في كتابها النقدي" الأدب المقارن والدراسات المعاصرة لنظرية الأدب " تقدم د. أمينة رشيد رؤيتها النظرية والتطبيقية في ميدان الأدب المقارن، حيث تضمن الكتاب دراستها لما يزيد على نصف قرن، كما نشرت المؤلفة معظم دراساته خلال العقدين الماضيين ، فالنماذج التي اختارتها الكاتبة تنتمي إلى مجالين أساسيين في الأدب المقارن اليوم: وهما جماليات النص الأدبي كما تحددها المقارنة بين نصوص تنتمي إلى ثقافات مختلفة، وصورة الآخر بين تطوراتها النظرية وتطبيقها على النص. تقول المؤلفة:" لقد أردت جمع هذه الدراسات في فترة إعادة النظر في هذا التخصص عالميًا وربما أيضًا محليًا، وأرصد مراحل مختلفة من عملي، تلك التي تعبر عني وعن مجال الدراسة، الذي اتسم في تطوره بأزمات متتالية، وصلت إلى التهديد بموت التخصص، حسب عنوان الكاتبة الهندية المشهورة جاياتري، سبيفاك" . قدمت الكاتبة في بداية الكتاب دراسة ترصد نشأة الأدب المقارن في فرنسا، في الثلث الأول من القرن التاسع عشر وتطوره عبر قرن ونصف، واستبدلت فيه بالمدرسة الفرنسية المدرسة الأمريكية، ومرورًا بأزمات مختلفة وصول الأدب المقارن إلى التقارب مع نظرية الأدب، في أحدث تطوراتها ومحاولتها فهمًا أعمق للنصوص الأدبية. ويحتوي الجزء الأول من الكتاب الذي جاء تحت عنوان : " في جماليات النص الأدبي، على ثلاث دراسات ،تناولت الدراسة الأولى: محتوى وشكل روايات الأرض بصفتها نوع وجد في معظم الآداب المعروفة، وقامت الكاتبة بإجراء تحليل النصوص من خلال مفهوم القيمة والصوت. فالقيمة تقوم على مبدأين الواقع و الخيال والواقع،والوثيقة لكل منهما علاقته بجماليات النص. أما الصوت فيتوزع بين الصوت الواحد وتعدد الأصوات. فالصوت الواحد يكون من ناحية صوتًا غنائيًا، كما في الهلويز الجديدة لروسو أو زينب لمحمد حسين هيكل، أو من ناحية أخرى صوت الراوي العالم بكل شيء، كما في الأرض لعبد الرحمن الشرقاوى أو الأرض لإيميل زولا أو فونتامار لإجناسيو سيلوني. أما تعدد الأصوات فنجده في أعمال أكثر حداثة مثل مائة عام من العزلة لجارثيا ماركيز أو رجال في الشمس لغسان كنفانى. أما المقالة الثانية فتتناول موضوع "المظاهرة والمعركة الشعبية" في الرواية لتحاول من خلالها إدراك العلاقة بين جماليات الرواية وأيديولوجية الكاتب. تصور هنا الروايات الأربعة – نجيب محفوظ "بين القصرين" ولطيفة الزيات "الباب المفتوح"، في مصر، جوستاف فلوبير "التربية العاطفية" وجول فاليس "المتمرد"، في فرنسا – عبر العلاقة بين التاريخ والأدب، كيف يصور النص الأدبي حركة الجماهير في فترات المد الثوري في علاقتها الجدلية مع أبطال الروايات واختلاف الرؤى بين السخرية والحياد التشاؤمي من ناحية والحماس الغنائي من ناحية أخرى وكيف يتأثر أسلوب الكتابة هذه الرؤى المتباينة. وتعمق الدراسة الثالثة: في دراسة أسلوبية تفصيلية علاقة الشخصية الرئيسية للرواية مع واقع ممزق بين مد ثوري ونهايات مبهمة من ناحية، ومعاناتها الخاصة من ناحية أخرى. فالمقارنة تقوم هنا بين سخرية فلوبير الذي يصور من خلال التربية العاطفية فشل جيل من شباب البرجوازية الصغيرة الفرنسية في ثورة 1848، وتهكم يوسف إدريس من يحيى، بطل البيضاء، المشتت بين أيديولوجيته الثورية وميوله المتطلعة المتمثلة في رغبته في الصعود الاجتماعي وانجذابه إلى الأجنبية، البيضاء. صورة