وغيرهم من عباقرة الضحك النظيف.