تمثل المخطوطات القديمة المصدر الحي للتاريخ والتراث العلمي والإنساني، وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبيرة للمخطوطات فلا تزال المخطوطات في مصر في حاجة لتدخل عاجل من جانب الجهات المسئولة عن الثقافة لإنقاذها ، حيث تتوزع مئات الآلاف من المخطوطات بين أكثر من جهة، ومنها دار الكتب والوثائق القومية ومكتبة جامعة الأزهر ومكتبة الأسكتدرية والمكتبة المركزية في جامعة القاهرة، بالإضافة إلى مكتبات جامعية أخرى. كما وجد باحثون مهتمون بالمخطوطات عدد هائل من أندر المخطوطات في أماكن لم يكن من المتوقع العثور عليها فيها مثل مكتبة مسجد السيدة زينب بالقاهرة، ووجدت بعضها في مسجد السيد البدوي بمحافظة الغربية، وبمسجد المرسي أبي العباس والنبي دانيال بالأسكندرية. والتي تم تقدير عددها بحوالي 132 ألف مخطوطة تعود لفترات زمنية مختلفة. ولاختلاف نوعية المخطوطات ما بين ورق وجلد وغيرها، وما يتطلبه كل نوع نظام معين للحفظ والترميم والتهوية حفاظاً على حالتها من التلف، استعان خبراء الترميم بأحدث الوسائل التكنولوجية في هذا الشأن، وتم التعاون بين دار الكتب والوثائق القومية، ومركز معلومات رئاسة الوزراء، ومؤسسة الأهرام ، لتنفيذ أول مشروع لحفظ وتوثيق الوثائق في العالم الإسلامي، ونسخ كل هذا التراث على "الميكروفيلم"، وبالتقنية الرقمية "الديجيتال"، وحفظت جميع هذه المخطوطات في "مبنى دار الكتب" بباب الخلق، والذي يترقب افتتاحه الكثير من المتخصصين والمهتمين بالمخطوطات القديمة بعد ان قامت الدولة بتحديثه وتزويده التكنولوجيا التي تضمن عرض هذه الوثائق وسهولة إطلاع الباحثين عليها. قواعد بيانات يؤكد يوسف العطفي ، خبير حفظ المخطوطات القديمة أن المخطوطات كانت تفتقد لأسلوب الحفظ الجيد في العصور الماضية، مما كان يجعلها عرضة للتلف والفقد وهذا ما حدث بالفعل لبعض المخطوطات، وذلك نتيجة سوء التخزين وسوء التهوية. وقد قام مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري بإقامة مشروعات لتوثيق التراث خلال بناء قواعد بيانات للمخطوطات داخل مصر، مثل موقع دار الكتب، ومكتبة الأزهر، وبعض مخطوطات وزارة الأوقاف كمسجد السيدة زينب، وأكثر من عشرين موقعاً آخر على مستوى الجمهورية تم تطوير وتحديث المخطوطات بها. ويضيف العطفي: بالتعاون مع خبراء المخطوطات في مصر وخبراء نظم المعلومات بمركز معلومات مجلس الوزراء، تم الاتفاق على بناء نظام المخطوطات المتطور وفقاً لأحدث النظم والمقاييس العالمية، وزود بإمكانيات واسعة للبحث واسترجاع البيانات، بالإضافة إلى إمكانية إصدار مجموعة متنوعة من التقارير والإحصائيات، تتميز بإمكانيات كبيرة في عمليات الفهرسة والتصنيف والتوثيق، فضلاً عن الانتهاء من نسخ جميع المخطوطات الموجودة بدار الكتب علي الميكروفيلم. وأوضح "العطفي" أن مخزن المخطوطات له مواصفات معينة ، بناء على الفترة الزمنية لكل مجموعة من المخطوطات، والتي تحفظ كل منها بشكل مستقل وبوسائل مختلفة وفي