عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 6-5-2024 بالصاغة    أسعار الفاكهة والخضروات فى الأقصر اليوم الإثنين 6 مايو 2024    عاجل| المخاطر الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط تقفز بأسعار النفط عالميا    غدا.. أول أيام تفعيل قانون التصالح الجديد بالشرقية    يلين: معدلات التضخم تحت السيطرة، وهذا أكبر تهديد للاقتصاد الأمريكي    الاحتلال الإسرائيلي يطالب الفلسطينيين بإخلاء الأجزاء الشرقية من مدينة رفح    الرئيس الصيني يلتقي ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية في باريس    أوكرانيا: تدمير 12 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا خلال 24 ساعة    إصابة 3 مدنيين في غارة إسرائيلية على بعلبك بشرق لبنان    نجم الأهلي ينتقد بيرسي تاو لهذا السبب    جدول مباريات اليوم.. مباراتان في الدوري المصري.. قمة السعودية.. وختام الجولة في إنجلترا    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 7 مايو 2024 | إنفوجراف    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    قبل الامتحانات.. ما مصادر التعلم والمراجعة لطلاب الثانوية العامة؟    لمواليد برج العذراء والجدي والثور.. ماذا يخبئ مايو لأصحاب الأبراج الترابية (التفاصيل)    في شم النسيم، الصحة تكشف مدة ظهور أعراض التسمم بعد تناول الأسماك المملحة    تحذير: احتمالية حدوث زلازل قوية في الأيام المقبلة    فيلم السرب يواصل تصدر شباك التذاكر.. حقق 4 ملايين جنيه في 24 ساعة    في يوم شم النسيم.. رفع درجة الاستعداد في مستشفيات شمال سيناء    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    مصرع طالب ثانوي وإصابة آخرين في حادث تصادم بدائري الإسماعيلية    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    نيرمين رشاد ل«بين السطور»: ابنة مجدي يعقوب كان لها دور كبير في خروج مذكرات والدها للنور    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    سعر التذكرة 20 جنيها.. إقبال كبير على الحديقة الدولية في شم النسيم    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    «بيتمشى في الملعب ومعندوش قلب خالص».. ميدو يفتح النار على نجم الزمالك    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال أجاب عنه كتاب ومثقفون : ماذا قدمت ثورة يوليو للثقافة ؟
نشر في نقطة ضوء يوم 10 - 08 - 2012

رغم مرور 60 عاماً على ابتلاج ثورة يوليو إلا أنها تعد الثورة العربية الأم في العالم العربي - بحسب شهادات المؤرخين- كما كانت الثورة الفرنسية في حينها وإلى الآن تعد (أم الثورات) وكما أثرت تلك الثورات على شكل الحياة السياسية، انعكس تأثيرها أيضا، على مجالات الحركة الثقافية والفكرية والنقدية بشكل مباشر، فهناك علاقة وطيدة بين الثقافة والسياسة، لقد كتب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي عن ثورة يوليو قائلاً " ميزة هذه الثورة أن القائمين عليها رجال ذو عقيدة وإيمان، متفاهمون، متقاربون، وكلهم من بيئة واحدة، وقد استمروا في اتحادهم، وتضامنهم، لم تفرق بينهم الأحداث والنزاعات الشخصية، وثمة ميزة أخرى، وهي أنهم لم يكونوا من قبل أعضاء في حزب سياسي، فساروا في الثورة مسيرة قومية، ولم يتأثروا بالأهواء الحزبية، أو العصبية، وكان ذلك من سداد الرأي، وعلامات التوفيق" .
" كان الكثيرون من مفكري العلوم الاجتماعية يعتبرون ثورة يوليو 1952 الحلقة الثالثة من حلقات الثورة الوطنية المصرية في العصر الحديث، لكن أحدا لم يعتبرها الحلقة الأخيرة، بسبب النقص الجوهري الذي لم تحققه الثورة، ونعني الديمقراطية، وهو المبدأ الذي كان يقتضي ثورة «أو حلقة جديدة» رابعة من حلقات الثورة الوطنية الديمقراطية المصرية، وهذا ما حدث في ثورة 25 يناير 2011، التي كان شعارها الأول «الحرية" .. هكذ قال الكاتب والشاعرالراحل حلمي سالم .. ويرى أيضا أن ثورة يوليو 1952 – من الزاوية الثقافة – كانت نقلة كبيرة في مسار التطور السياسي الاجتماعي الثقافي المصري والعربي على السواء، إذ كانت بؤرة لمجموعة من الثورات والاستقلالات والانقلابات الوطنية في العالم العربي، سبقتها أو لحقتها بقليل، مثلما وقع في سورية والعراق ولبنان قبل 1952، وفي الجزائر والسودان بعد 1952 ومن هذه الزاوية نقول: شكلت ثورة يوليو 1952، إذن، قوة دفع هائلة لنشوء ونمو وصعود حركة الثقافة العربية ، بما رفعته الثورة من شعارات وتوجهات وإجراءات تجاه حرية الوطن وكرامة المواطن والعدالة الاجتماعية ومقاومة المستعمر والمحتل، وتذويب الفوارق بين الطبقات والانحياز إلى البسطاء، وإعلاء «القومية العربية»، والتقدم والاشتراكية، ورفض الاستغلال والإقطاع والاستعباد، وغير ذلك من قيم وأهداف ورؤي، رأى فيها شعراء التجديد القادمون تجسيدا لأحلامهم أو تشكيلا لها، بما يستجيب لأشواق هؤلاء الشعراء الذين يريدون تحطيم الأطر القديمة وخلق أطر جديدة، من الحرية والعدل والتقدم والفكر، علي الأصعدة جمعاء.
وأضاف سالم : كان حضور ثورة يوليو في ثورة يناير متنوعا: صور ناصر «مع رموز الثوار العالميين كجيفارا» ترتفع في المظاهرات والمسيرات والمليونيات، ناصريون يشاركون في الثورة «بل إن واحدا من أبرز الرموز الناصرية، هو أيضا واحد من أبرز رموز يناير 2011، وتقصد «حمدين صباحي»، الأناشيد والأغاني التي صنعت في الخمسينيات والستينيات تحية لثورة يوليو أو تجسيدا لها، هي التي تنطلق في ميدان التحرير وفي مقار الأحزاب، لاسيما حينما يقول عبدالحليم حافظ بكلمات صلاح جاهين ولحن كمال الطويل:
" صورة، كلنا كده عايزين صورة
صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة
صورنا يا زمان
واللي حيخرج من الميدان
عمره ما هيبان في الصورة "
كانت ثورة يوليو تطوف بالوجدان، إذن، كلما هتف متظاهرو يناير 2011 للعدالة الاجتماعية، متذكرين سعي "ناصر" لتذويب الفوارق بين الطبقات، وكلما هتفوا للكرامة الإنسانية، متذكرين العزة الوطنية التي غذاها ناصر في المصريين ؛ بل إنهم كانوا يتذكرونها كلما هتفوا للحرية، لأن الحرية كا نت هي النقيصة الكبري لثورة يوليو، وهي كعب «أخيل» الذي انضربت منه الثورة كلها، فكأن متظاهري 25 يناير 2011 كانوا يريدون أن يسدوا نقص يوليو 1952.
انحياز للثورة
كاتب الدراما محفوظ عبدالرحمن يقول : يسألنى أحدهم لماذا انحزت بعد ذلك إلى ثورة يوليو؟ أقول له مازحاً: بضدها تعرف الأشياء، لكنني أتذكر أيضاً عندما بدأت أسافر منذ السبعينيات فأرى صور عبدالناصر في شرفات بيوت أحد بلاد الخليج، ويحكي لى بفخر مواطن بلد آخر أن عبدالناصر زارهم واكتشف أن طائرة عبدالناصر توقفت فى المطار للتزود بالوقود، وفى قبرص أشتري أنا والأولاد ملابس ويرفض صاحب المحل أن يأخذ ثمنها لأننا من بلاد ناصر، وفي اليونان ألتقى في الفندق بيونانى كان يعيش فى الإسكندرية يقول لي إنه لم يتح له أن يقابل عبدالناصر أبداً، لكنه اضطر أن يحكي لأهله وجيرانه عنه حتى يكسب تقديرهم، ويوناني آخر قابلته في الدوحة وهو أحد مديرى سلسلة فنادق كبرى ليقول لى إنه يملك مقبرة فى الإسماعيلية أوصى أن يدفن بها.
ولكنها كانت إحدى المرات النادرة التى تطابقت فيها مصر والسلطة، فى عهد محمد على باني مصر الحديثة امتلك كل أراضيها، وأصدر أمراً بعدم ضرب أولاد البلد - أى من ليسو أتراكاً أو أوروبيين - بالكرباج والاكتفاء بضربهم بالمركوب «الحذاء»! ومحمد توفيق عندما ثار أحمد عرابي وزملاؤه وقرروا أن يحكموا البلاد حسب القواعد الحديثة استجار توفيق خديو مصر بالدولة العثمانية وبالإنجليز؛ حيث بدأ احتلال ناضل ضده مصطفى كامل وثار ضده سعد زغلول، وأنهاه جمال عبدالناصر.
ويؤكد محفوظ عبد الرحمن : نحن الآن بحاجة إلى الثورة ومبادئها أكثر من أي وقت مضى، لأنها أحست بنبض الجماهير وانعكس ذلك على الكتابات والآراء وعلى الحركة الأدبية والفكرية، ولو كانت الثورة موجودة إلى الآن لتغير الكثير، خاصة في الاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية فالشعب المصري مطحون مادياً، ولا تعبير عن ذلك إلا من خلال الأعمال الفنية والأدبية التي تناقش ذلك، فأين هي الآن؟
أما الروائي بهاء طاهرفيقول: لقد مرت سنوات عديدة على قيام "ثورة يوليو" والمطلوب الآن استخلاص الدروس المستفادة من هذه الثورة من دون الإنحياز إلى عصر بعينه، وثورة يوليو كانت لا بد أن تقوم بسبب الأوضاع المتردية التي وصلت إليها البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقبل الثورة كانت مصر عبارة عن عزبة بسبب وجود الاستعمار ؛ وكان له أشكال عدة : استعمار إنجليزي وإقطاع وملكية وكلها قوي تنهش في الجسد المصري، وقد حققت ثورة يوليو ما يسمى بالعدالة الاجتماعية، وهو الشيء المنقوص قبل قيامها ؛ فقد عاش المصريون في ليبرالية منقوصة، ولنعلم أن مصر خاضت في تلك الفترة معارك ضد المحتل والاقطاع والرأسمالية والنظام الملكي .. وهنا كان للمثقفين دور في الوقوف بجانب الثورة. وفي فترة الستينيات حصل المثقف على حقه كاملاً في التعبير عن رأيه، ولكن كانت هناك نتيجة هي أنه من الممكن أن تدفع ثمن ذلك غالياً، بأن تجد نفسك في السجن أو الشارع، ولكن لا ننكر أن الثورة في عهدها شهدت مولد أعظم الأعمال الأدبية مثل : أعمال نجيب محفوظ ونعمان عاشور والفريد فرج ويوسف إدريس فكلهم خرجوا وتربوا في عهد الثورة.
وفي رأي بهاء طاهر أنه من الضروري الآن وضع رؤية متكاملة لتجاوز الواقع الذي نعيشه واستلهام ثورة يوليو وانجازاتها وتنفيذ هذه المبادئ بعد تطويرها حتى تتفتق واحتياجات الأمة العربية.
الهوية العربية
الناقد إبراهيم فتحي يقول: لاشك أن مابقى من ثورة يوليو ، هو الإحساس بالهوية العربية في المجال الثقافي ، ورغم كل التحولات مازال هناك شعور للمثقف المصري بانتمائه إلى ثقافة عربية متميزة وأصيلة ، .. وهذا الاحساس لا يقلل من الوطنية المصرية ، بل هناك تناسب بين احساس المثقف بهويته العربية ، وانتمائه إلى الشخصية المصرية ، ومعظم المثقفين يعتبرون أن العامية المصرية لهجة من الفصحى ، باستثناء أصوات خافتة قليلة العدد .
ومن الآثارالباقية لثورة يوليو والتي تهم المثقفون العرب، هو خصوصية الرواية العربية ، وخصوصية الشعر العربي ، والتي تقرب المثقفون من بعضهم البعض ، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية ، التي أنشئت في هذه الفترة مثل الكونستفوار والبرنامج الموسىقي ، والبرنامج الثقافي ، وسلاسل الهيئة العامة للكتاب ، والهيئة العامة لقصور الثقافة كلها ما تزال قائمة ، وتقدم - رغم كل السلبيات - الكثير للثقافة المصرية والعربية ، ولا تنسى المجلس الأعلى للثقافة ودوره في الاسهام بإثراء حركة الترجمة والانفتاح على الثقافة الأجنبية وكلها إنجازات ثقافية من آثار ثورة يوليو، ولا تزال قائمة وتقوم بدورها حتى اليوم، والملاحظ هذه الأيام أن قضية العدالة الاجتماعية لم تعد تشغل بال المثقف ، فالاهتمام بالإصلاح الزراعي ، وحقوق العمال والفلاحين ، قد تراجع لطبيعة التحولات التي تمثلت في المرحلة الراهنة والتي تخص الانفتاح والخصخصة ، وللعلم أن المثقفين ليسوا من أنصار هذا الاتجاه، وهناك نغمة سائدة وسط النقد الحالي ، تتحدث عن خيبة الآمال في المشروع القومي ، والقومية العربية ، مما دفع المثقفين إلى الانكفاء على خبراتهم الذاتية ، بعد أن فقدوا الثقة في الشعارات السابقة والعمل الجماعي.
وهناك تصور خاطئ أن فترة الستينات ، كانت لجيل غير ناقد للأوضاع القائمة ، بل على العكس تماما ، كان ينقد الأوضاع قبل حدوثها ، ومعظم أفراد الجيل لم يكونوا صدى للشعارات الرسمية على الإطلاق ، فهناك كتاب ينتمون إلى اليسار ، ولم يوقفهم ذلك عن نقد التجربة الاشتراكية التي انتهجتها الثورة ، والدعوة إلى إطلاق حرية الفنان وحرية الأدب والابداع .
ويقول القاص سعيد الكفراوي: عندما جاءت ثورة يوليو ، كانت تجسيداً لحلم ظلت الحركة الوطنية تسعى لتحقيقه ، وكان على الثورة أن تستجيب لمجمل طموحات الحركات السياسية قبلها ، وبدأت الثورة تطرح صوراً لحركة ثقافية جديدة ومختلفة ، ومن ثم بدأت الاهتمام بالمسرح والسينما والكتاب ، وكان هذا بداية الخطأ العظيم ، فالهدف هو توظيف كل هذه الوسائط لخدمة أهداف الثورة والاشادة بمنجزات زعيمها الأوحد ، ومنذ بداية الستينات بدأ الاصطدام الحقيقي بالثقافة الحقيقية ، وبالمثقفين الفاعلىن ، فمن ثم غابت الدىمقراطية ، وتراجعت حرية التعبير ، وبدأت ثقافة معارضة تلجأ إلى الرمز وإلى التغطية ، أو إلى التعبير غير المباشر .. وظهر ذلك في المسرح ، وأدب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، وقصص يوسف إدريس ، حتى جاءت الستينات ، وكانت المعارضة أشد قسوة وضراوة من أبناء الثورة أنفسهم وتمثل ذلك في، أمل دنقل - يحيي الطاهر عبدالله - نجيب سرور - محمد عفيفي مطر وآخرين ، إذن ما نحن فيه الآن ، نتيجة لممارسات قديمة ، أضف إليها حقبة الانفتاح الاقتصادي ،والهزيمة العسكرية المروعة في 67، والتطبيع مع الآخر، ذلك فكك البنى الأساسية لإقامة مشروع ثقافي جماعي ، وتحولت الثقافة والابداع المصري إلى حالات فردية ، وبدلاً من كون المثقف يخلق الأزمة ، أصبح هو في أزمة.
النص وزمن ابداعه
الناقد المسرحي د. حسن عطية يؤكد أنه يبقى من ثورة يوليو أشياء كثيرة منها الفكر الثوري ، ورجال مازالوا يقودون الوطن، والأعمال المسرحية التي قدمها جيل ، كان يمثل هذه الثورة ثقافياً وإبداعياً مثل أعمال نعمان عاشور ، وسعد الدىن وهبة ، ومحمود دياب ، ونجيب سرور ، وغيرهم من الرموز التي منحت المسرح المصري مكتبة من النصوص الدرامية ، التي تعد ذخيرة أساسية للمسرح العربي كله ، ويبقي الأفلام التي مازلنا نتثبث بها ، ونعرضها في مناسباتنا القومية ، مثل الأرض والناصر صلاح الدىن ، والقاهرة 30 ، وغيرها من الأعمال السينمائية التي تشكل أهم مائة فيلم في تاريخ السينما العربية كلها .. ويبقى من الثورة التأكيد على أن الوطن لا يصنعه سوى شبابه ، وأن هذا الشباب لا يصنع إلا بالعلم ، ولذلك حرصت الثورة على تأكيد مبدأ العلم وأسست البنيات لهذا العلم ، وأبرزها في مجال الفن أكاديمية الفنون.
ويضيف د. عطية: يبقى من ثورة يوليو فكرة الوحدة العربية ، التي تقوم على أساس واحد ، وشعبه واحد ، وتاريخه وآماله واحد ، وقد كشفت السنوات الأخيرة ، على أن هذا الوطن قد تمزق وكاد أن يضيع بعد ابتعاده وانكاره لفكرة الوحدة العربية، وفي مجال المسرح - كظاهرة إجتماعية تعبر بالضرورة عن حركة الواقع ، حدث نوع من الارتداد وحدث انفصام بين الجيل الجديد ، والأجيال السابقة ؛ ولم يحدث التطوير الصحيح للمسرح ، وراحت الأجيال الجديدة ، تقدم مسرحاً منفصماً عن إبداعات الجيل السابق ، وعندما فكرت هذه الأجيال - مؤخرا - في تقديم أعمال الستينات ، لم تدرك جيداً علاقة النص بزمن إبداعه ، على سبيل المثال " ليلة مصرع جيفارا"..كان هذا النص يرتبط بحركة الواقع المصري والعالمي وقتذاك ، ويمهد لما عرف باسم "ثورة الشباب" عام 1968 ، خاصة وأن جيفارا هذا المناضل الثوري ، كان الشباب يعتبرونه - وقت ذاك - قدوة ومثالاً يحتذونه ، ويضعون صورة مكبرة له على حوائط حجراتهم ، بينما الشباب اليوم يضعون صوراً لمايكل جاكسون وعمرو دياب ، وبدلا من ارتداء ما هو مرتبط بما هو مصري،نجد شبابنا يرتدون (الفانلات) و(الكاسيكاتا) التي تحمل شعار وعلم الولايات المتحدة الأمريكية، وقد انعكس هذا الواقع المتردي على العرض المسرحي الجديد ، ويسري هذا على كل عروض المسرح المصري والعربي حاليا ، حيث تغيب النصوص القديمة عن التفاعل مع واقع مختل ، وفي نفس الوقت لا يخلق هذا الواقع أعمالاً مسرحية جديدة ، ويدعونا هذا إلى المطالبة بعودة الفكر الثوري الذي كان وراء قيام ثورة يوليو ، فنحن ندعو لعودة الفكر،لاعودة النظام الذي سارت عليه ثورة يوليو في ظروف منتصف القرن .
مجانية التعليم
د. محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة يرى أن الملمح الأكبر لثقافة الثورة هو مجانية التعليم والتوسع في التعليم العالي، هذا ما يعني أن الثورة فرضت التعليم خيارا محتوما لا غني عنه ووضعت خطة طموحا للبعثات العلمية كان من نتائجها غير المباشرة تكوين صف ثان من العلماء المصريين في شتي أنحاء العالم يرفعون اسم مصر عاليا، وكان المشروع الثقافي "العلم للجميع" الذي بدأ بمشروع نشر وترجمة الألف كتاب عام 1954 نهضت به الإدارة الثقافية بوزارة المعارف آنذاك، التربية والتعليم حاليا، أيضا من محاسن الثورة إحياء ثقافة الشباب.
وفي رأي الكاتب محمد السيد عيد أن المثقفين دائما هم الأصل في كل ثورة ؛ لأنهم هم الذين يتمردون على الوضع السابق للثورة..وينادون بالتغيير ويحددون ملامحه..وهذا ما حدث مع ثورة يوليو فقد حلم مثقفو مصر قبل قيامها بكل الأفكار التي تبنتها ونفذتها مثل مجانية التعليم والإصلاح الزراعي وبناء السد العالي ومقاومة الفقر والجهل والمرض وتحقيق العدالة الاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.