الآخر والجزء الثاني من الكتاب يتناول فرعًا متجددًا للأدب المقارن، وهو صورة الآخر ، فالفصل الأول: يقدم الوضع النظري لمعضلة "صورة الاخر" بين بداياتها في المدرسة الفرنسية حيث ساد التفسير الوضعي لعلاقة الأنا بالآخر والتقديم للأكليشيهات التي تكونها الشعوب بعضها عن البعض الآخر، دون الاقتراب من تحليل الظواهر المطروحة، وبين المناهج الحالية التي تركز ليس على علاقة الصورة بالواقع بل على عين المشاهد، في سياقها الأيديولوجي والثقافي وبتكوينها الأدبي والنفسي من رغبات ومصالح وتطلعات. وهنا تحدد المؤلفة أيضًا كيف يحل الصراع مكان الوفاق الإنساني الذي يقوم عليه الأدب المقترن في صياغته التقليدية. أما الفصل الثاني فيتضمن تطبيق المقولات الخاصة بعين المشاهد وبمفهوم الصراع الذي يحول ويفصل بين الذات والآخر أو بالإعجاب المفرط من طرف إلى الطرف الآخر. وتعطي المؤلفة مثالا قائلة : " ماذا رأى فلوبير وبيرفال من خلال رحلتهما إلى مصر وتجوالهما فيها؟ لماذا هذه الرؤية المتدنية لعين فلوبير بينما يبحث بيرفال عن تبريرات لما يراه من تدهور في حال البلاد؟ ومن ناحية أخرى، كيف نفهم إعجاب رفاعة الطهطاوي المبالغ بباريس دون وضعه في إطار المشروع النهضوي لعصر محمد علي وبداية التبعية إلى الغرب الأوروبي التي ميزته؟" تناولت الكاتبة في الفصل الثالث موضوع "مصر في عيون الآخر"، أقدم ثلاث نظرات حديثة لمصر من خارجها، نظرة الشاعر الإيطالي جوزيبي أونجريتي والكاتب البريطاني لورانس داريل والروائي الفرنسي ميشيل بوتور،حيث تتراوح النظريات بين الازدراء عند داريل والتعاطف غير الفاهم لظروف البحث عن الحداثة لدى المصريين في رؤية أونجاريتي والوعي العميق بمسئولية المستعمر في تدهور البلاد لدى بوتور. في ختام الكتاب قدمت المؤلفة رصدًا للرؤى والمناهج المختلفة التي نجدها في دراسات تتم في العالم عبر قراءات مختلفة، جمعتها تحت عنوان "آفاق جديدة للأدب المقارن". وهذا المقال يحمل دعوة للتجديد وضرورة مساهمة متخصصي الأدب المقارن في العالم العربي في إنضاج وتكوين نظرية عامة للأدب دون إضافة نعت المقارن؛ حيث شهدت العقود الأخيرة تطورات هامة في ميدان الأدب المقارن في عدة مجالات منها مجالان أساسيان، أولهما: تعميق فهم العلاقة بين الجماليات والأيديولوجيا، بعيدًا عن فكرة التأثير والتأثر التقليدية، وإنما من منطلق التشابه والاختلاف، والثاني في صورة الآخر التي لم تعد بالبساطة والسطحية التي كانت تميزها في بداية الدراسة المقارنة. فوضعية الآخر تتطلب دراسات بينية تجمع بين التاريخ والأنثروبولوجية بمعنى دراسات الثقافات المختلفة وتحليل الخطاب، بإضافة تقنيات لدراسة النص الأدبي. فبينما كان الاهتمام في الماضي يتمحور حول الصورة و المشهد التي ينظر إليها المشاهد، نجد الآن تركيز الدراسات على العين الشاهدة، فثقافة الشاهد، أيديولوجيته، رغباته ومصالحه، تحدد آفاق رؤيته وشكل المنظور إليه، كما تكشف جميع هذه العوامل عن علاقته بالآخر.وهذا الكتاب يحوي دراسات معمقة في المجالين، في إطار رؤية شاملة لتطور الأدب المقارن منذ نشأته وللآفاق الجديدة المتوقعة في المستقبل. الجدير بالذكر أن كتاب "الأدب المقارن والدراسات المعاصرة لنظرية الأدب"، صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب . خدمة ( وكالة الصحافة العربية)