درجات حرارة معينة تتوافق مع تركيبة الورق ونوعه والفترة التاريخية التي كتبت فيها والزمن الذي كتبت فيه، والتي كان من الصعب عملية تحديدها، لاسيما وأن فهرسة المخطوطات في العصور السابقة لم تكن بالدقة الكافية للاستدلال على موضوعاتها وتواريخ كتابتها. ويضيف: ونظراً لارتفاع تكلفة إنشاء مخزن مطابق للمواصفات، فقد تم تجميع المخطوطات في دار حفظ واحدة، كما في دار المخطوطات في باب الخلق، ويتم عرض تلك المخطوطات في جميع أنحاء الجمهورية من خلال النسخة الرقمية "الديجيتال" والميكروفيلم ، وهما من أهم وسائل الحفظ والعرض في آن واحد. مورث حضاري وهو ما يتفق معه محمد حسان خبير المخطوطات التركية في دار الكتب والوثائق القومية في مصر والذي يؤكد أن التاريخ الطويل لمصر وللمنطقة العربية تراكم لدينا كمّ ضخم من المورث الحضاري الزاخر المليء بالعلوم والآداب والتاريخ والحكمة ، والذي خلفته لنا الأجيال والحضارات المتعاقبة، وما كنا نستطيع الوصول الى هذا الموروث لولا المخطوطات التي كانوا يقومون من خلالها بعملية التوثيق عبر الأزمنة المختلفة. وفي الآونة الأخيرة اكتشف الباحثون المعاصرون أهمية تجميع هذا الكم الهائل من المخطوطات التي لدينا في مكان واحد يتم فيه حفظها وفهرستها بأحدث الوسائل العلمية، ما يضمن الحفاظ عليها من التلف والضياع والتي سببها سوء التخزين والعوامل الجوية. وبالفعل قد تم تجميع هذه المخطوطات من عشرين مكاناً مختلفاً كدار الكتب المصرية، لكن مع ذلك فلا تزال هناك الحاجة قائمة لوجود جهة واحدة أو جهاز قومي متخصص للحفاظ على هذه المخطوطات من الضياع أو من التلف أو حتي لحمايتها من السرقة. وعلى الرغم من أن جانبا كبيرا من الأزمة التي يحذر منها خبراء المخطوطات في مصر تتعلق بالمتطلبات المالية التي من الضروري توفيرها لتجميع هذه المخطوطات في مكان مناسب لها، وترميم ما يحتاج ترميم منها، إلا أن بكري سلطان الخبير في المخطوطات بوزارة الثقافة يلفت إلى جانب خطير من الأزمة التي تتعلق بالمخطوطات، وهي تعرض أندر هذه المخطوطات للسرقة، وهو ما حدث فعلا مع واحدة من أندر المخطوطات في التاريخ الإسلامي، وهى المخطوطات المعروفة تاريخيا باسم ( رسالة الإمام الشافعي)، والتي تعد من أكبر مصادر الفقه الإسلامي في تاريخ المسلمين على الإطلاق، وحيث اختفت هذه المخطوطة النادرة التي كتبها أحد أهم تلاميذ الإمام الشافعي، وهو الربيع ابن سليمان، والذي كتبها وراجعها نحو ثلاثين مرة، واستغرق زمن كتابتها نحو خمس سنوات . ويضيف بكري سلطان ، أنه بعد اكتشاف سرقة هذه المخطوطة النادرة التي تعد واحدة من أبرز المخطوطات الأساسية في تاريخ المسلمين، لم يعد لدينا أي مصدر آخر بنفس هذه القيمة لفقه الإمام الشافعي، لكن الصادم في هذه الواقعة، وهو أنه بعد اكتشاف سرقة مخطوطة ( رسالة الإمام الشافعي)، تم إجراء جرد على المخطوطات التي يحتمل أن تكون قد اختفت هي الأخرى، فتبين أن هناك 300 مخطوطة أخرى من أندر المخطوطات قد اختفت بالفعل.