تهيمن أجواء الحُب والهجرة والضياع على رواية «جسور الحُب، غرينفيل تاوَر» لمريم مشتاوي، الصادرة عن «دار المؤلف» ببيروت، وهي العمل السردي الرابع في رصيدها الروائي الذي بدأ يستوفي اشتراطاته الفنية، وينمو بشكل عضوي على صعيد الثيمة والأحداث والشخصيات. فقد بدت هذه الرواية المحبوكة مُقنعة للقارئ، ومُحفِّزة له كي يغوص في أحداثها الرئيسة، وينبش في تفاصيلها الزمكانية، فهي رواية زمان ومكان، مثلما هي رواية حُب، وسفر، وغربة، وموت، وفقدان عاطفي، وعودة إلى النبع الأول. تنطلق أحداث الرواية من مدينة قسنطينة، أو سيرتا باسمها الأمازيغي، مدينة الجسور المعلّقة التي تحتضن بعض الشخصيات الأساسية للنص الروائي، مثل بايا وحبيبها الأول تقي الدين، والحلقة الضيقة من الأهل والأقارب، والسيدة البريطانية كليونا وايت التي تعتبرها الراوية بايا مولاتها وأمها الثانية، التي فتحت لها باب الأمل على مصراعيه. لا تبدو قصة الحُب التي نشأت بين بايا، الفتاة الجميلة وتقي الدين، الشاب الوسيم، استثنائية، فهناك آلاف وربما ملايين القصص المشابهة لها؛ لكن هناك سرّاً ما سوف تكتشفه بايا لاحقاً، رغم أنها شخّصته بحدْسها، وقوة فطنتها وبصيرتها الداخلية، حين تساءلت في سرّها بما معناه: ما مصدر جماله إذا كان أبواه قبيحين إلى حدّ اللعنة؟ ولو أضفنا إلى هذا التساؤل طلب جدتها الأمازيغية رقيّة الأورغليّة ألا ترتبط بايا بتقي الدين مهما كانت الأسباب؟ هذان التساؤلان سوف يضعان القارئ أمام مفاجأة غير متوقعة، تمنح النص السردي نكهة خاصة ومغايرة، وتثير فينا أسئلة فكرية وثقافية عميقة، تدعونا فيها ألا نحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء.