في كتابه الجديد (الحسبة وحرية التعبير) الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في القاهرة. يضع الكاتب حلمي النمنم قضية الحسبة في سياقها التاريخي، وأنها كانت تستهدف مكافحة الفساد الاقتصادي والإداري، حيث يقوم المحتسب بمراقبة الأسواق للتأكد من صحة المكاييل وسلامة المعاملات، إلا أن المصطلح في العقود الأخيرة أصبح يعني مصادرة حرية الرأي والإبداع. ودور المحتسب – قديما - كان يشبه "شرطة تنفيذ الأحكام" في الوقت الحالي. ويري النمنم: إن هناك "جهادا ضد المبدعين" باستخدام قضايا الحسبة التي أخرجها البعض من كتب الفقه الإسلامي، واستخدموها في غير ما أراد الفقهاء الذين استهدفوا بالحسبة مراقبة الأداء الاقتصادي والمالي والإداري بما يحقق المصلحة العامة. كما أن "المحتسبين الجدد حولوه إلى مصادرة حرية الكتاب والمبدعين" عن طريق رفع دعاوى قضائية تتهم الكاتب بالمساس بالذات الإلهية أو الترويج للإلحاد، وطالت هذه الدعاوى كتابا مصريين، منهم نجيب محفوظ، ونصر حامدأبو زيد، وفنانين مثل الممثل عادل إمام. ويشدد النمنم على أن المسلمين الأوائل لم يعرفوا مصطلح "الحسبة" ولا شخص "المحتسب" الذي كان يقوم في بعض فترات التاريخ الإسلامي بوظيفة "ليست مفتوحة ولا مباحة لأي مسلم"، انطلاقا من كونه فقيها يعلم أحكام الشريعة الإسلامية. ويقول المؤلف: إن الحسبة والمحتسب اختفيا من مصر في القرن التاسع عشر منذ تولي محمد سعيد باشا حكم البلاد في 1854، وأصبح جهاز الدولة الحديثة يقوم بمهام المحتسبين، إلى أن عاد "المحتسبون الجدد" على استحياء في القرن العشرين. ويعتبر النمنم قضية نصر حامد أبو زيد "أشهر قضية حسبة شهدتها مصر في العقود الأخيرة"، حيث تقدم أبو زيد في 1993 للترقية إلى درجة "أستاذ" بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ورفضت اللجنة ترقيته واصفة أحد بحوثه بأنها "كفر في كفر". وانتقل الأمر من الجامعة إلى وسائل الإعلام، ثم إلى القضاء، حيث طالب محام بالتفريق بين أبو زيد وزوجته ابتهال يونس الأستاذة بالكلية نفسها، وصدر الحكم بالتفريق بينهما، فغادر أبو زيد مصر. ويرى النمنم أن الاستبداد السياسي أو الديني أو الاجتماعي يستهدف قمع الحريات، ضاربا المثل باغتيال الكاتب فرج فودة في 1992 على أيدي متشددين إسلاميين، ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ في 1994 لاتهامه بالإساءة إلى الإسلام في أعمال منها رواية (أولاد حارتنا) التي ظل محظورنشرها ؛ بحجة أنها تسيء إلى الأنبياء. لكن الرواية نشرت في مصر منذ بضع سنوات بمقدمتين لاثنين من الكتاب المحسوبين على التيار الإسلامي المستنير، هما أحمد كمال أبو المجد، أستاذ القانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ومحمد سليم العوا، الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ويقول النمنم: إنه رغم إتاحة (أولاد حارتنا) وتعدد طبعاتها "لم يهتز إيمان الناس بالأنبياء ولا تراجع الإيمان في المجتمع".